الأربعاء 27 نوفمبر 2024
فن وثقافة

هدى الفشكة المصممة المغربية تحارب التطرف والعنصرية بالأزياء

هدى الفشكة المصممة المغربية تحارب التطرف والعنصرية بالأزياء

أكدت هدى الفشكة أن مشروعها في عروض “إسلامك فاشن أواردز”، الذي يحتفل بالأزياء الراقية المستمدة من الثقافة الإسلامية، والذي أقيم مؤخرا في باريس، هو استمرار لمشروعها الفني المقاوم للتطرف وللعنصرية.

وفي لقاء تم معها في أمستردام ثم في باريس على هامش عروض المهرجان، شرحت هدى الفشكة لـ”العرب”، خلفيات هذا المشروع النوعي، قائلة: أنا حريصة على أن يتوافق كل نشاطي وعملي وتصاميمي مع محور أساسي وهو مقاومة التطرف والتعصب أيا كان مصدرهما، وذلك من خلال العمل الإبداعي.

وأضافت: المتطرفون في الفضاء الإسلامي على سبيل المثال يتصرفون وكأن الدين يفرض على المرأة أن تترك الأناقة والجمال، وتكتفي بعباءة سوداء تغطي جسدها بدون أي أناقة أو جمالية. وكأن الإسلام لا يهتم إلا بتغييب المرأة عن الحياة وعن الجمال، وهذا خطاب مرفوض وغير منطقي. لذلك نحن نسعى من خلال عروض ‘إسلامك فاشن أواردز” للتأكيد على أن المرأة المسلمة يمكن أن تكون مستورة ومحتشمة، ولكن أيضا جميلة وأنيقة. وهذا يساهم في الرد على الحملة العنصرية المتنامية التي يشنها ضدنا المتعصبون في الغرب، والتي تروج لفكرة أن المسلمين متخلفون ويكرهون المرأة، ويسحقونها خلف الحجاب والنقاب أو “الخيم” السوداء.

وأكدت أن هذا المشروع يسعى لإبداع ملابس محتشمة وراقية تضيف للمرأة المسلمة جمالا على جمالها، وأناقة ترفعها إلى مصاف أرقى الأنيقات، دون أن تحتاج لنزع حجابها أو التخلي عن ملابسها التقليدية.

وقالت موضحة: بكلمة أخرى فكرتي الأساسية هي الاحتفال بأجمل الملابس والتصميمات الإسلامية في أرقى الصور العالمية، والتي من شأنها أن تقفز على الصور النمطية التي تحاول بعض الأبواق المغرضة إلصاقها بالمرأة المسلمة.

وتابعت: بطبيعة الحال أنا أقدم الفستان المغربي المطور برؤية غربية، وكما هم يستلهمون منا، فنحن نستلهم منهم أيضا. هذه حقيقة وهذا هو المعنى الأصلي للتثاقف. لكنني أقدم أيضا عروضا عصرية أستخدم فيها مواد اشتهرت في أوروبا مثل الجلد والشامواه لتصميم ملابس عصرية جميلة ذات بعد إسلامي. والتي يمكن للسيدة المحجبة أن ترتديها بنفس الأناقة والجمالية التي ترتدي بها أي امرأة أوروبية هذه الملابس.

وفي ما يتعلق بالحملة الشرسة التي قامت ضدها في هولندا قالت هدى الفشكة لـ”العرب”: على الرغم من استناد تصاميمي في مجملها إلى المفردة الثراتية المغربية، التي أعرفها وأتقنها، وأنتمي إليها، وذلك وفق إيماني بجدوى التثاقف الحضاري، والتبادل الخلاق بين معطيات الموروث الإنساني عبر مختلف الحضارات. حيث كنت حريصة على المزاوجة بين ما يطوره الغرب المعاصر من لمسات إبداعية وبين ما يزخر به موروثنا الحضاري المغربي والعربي الإسلامي من كنوز في هذا المجال، إلا أنني اكتسبت شهرة واسعة في هولندا وفق هذا التميز. وصارت العديدات من رموز السينما والتلفزيون الهولندي يرتدين أزيائي بحثا عن تلك اللمسة الشرقية الساحرة.

