عندما نطق "ستيفن لوفين" رئيس الحكومة السويدية قوله الداعم لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بكل حرية، أقام المغرب الدنيا ولم يقعدها بسبب هذا التصريح الذي يتجه في إطار اعتراف مملكة السويد بـ"الجمهورية الصحراوية"
ورغم أنني أعتبر مثل هكذا قرار "إن هو تم بالفعل" عاديا جدا، وجب توضيح عدد من المسلمات التي يعيها المغرب جيدا، ولا أدري سبب تغاضيه عنها:
السويد دولة لا تلعب وشعب لا يكذب، وليست لها مصالح لابتزاز المغرب
الباحثون المنكبون على دراسة المجتمعات الأروبية والاستكندافية على وجه الخصوص يدركون جيدا طبيعة تكوين المواطن السويدي، وما توفره له حكوماته المتعاقبة من ظروف تجعله يتجاوز التفكير في مصاريف قوته اليومي وصحته وتعليمه إلى الإبداع في خلق أفكار تتماشى ووضع الدولة التي تحتل المرتبة الأولى عالميا في مؤشر “الايكونوميست للديموقراطية”، والسابعة في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، والعضو المؤثر في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. ولأن الشعب السويدي واع بما له من حقوق وما عليه من واجبات، حسب دراسات سوسيولوجية، أثبتت أيضا أن السويديين كعقارب الساعة لا مجال للخطأ في دورانها، وأن توقيتهم لا يقبل زيادة ساعة أو نقصانها.. وأنهم وكما يحلو “للمفرنسين” وصفهم بـ Des personnes Vierges، ليس بمدلول الكلمة الجنسي، وإنما لما يتمتعون به من براءة و”زين نية” يصدقون به كل ما يقال لهم ويقتنعون به، خصوصا إذا لم يجد الرأي المعاكس سبيلا إلى تغيير تلك القناعات، أو وضعهم في مفترق طرق على الأقل..
ولأن مملكة السويد بعيدة كل البعد عن المغرب استراتيجيا واقتصاديا وسياسيا، ما يعني ألا أطماع أو مصالح تحكمها بعلاقتها به حتى يمكننا القول أنها “تلوي ذراعه” لغاية في نفس “غوستاف أدولف الثاني”، الذي برزت في عهده السويد على الصعيد القاري خلال القرن السابع عشر، فإنها لا تنتظر من أحد جزاء ولا شكورا، لأنها عبرت عبر جواب عن فكرة مقتنعة بها أخرجها شاب صحراوي بسؤاله إلى العلن.
السويد تعي جيدا دور الشباب وتقحمهم مبكرا في العمل السياسي، والبوليساريو التقطت الإشارة
تفاصيل الحادث الأخير، تعود إلى نشاط للشبيبة الاشتراكية السويدية، عندما طرح خلالها شاب قادم من مخيمات اللاجئين الصحراويين بتندوف سؤالا على رئيس الحكومة السويدي، متسائلا عن موقف بلاده من “قضية الصحراء”، وهو الجواب الذي أثار حفيظة المغرب، والذي سبق وذكرته. لكن ما لا يعلمه المغرب أو يعلمه، أن القيمة التي يحظى بها الشباب السويدي من طرف حكوماته تفوق كل التوقعات، فالدولة واعية بأهمية سياسيي المستقبل واقتصادييه وعلمائه ومخترعيه، لذا تشركهم في كل صغيرة وكبيرة، بل يتجاوز ذلك إلى أن “شبيبات الأحزاب” بالسويد، لها من التأثير على قرارات الدولة ما ليس لصناعها، فهي فاعل مؤثر في رسم معالم الخريطة المستقبلية للدولة، ناهيك عن الأدوار الطلائعية التي يتبوؤها الشباب من خلال “مجلس الشباب” الذي يشرف على تقديم منح سنوية لشبيبات الأحزاب تحت معايير خاصة أهمها أن يكون لعامليها المحليين تأثير على “المنظمة المركزية” أو ما يصطلح عليه في المغرب بـ”النقابات”، وهنا تبرز مدى حنكة الشباب السويدي في الممارسة السياسية-النقابية، ورؤيتهم لمستقبل البلاد والتخطيط له.
ووعيا من جبهة البوليساريو بدور الشباب داخل المجتمع السويدي، دأبت منذ سنوات على تنظيم رحلات صيفية تجمع شباب الجبهة ونظرائهم السويديين في مخيمات بمختلف مدن المملكة كل سنة لتبادل الخبرات، أو لنقل لاحتكاك أبناء الجبهة والاستفادة من التجربة الشبابية السويدية، وسط فج عميق وغياب تام لتواجد المغاربة، ما جعلهم يطرحون مشكلهم بأريحية تامة، وتسويق ما يمكن تسويقه حول نزاع الصحراء من وجهة نظر الجبهة، التي بدأت تجني ثماره في مختلف الدول الاسكتدنافية.
