Monday 28 July 2025
مجتمع

ترقية المتصرفين التربويين: بين تناقضات الجواب الوزاري والخرق الصريح للقانون

ترقية المتصرفين التربويين: بين تناقضات الجواب الوزاري والخرق الصريح للقانون فوزي بوزيان وجانب من الوقفة الاحتجاجية
في خضم الاحتجاجات المتصاعدة التي يجسدها المقصيون من الترقية برسم سنوات 2021 و 2022 و2023 لفئة المتصرفين التربويين ضحايا الترقيات، تلقى المستشار البرلماني خالد السطي، عن فريق الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، جوابا وزاريا مؤرخا في 16 يونيو 2025، في إطار التفاعل مع السؤال الكتابي عدد 6249 بتاريخ 19 دجنبر 2024، والمتعلق بإشكالات الترقية في الدرجة بالاختيار برسم نفس السنوات المذكورة موضوع الاحتجاج. ورغم ما أبداه الجواب من نوايا "إصلاحية" على مستوى الخطاب، إلا أن مضمونه يكشف عن اختلالات خطيرة، سواء من حيث الشرعية القانونية أو الانسجام مع المذكرات التنظيمية.
 
أول ملاحظة تسجل على الجواب الوزاري أنه تحدث عن تنظيم أول ترقية في الدرجة بالاختيار لفائدة المتصرفين التربويين برسم سنة 2021، وكون اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء "ناقشت كل العناصر وارتأت تقسيم إمكانيات الترقي بين فئتين داخل نفس الإطار"، بدعوى خلق توازن. غير أن هذا التبرير يطرح أكثر من علامة استفهام، خاصة حين نعود إلى المرجعيات التنظيمية التي تنظم هذه العملية.

فقد صدرت المذكرة الوزارية رقم 22-054 بتاريخ 29 يونيو 2022 بشأن فتح الترشيح للترقية في الدرجة بالاختيار برسم سنة 2021، وفتحت باب الترشيح لجميع موظفي وموظفات قطاع التربية الوطنية المستوفين للشروط النظامية إلى غاية 31 دجنبر 2021، دون أي تمييز أو تصنيف ضمني أو صريح داخل نفس الإطار. وسارت على نفس النهج المذكرة الوزارية رقم 23-019 بتاريخ 3 أبريل 2023 الخاصة بسنة 2022، والمذكرة رقم 24-167 بتاريخ 3 يونيو 2024 المتعلقة بسنة 2023، حيث لم يرد في أي منها ما يشير إلى تقسيم المتصرفين التربويين إلى فئتين، أو تخصيص حصص ترقية متفاوتة بين المدمجين وخريجي مسلك الإدارة التربوية.

هذا التجاهل لمضامين المذكرات التنظيمية يوازيه خرق واضح للمبدأ الدستوري للمساواة، (المادة 6 من الدستور المغربي). فكيف يعقل أن تتم معاملة موظفين ينتمون لنفس الإطار (متصرف تربوي) بشكل تمييزي، فقط بناء على مسار الولوج، رغم أن المرسوم المنظم (2.18.294 كما تم تغييره وتتميمه بموجب المرسوم 2.22.69) لم يشر إطلاقا إلى وجود تمايز أو امتياز خاص بهذه الفئة أو تلك؟

الخلل الأكبر يتمثل في إسناد اتخاذ القرار إلى اللجنة الإدارية المتساوية  الأعضاء، والتي - حسب الجواب الوزاري – "ارتأت" إحداث هذا التقسيم. لكن هنا وجب التذكير بأن دور هذه اللجان في النظام القانوني المغربي هو دور استشاري محض، وهو ما تنص عليه مقتضيات الظهير الشريف رقم 1.58.008 بشأن النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والذي يحدد اختصاصات هذه اللجان في إبداء الرأي بشأن الترقية، دون أن تكون لها سلطة تقريرية أو تنظيمية. بل إن أي قرار صادر عنها يجب أن يندرج ضمن مقتضيات المراسيم والمذكرات الوزارية، ولا يمكن بأي حال أن يتجاوزها أو يعطل مقتضياتها.

قيام اللجنة بتقسيم حظوظ الترقية داخل نفس الإطار هو تجاوز خطير لاختصاصاتها، وضرب في العمق لمبدأ وحدة الإطار، وفتح لباب التأويل الشخصي الذي لا يسنده نص، بل ويجعل عملية الترقية نفسها مشوبة بعيب التجاوز في استعمال السلطة، ما يجعلها قابلة للطعن وفق مقتضيات القضاء الإداري.

إن ما حدث فعليا – كما أقر به جواب الوزير – هو أن اللجنة تحولت من هيئة استشارية إلى تقريرية، وفصلت داخل الإطار الواحد بين خريجين ومدمجين، في وقت كان عليها أن تلتزم بالمساواة التامة بين جميع موظفي نفس الإطار، والاحتكام لمعيار الأقدمية والجدارة المهنية وليس مسار التكوين، كما هو الشأن لأطر أخرى تختلف مسارات ولوجها دون أن يطالها التقسيم التمييزي نذكر على سبيل المثال المفتشون، الاساتذة، متصرفو الوزارة، .....

وإذا كانت الوزارة تشير إلى اعتماد مقتضيات المادة 53 من المرسوم 2.24.140 المتعلق بالنظام الأساسي الجديد ابتداء من سنة 2024، فهذا لا يمكن أن يستعمل كغطاء لتبرير قرارات اتخذت خارج الضوابط القانونية التي شابت ترقية سنوات 2021 و2022 و2023..

أمام هذا الاعتراف الرسمي الذي يؤكد أن اجراء الترقية لم يتم خلالها احترام النصوص القانونية والتنظيمية المؤطرة لها، وبأنها استندت لما "ارتأته لجنة إدارية متساوية الاعضاء" اعتمدت التمييز بين الفئتين داخل الإطار الواحد دون سند أو مرجع قانوني ، تتأكد الحاجة المستعجلة إلى ضرورة انصاف المتضررين المقصيين من حقهم في الترقية من سنة 2021، بمراجعة نتائج الترقيات وإقرار مبدأ جبر الضرر بالنسبة للمتضررين الذين تم إقصاؤهم بناء على هذا الاجتهاد غير المشروع، مع إلزام الوزارة بالتقيد مستقبلا بالمقتضيات القانونية الصريحة التي تنظم الترقية، سواء من حيث دور اللجنة، أو احترام وحدة الإطار، أو ترجيح الكفاءة المهنية لا المسار الولوجي الذي لا يمكن بأي حال تبخيسه وهو الذي تم تأطيره بمراجع تنظيمية، وتم به الخضوع لنفس التكوين بنفس المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين.

وختاما، فإن استمرار مثل هذه الاختلالات في تدبير الموارد البشرية، وغياب الانصاف بين أطر الإدارة التربوية، لن يفضي إلا إلى مزيد من الإحباط الوظيفي والاضطراب التنظيمي، في وقت تحتاج فيه المدرسة العمومية إلى تعبئة شاملة لكل طاقاتها، لا إلى قرارات بيروقراطية تعيد إنتاج الإقصاء داخل أطر اختارتها الوزارة نفسها لمهام القيادة التربوية.