وأضافت: توج هذا النجاح بأن طلبت مني السيدة إلا فوخلار وزيرة الثقافة الهولندية أن أصمم لها زيا خاصا يترجم هذا التثاقف الخلاق بين الحضارات، وبما يعكس انسجام الوجود العربي الإسلامي في هولندا مع انتمائه الوطني للدولة الوطنية الحاضنة.

وتابعت: إلا أن ارتداء الوزيرة لهذا الزي، من تصميم مبدعة من أصول مغربية، قد أقام الدنيا ولم يقعدها في صفوف اليمين المتطرف في هولندا. بل قام زعيم هذا التيار، النائب في البرلمان الهولندي خيرت فيلدرز، الذي عُرف بعدائه المعلن للإسلام ومطالبته بترحيل المهاجرين المسلمين خارج هولندا، بالهجوم على الوزيرة، ونعتها بالتحالف مع الإسلام الذي يهدد سلامة هولندا.

وكشفت أن هذا الهجوم بالذات كان له مردود إيجابي على مشروعها الحضاري عكس ما تصور هذا النائب، حيث لفت خطابه الأنظار إلى ما تقوم به، وأخذت مختلف وسائل الإعلام في هولندا تدعوها للنقاش حول مشروعها من جهة وحول ما ذهب إليه خطاب فيلدرز.

وأكدت قائلة: بطبيعة الحال لاحظ الجمهور الهولندي الواسع حجم المسافة بين التطرف الحاقد، وبين الرغبة الخلاقة في التقارب والسلام بين الحضارات والشعوب عبر الرسالة الرئيسية التي أحملها، والتي اخترت أن أرد على الهجوم المجحف الذي شنه ضدي هذا النائب من خلالها.

وعن رسالتها قالت: أنا أشدد على أنه في فضاء الحرية الفكرية لا يجب الرد على التطرف بالتطرف. بل يجب الرد على كل تطرف بمزيد من الإبداع. لأن جوهر الإبداع هو ما يؤسس للغة عالمية مشتركة وموحدة وعابرة للقارات والحدود، والتي لا تحتاج في هذا السياق لأي واسطة أو لأي مترجم. إنها صادقة وعالمية إلى القلب مباشرة.

وأضافت: إذا كانت التصاميم الشرقية تعجب النساء أو الرجال عبر العالم، فلن يتمكن أي حاقد أو متطرف من نصب أي حاجز بين هذا المنتوج وقلوب الناس. وأستطيع أن أقول إننا قد انتصرنا على التطرف في هولندا، حيث اشتهرت التصاميم الشرقية وصارت مطلبا للشارع الهولندي، حتى أننا صرنا الآن نفكر في إنتاج القفطان المغربي على مستوى تجاري عالمي واسع ويصل بالسعر المناسب لكل بيت.

وأشارت هدى الفشكة إلى أنها تستمد قوتها وإلهامها من ثقافتها المغربية، لذلك فإن علاقتها ببلدها الأصل ليست مستمرة بالقياس إلى الزمان والمكان فقط، بل هي علاقة وجودية متجذرة، وكشفت لـ “العرب” قائلة: أنا حريصة للذهاب دوريا للمغرب والغوص في فضاء الهوية، وعلى المشاركة في مختلف التظاهرات والعروض التي تقام هناك من جهة، ولكن أيضا لأشارك زميلاتي وزملائي المبدعين المغاربة في ما أنظمه هنا في هولندا من تظاهرات، حيث كنت وراء دعوة العشرات منهم سنويا للمشاركة في أهم العروض التي يحضرها رموز المهنة ورموز السياسية في البلد. وكانت فكرتي لإنشاء تظاهرة “قفطان بلادي” تذهب بالدرجة الأولى في هذا الاتجاه.

أما في ما يعلق بمشاريعها المستقبلية أوضحت المصممة المغربية أن ما تسعى إليه بشأن نشر الثقافة العربية على النطاق العالمي لن يتحقق إن لم يستند إلى مشروع عربي إسلامي موحد، يجمع بين مختلف المحاولات الجادة، سواء داخل الفضاء العربي في دبي أو غيرها من عواصم المشرق أو في المغرب وبلدان الشمال الأفريقي بشكل عام، أو عبر مختلف عواصم العالم.

 

عن العرب اللندنية