زميل سويدي أكد لي في دردشة سابقة أنه بمجرد بلوغ الشاب سن الثالثة عشر، يتم إقحامه داخل شبيبة إحدى الأحزاب، وهي السن نفسه الذي يهاجر به قياديو الجبهة إلى السويد والنرويج وغيرها.. لتلتحم أفكار الاثنين ويؤثر بعضها في بعض، ليصعب بعد مرور السنوات زحزحة أفكار توغلت في قناعات منتسبيها، خصوصا إذا كانت الأدلة دامغة ولا وجود لمكذب لها..
لماذا الاهتمام المبالغ فيه بـ”الفرنسية” ما دام العالم كله يتحدث الانجليزية، بمن فيه السويد..
خرج المعمر الفرنسي ولم تخرج ثقافته، رغم أن الاستعمار استعمار ثقافة لا استعمار أشخاص، فأصبح من لا يتحدث الفرنسية ولم يجل شوارع “الشانزلزيه” و“سوهمان” و “ريفولي”، جاهل.. متخلف.. عدو للحضارة والتطور، ورجعي في عربيته التي في أحسن الأحوال لا تتعدى “الدارجة”. فأصبحت الحكومات المتعاقبة على تسيير البلاد والعباد تتفاخر بتقليد المنهج الفرنسي في التعليم والصحة والرياضة والعطل، وفي كل شيء..على الرغم من أن فرنسا الآن تبحث إمكانية تغيير كل هذا لأنه -حسبهم- لم يحقق انتظاراتها وطموحاتها، فباتت أقرب إلى خلق برامج جديدة أو تقليد أخرى أثبتت نجاعتها في عدد من بلدان العالم، وهنا لا أنقص من قيمة الفرنسية كلغة وثقافة لأنها طالما أوصدت أبوابا كانت ستجر على المغرب ويلات لا نهاية لها، وإنما وجب على القياد الأساسيين لسفينة هذه الدولة أن يراعوا التوازنات في كل شيء، ولا يقتصر هذا على اللغات فحسب..
في السويد هناك شعب يتحدث لغته الأم قبل ما يقارب 800 سنة، والتي تطورت بعدها لتكون متسقة وذات نمط فصيح وقواعد واضحة، وهو ما عجزت عن تحقيقه “الدارجة” المغربية، ونفس الشعب أيضا يتحدث الإنجليزية بطلاقة، وتعتبر لغة رسمية تلقن في مختلف البرامج التعليمية، وهنا تكمن قوة التواصل بين أشخاص يعي كل واحد منهم ماذا يريد الآخر، وعن أي قضية يتحدث، وكيف يساعده ذلك على إقناع المتلقي برسائله التي يمررها.. وهو ما نجحت فيه “الجبهة” بتكوين جيل من الشباب قادر على التواصل باللغة الانجليزية، وتلقينه أسس ومبادئ تأثير الخطاب. وفي القابل نجد نسبة كبيرة من شباب الأقاليم الصحراوية من حملة الشواهد العليا في الدراسات والأدب الإنجليزي يجوبون شوارع العيون وكليميم والداخلة وغيرها من حواضر الصحراء، وقد أنهكتهم البطالة، دون أن يكلف المسؤولون أنفسهم عناء الاستثمار في هذا العنصر البشري الذي سيحتاجونه إن عاجلا أم آجلا..
عدم تعيين ممثل للمغرب بالسويد منذ رحيل ” بوشعاب” وضعف منظمات المجتمع المغربي بالخارج مقارنة بقوة الماكينة الديبلوماسية للجبهة
من بين الأخطاء الحديثة التي ارتكبها المغرب هو عدم تعيين سفير في السويد خليفة لـ”يحظيه بوشعاب” بعد تنصيبه واليا على جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء، ليبقى المنصب شاغرا لقرابة سنتين، صعد خلالها الحزب الاشتراكي السويدي-المعادي للمغرب- إلى سدة الحكم، دون أن يجد من يفاوضه قراراته أو حتى يناقشه حولها، كما كان يفعل “بوشعاب” خلال فترة تواجده هناك..
وما زاد الطين بلة هو الفراغ المهول لمنظمات المجتمع المدني للمهاجرين المغاربة بالسويد والوفود “شبه الديبلوماسية” التي تجوب العالم من شماله إلى جنوبه ومن أقصاه إلى أدناه مروجة لمقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب على طاولة التفاوض كقناعة نهائية تنهي أمد النزاع حول الصحراء الذي دام أربعين سنة بالتمام والكمال، دون أن يتواجد بهذه الوفود صحراوي واحد يعي جيدا معاناة أهله بالشتات، ويدافع عن ذلك بقناعاته وما يحمله من أفكار دون أن تسلم له ورقة يلقيها وهو لا يدري حتى من هو كاتبها، ولا مضمونها الذي لا يفقه فيه شيئا، ناهيك عن أشخاص لا يعرفون عن الصحراء سوى أنها “مغربية”، وهو الذي لا يفرق بين “الشرقية” منها و “الغربية”، عندما يتيه بين مسميات “طاطا” و “العيون” و “زاكورة”..
