غالبا ما نشاهد في أفلام هوليود والمسلسلات الغربية البوليسية شابة جميلة بقوام ممشوق وصدر مُكتنز وشعر أصفر، وراء حاجز زجاجي بمركز الشرطة في إجراءات التعرف على ملامح الجاني أو الجُناة الذين كانت ضحية لهم في عملية اغتصاب أو محاولة القتل.. سواء تعلق الأمر بالجناة الفارين أو الذين أنكروا المنسوب لهم أمام الشرطة القضائية أو قاضي التحقيق، فعاد ملف متابعتهم لمجريات تعميق البحث، عملا بقاعدة (المتهم بريء حتى تثبت إدانته).
لست أدري هل الأمر يتعلق في بلد "العام سام" والدول الغربية فقط بسيناريو الأعمال السينمائية والتلفزيونية!؟ لكن لا يُمكن نكران أن القصة والسيناريو غالبا ما تكون إرهاصات كتابتهما مُنسجمة مع الواقع إلى حد كبير، بحكم أن ثقافة المخرجين والكُتاب تنهل من الواقع المعيش وما حدث ويحدث بالمحيط الذي يعيشون فيه، مع الاختلاف في نوع الأفلام الذي يسمح بخيال أوسع والإبهار الذي نجده في الأفلام الخيالية. المنطق يقتضي أن تتشابه الأفلام والأعمال التلفزيونية التي تتخذ المواضيع الاجتماعية موضوعا لها، مع الواقع ولو بشكل جزئي. في أفلامنا ومسلسلاتنا لا نرى شابة أو ضحية وراء زجاج يطل من يقف وراءه على غرفة يتواجد بها مُتهم باغتصابها أو سرقتها، الكل مكشوف عندنا بشفافية نفتقدها في محاسبة المسؤولين، والمواجهة بين الجاني والضحية في بلدنا تبتدئ من الشارع العام، إذا تم ضبط اللص أو الجاني مُتلبسا وتجمهر حوله المواطنون. وقد تجد في أقسام البوليس عندنا ضحية في مواجهة جان في جدال ونقاش وخصام أمام رجال الأمن، وعادي جدا عندنا أن تصعد فتاة تعرضت لمحاولة سرقة إلى سيارة الشرطة جنبا إلى جنب مع الجاني في اتجاه الدائرة الأمنية، وعادي جدا عندنا أن تسمع في المحكمة أو في قسم شرطة ضحية توجه أصبعها صوب متهم قائلة: "هذا هو لي اغتصبني.. هذا هو لي سرقني.. هذا هو لي كان مع لي اغتصبني.. إلخ...".
في بلدنا مكاتب الشرطة والمحكمة لا تسع لكل المواطنين والتبليغ بالمجرمين خطر مُحدق بالأرواح، وتدخل الشرطة يقتضي الجواب على أسئلة روتينية "واش كاين الدم؟ واش كاتعرف لي كريساك فين كا يسكن أو كا يعمَّر؟" وخطابات من قبيل: "سير شدُّو لينا أو جيبو.. سير كمَّد الضربة حتى لنهار الاثنين". وحين يتدخل المواطن لحماية روحه وروح عائلته ضد مجرم ذو سوابق تسمع: "شكون كالك شدٌّو؟ السيبة هادي.. علاش ضربتيه؟ بيناتكم حساب؟" وغالبا ما يظل الجاني حُرّا طليقا في بعض الجرائم إلى حين اقترافه للفعل الجرمي الرابع والعاشر والمائة مع الاختلاف في طريقة تعامل الشرطة مع الجناية والجنحة، وما يزيد من تعميق الخطر هو أن أغلب رجال الشرطة لا ينتبهون لخطورة وقوف الضحية أمام الجاني وحملقتها في ملامحه بتمحيص ودون اكتراث بعواقب ذلك، فإذا كان التبرير هو أن الضحية تحاول تأكيد هوية الجاني وصفاته بالتعرف على ملامحه، فإن الجاني أيضا يتعرف بشكل كبير على ملامح ضحيته، للتربص بها بعد قضاءه للعقوبة الحبسية أو خروجه من السجن بكفالة أو عفو.. ويحبل الواقع بالعديد من الأحداث المُتعلقة بانتقام الجناة من الضحايا أو المُبلغين بهم لدى الشرطة، بعد خروجهم من السجن، بل يصل الأمر إلى حد اتصال الجاني بضحيته عبر الهاتف من داخل السجن لتهديدها بالانتقام وإرغامها على التنازل وتكذيب تصريحاتها أمام ضابط الشرطة مُحرر المحضر والقاضي لكي يفلت من المتابعة.
إذا كان الهدف الأسمى لرجال الأمن هو التدخل العاجل لحماية الأرواح والممتلكات خلال وقوع الفعل الجرمي مع شن الحملات الاستباقية، فإن الهدف الأهم الذي لا يجب إسقاطه بالموازاة مع ذلك هو حماية أرواح وممتلكات المُبلغين سواء كانوا شهودا أو ضحايا والحفاظ على سرية المعلومات الخاصة بهويتهم وملامحهم وعناوين سكناهم، قبل وبعد التبليغ وهو الأمر الكفيل بجعل المواطن قادرا على التبليغ دون الخوف من انتقام الجناة.
وحتى لا نكون كالذين يرون واقع الأمن بالمغرب بنظارة سوداء أو قاتمة، لا بد من الإشارة إلى إطلاق خدمة الرقم الأخضر، من طرف وزارة العدل والحريات للتبليغ عن الرشوة، وهو الإجراء الهادف إلى عدم كشف هوية المبلغ تفاديا لما قد يتعرض له من مضايقات أو تهديد لسلامته وسلامة أسرته ومصالحه.
وفي انتظار أرقام إحصائية خاصة بهذه الآلية ومدى فعاليتها في القادم من الأيام.. يبقى السؤال: أين وزارة العدل والحريات من حماية المُبلغين بمرتكبي الجرائم الأخرى الأكثر عنفا وخطرا (شهودا أو ضحايا).