الثلاثاء 21 مايو 2024
سياسة

ضحايا حجاج بيت الله الحرام.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء

 
 
ضحايا حجاج بيت الله الحرام.. ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء

رحم الله ضحايا الحج بمكة.. الذين أعادت تفاصيل مقتلهم، إلى الواجهة، سؤال التنظيم في المقام الأول، الذي هو من مسؤولية الدولة المكلفة بتنظيم شعائر الحج، والتي تضم أراضيها، البقاع المقدسة إسلاميا.

لقد جعل حادث التدافع بمِنًى، من يوم أكبر أعيادنا الإسلامية، عيدا حزينا. نعم، عيدا حزينا، حين حول سوء التنظيم، فرح العيد وفرح الحج، إلى مأساة إنسانية، تكومت فيها الجثث، بعضها فوق بعض، بشكل صادم لصورتنا كأمة وكحضارة، وجعل الكثيرين منا يكتشفون، مرة أخرى، تهافت ثقافة تأويلية لبعض من يدعون أن لهم في الفقه معرفة (وشرع الله الحق العدل، الذي كرم بني الإنسان بالعقل، براء منهم)، حين قالوا إن ذلك القتل شرف للموت في بقاعنا المقدسة، متناسين، أن المسافة كبيرةٌ بين القتل بسبب سوء التنظيم وبين الموت قدريا بشكل طبيعي بأماكنَ مقدسة، بسبب المرض أو التعب أو غيرهما. أليس يعلمنا دينُنا الحنيف أن لا نقبل أبدا أن "نلقي بأنفسنا إلى التهلكة". وما وقع في مِنًى تهلكةٌ، سببه سوءٌ في التنظيم؟ أليس من معاني "بيت الله الحرام" أنه يحرُم فيه الظلم والقتل والسرقة والفساد؟ وما وقع قتل لمؤمنين آمنين، قانتين، ذاهبين للفرح بشعائر دينهم السمحة.

إن ثقافة مماثلة، إنما تريد أن تربي المسلمين، على اتكالية عدم المحاسبة أمام الخطأ. وهذا أمر غير مقبول تربويا وأخلاقيا وإنسانيا.

إن السعودية كدولة، مؤتمَنة على أرواح حجاج بيت الله، وعلى سلامتهم، وعلى أن يقضوا المناسك، بالشروط الكاملة دينيا وأمنيا.. وعليها أن تتحمل مسؤوليتها كاملةً في الكارثة التي وقعت، بأن تحدد مكمن الخلل الذي يؤدي -في رمشة عين- إلى ذلك العدد الضخم من الضحايا بين قتيل وجريح. فليس قدريا، أبدا، أن يكون الحج، بابا للكارثة، بل هو ركن من أركان الإسلام، كديانة وكحضارة، له معانٍ بناءة، خاصة وأن الكارثة، وقعت أياما قلائل، بعد كارثة أخرى، حين سقطت رافعة ضخمة على المؤمنين القانتين في أمان بيت الله الحرام، وحصدت العشرات منهم غيلة. والحال أن أية أشغال يجب -إلزاما- أن تتوقف عند موسم الحج، وأن تُزال كلُّ أسباب الخطر من محيط المسجد والكعبة.

إنه ليس قدريا أن يسقط كلَّ موسم حج، قتلى من حجاج بيت الله. إذ، خلال 25 سنة الأخيرة فقط، سجلت مآسٍ ذهب ضحيتها المئات من الحجاج الآمنين، مما يطرح -جديا- على الدولة السعودية مسؤولية مباشرة في شكل تنظيم هذا الموسم الديني الرفيع. الموسم، الذي مفروض أن يكون مناسبة تعبدية، تتم بفرح وأمان، تعزز من قيم الانتصار للإيجابي في الحياة، البناء، المخصب، المعمم للأمل، لا أن يكون مناسبة للكوارث، مناسبة لتعميم ثقافة اتكالية، غير محاسبة، مبررة للموت، بل شبه داعية إليه. إن المؤمنين يذهبون للبقاع المقدسة، ليس للموت، بل لإتمام ركن خامس من أركان الإسلام، والعودة آمنين لأهلهم وذويهم. وما حدث، بمكة، يوم عيد الأضحى، مناسبة للمحاسبة وليس بابا لتعميم الدجل وتبرير الموت. والدول دول، بمسؤولياتها لحماية الحياة، وحماية النظام والحق والقانون.

لا يمكن، أن يقبل أي مسلم، أي إنسان، أن تقع كوارث مماثلة، وتمر بدون محاسبة وبدون تحديد للأخطاء حيث هي. ومسؤولية المملكة العربية السعودية، كاملة، في حماية حق حجاج بيت الله، في القيام بشعائرهم في ظروف آمنة، بما يقتضيه ذلك من صرامة تنظيمية ومن احترافية في التوقع، ومن حلول عملية تقنيا وأمنيا وتدبيريا، لجعل موسم الحج، موسما دينيا لتمجيد الله وتمجيد وحماية أغلى ما يهبنا سبحانه من هدية هي الحياة، لأنه بذلك ننخرط كمسلمين، ضمن منطق الحضارة وضمن منطق التاريخ. أما ثقافة الموت، التبريرية، فهي لا تليق بالإنسان، مسلما وغير مسلم، وهي في خصومة كاملة مع روح ديننا الحنيف

(افتتاحية "الاتحاد الاشتراكي" ليوم 28 شتنبر 2015)