في الجانب المقابل تستمر “الماكينة” الديبلوماسية” للجبهة في حصد مزيد من التأييد وإن بنسب متفاوتة بين مختلف البلدان الأوربية “الجنوبية” و”الاسكندنافية” وأمريكا اللاتينية، بطبيعة الحال بدعم من “الجزائر” التي توفر الظروف الذاتية والموضوعية لنقل معاناة ساكنة المخيمات مع اللجوء، ويكتفي الطرف المغربي بتأثيث المشهد بـ”دراريع” و “ملاحف” الله وحده أعلم من يرتديها.. وهنا لاداعي للخوض في إعادة اجترار طبيعة الدعم والتأييد الذي تحظى به الجبهة في الدول التي ذكرت، والتي باستطاعة المغرب إذا ما توفرت لديه الرغبة الحقيقة أن يسير على منوالها ويكسب تأييدا مماثلا هو الآخر، اللهم إذا استثنينا “القطب الأمريكي اللاتيني” الذي يبني سياسته الخارجية على العداء للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، على اعتبار أن المغرب من حلفائها منذ فترة الحرب الباردة، وبالتالي فهو عدو وإن كان غير مباشر لهذه الدول..
عدم الثقة في اتخاذ القرارات الحاسمة من طرف الأحزاب المغربية، ورمي الحمل على القصر..
يكاد الجميع في المغرب يزكي فكرة أن الأحزاب السياسية في البلاد ضعيفة ومريضة، ولا قدرة لها في التأثير على المغاربة فما بالك بالتأثير على مجتمعات أخرى سبقت المغرب بأشواط نحو الديموقراطية “السياسية” وتكريس العدالة الاجتماعية..
ولأن أمناء ومسؤولي الأحزاب لا يفقهون بدورهم شيئا في لعبة تبادل الأدوار بين أقطاب الدولة العميقة في كل من المغرب والجزائر بحسن نية أو بسوئها، فإنهم يظلون خارج “طبخ” وصناعة القرار السيادي داخل المملكة، ببساطة لأنهم أثبتوا عبر الأربعين سنة الأخيرة أنهم ليسوا أهلا لذلك.. ولعل ذلك برز بوضوح وهم ينتظرون إملاءات من “الملك” ليعلمهم ماذا يقولون وماذا يفعلون ومتى يتحركون، فلا جناح عليه مادامت اليد الواحدة لا تصفق..
ففي مجمل خطابات الملك، كان يشير بطريقة أو أخرى إلى أهمية التعامل مع “نزاع الصحراء” بضرورة انخراط مجمل الفاعلين الوطنيين فيه، سواء أكانوا سياسيين أم غيرهم، على اعتبار أن المسألة أصبحت مسألة شعب وأمة، وليست مسألة الملك وحده، وكأنه يتنبأ بما تحمله رياح القادم من السنوات من أحداث، دون أن يلتقط المصفقون لخطاباته إشاراته الواضحة للعمل بجدية حتى لا تتكرر أخطاء الماضي، فلا يفهمون من كلامه سوى أن الملك غاضب على الصحراويين، فيغضبوا وتكثر الاعتقالات ومداهمات المنازل وسحل النساء بسبب وبدون سبب، فيعود ليذكر في خطاباته بأشياء أهم، فيمتص غضبهم ويعفوا ويصفحوا، ويقتصرون على قول “أن خطاب الملك كان واضحا”، وهم الذين عمت بصائرهم، فلا توضح لهم سوى الكلمات دون أن يكلفوا أنفسهم محاولة فهم ما وراءها..
بدا ذلك واضحا وهم ينتظرون الضوء الأخضر من الملك يوم الإثنين الماضي في اجتماع للأمناء العامين للأحزاب و الكتاب العاملين للمركزيات النقابية برئيس الحكومة في جدول أعمال تضمن نقطة واحدة “الموقف الذي ستتبناه السويد من قضية الصحراء”، فاتفقوا كما أمروا بزيارة إلى هناك بقصد التواصل مع نظرائهم، في مسعى لتطويق تداعيات مشروع القرار وللحيلولة دون تبنيه، من خلال بسط وجهة النظر المغربية كحل نهائي لأمد النزاع..
خلاصة القول أن طرد وفود الدول الاسكندنافية عوض احتوائهم، وإغلاق الشركات ليس حلا، ورفع العلم المغربي على بقايا شركة خاصة ليست لها علاقة من بعيد أو قريب بالسويد ولا اقتصادها ضرب من الجنون، لأن الأولى أن يرفرف في “ستوكهولم”، وهو ما نجحت في القيام به “جبهة البوليساريو.