شكلت الانتخابات الجماعية والجهوية التي جرت يوم 4 شتنبر 2015، محطة أساسية في مسار التجربة الديموقراطية ببلادنا، لأنها جرت في مرحلة حساسة جدا، نظرا لما تعرفه المنطقة العربية عامة والمغاربية خاصة من توترات تجعل تنظيم مثل هذه الاستحقاقات من باب المستحيل..!
لقد كشفت هذه الانتخابات، منذ الاستعدادات الأولى لها حتى الإعلان عن النتائج، أن بلادنا قادرة على تنظيم أي استفتاء أو انتخابات، في جو من المسؤولية والانضباط، خاصة أن وزارة الداخلية تحملت، مرة أخرى، مسؤولية الإشراف على ذلك، في انتظار اليوم الذي تسند فيه هذه المهمة إلى لجنة خاصة وتريح أم الوزارات من عناء ومتاعب "صناديق الاقتراع و مستلزماتها".
ويمكن من منطلق المتتبع للشأن الانتخابي ببلادنا أن أشارك بهذه التأملات في ما أسفرت عنه الانتخابات الجماعية والجهوية ليوم الرابع من شهر شتنبر، وذلك من خلال النقط التالية:
أولا: بداية، لا بد من الإشارة إلى أن نسبة المشاركة التي حددها بلاغ وزارة الداخلية في 53,67 في المائة، يبقى رقما مقبولا في ظل السياق العام الذي جرت فيه هذه الانتخابات. فقبل أشهر قليلة، كانت لغة الشك والتشكيك في مصداقية العملية ككل، تعطيك انطباعا بأن الناخب المغربي لن يتوجه إلى مكاتب التصويت أبدا، غير أنه مع مرور الأيام وبداية العد العكسي ليوم التصويت، اتضح أن لسان الليل تكذبه أقدام النهار..!!، فظهر بالملموس أن هذه الانتخابات لم تختلف عن سابقاتها، وأن الناخب استجاب للحملات الانتخابية (الداخلية والأحزاب) التي شجعته على التوجه إلى أقرب مكتب للتصويت من أجل ممارسة واحد من أهم الواجبات والحقوق الوطنية. إن نسبة 53,67 في المائة، تطرح عددا من الأسئلة التي يجب طرحها بكثير من الموضوعية وإيجاد حلول لها، خاصة ونحن مقبلون على استحقاقات انتخابية أخرى في غضون السنوات القادمة.
ثانيا: أفرزت هذه الانتخابات نتائج لم تكن مفاجئة بالنسبة للعارفين والمتتبعين للشأن السياسي والحزبي ببلادنا؛ فها هي الأحزاب الثمانية المكونة للأغلبية والمعارضة، تخرج من استحقاقات الرابع من شتنبر بانتصارات وخسائر، تفرض عليها إعادة النظر في علاقتها بالناخب، سواء ذلك الذي صوت لصالحها أو من صوت ضدها.
فإذا تأملنا جيدا النتائج الشبه نهائية، نجد أن حزب الأصالة والمعاصرة يسير بخطى ثابتة نحو لعب دور أساسي في بلادنا رغم حداثة سنه في المشهد الحزبي الوطني، ثم هناك حزب العدالة والتنمية الذي استطاع التأكيد على أنه قادر على مواصلة ريادته على المستوى الجماعي والجهوي والحكومي. وهذه النتيجة تجعل المنافسة قوية جدا بين هذين الحزبين (البام والبيجيدي) في قادم الأيام، لأن الأحزاب التقليدية تسير نحو الوراء بخطى سريعة. وهذا ينطبق أساسا على حزب الاتحاد الاشتراكي الذي فقد كثيرا من مصداقيته لدى الناخب المغربي داخل المدينة والبادية ، شأنه شأن حزب الاتحاد الدستوري التي تراجع بشكل كبير كما لو أنه فقد بوصلته ولم يعد يعرف أين المفر..؟!!
ثالثا: هذه النتائج المحصل عليها جماعيا، تعكس إلى حد كبير نفس الخريطة التي عبرت عنها نتائج الجهات. فهنا نجد حزب العدالة والتنمية على رأس القائمة ويليه حزب الأصالة والمعاصرة ثم حزب الاستقلال الذي جاء في الصف الثاني جماعيا بينما حزب التجمع الوطني للأحرار ظل وفيا لمرتبته الرابعة جماعيا وجهويا، شأنه في ذلك شأن حزب الاتحاد الاشتراكي الوفي لمرتبته السادسة.
من هنا، وجبت الإشارة إلى أن الخريطة العامة لهذه الانتخابات لم تكن مفاجئة واستثنائية، غير أن الساعات القادمة ستكون ذات نبضات أخرى بفعل قوة التحالفات بين هذه القوى الحزبية المتعددة والمختلفة، مما يعني أن مسلسل هذه الانتخابات لن تكون حلقته الأخيرة هو يوم الرابع من شتنبر.
رابعا: أعتقد شخصيا أن ما كشفت عنه هذه الانتخابات ، يجعل المرء يتساءل في قرارة نفسه عن فحوى وجود هذا الكم من الأحزاب السياسية في بلادنا. فهناك عدد من الأحزاب التي انتهت مدة صلاحيتها منذ زمن بعيد، وأن أحزاب أخرى في الطريق إلى إعلان حالة الإفلاس، ولذلك آن الأوان لهذه التنظيمات الحزبية أن تبادر إلى اتخاذ قرارات حاسمة في مصيرها قبل أن تجد نفسها تردد مع الراحل عبد الحليم حافظ: «لو كنت أعرف خاتمي ما كنت بدأت»، أو أنها، بلغة الرياضيين، تتوقف عن لعب دور «أرانب السباق»…!!!
خامسا: هل سيتغير وجه جماعتي بعد هذه الانتخابات..؟، هل ستصبح مدينتي في المستوى الذي أطمح إليه؟.. هل يمكن لجهتي أن تتبوأ المكانة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية التي تجعلني أعيش حياة الأمل والأمان…؟، أسئلة قد تكون سابقة لأوانها، لكنها تسكن كل ناخب وطني سواء كان مناصرا لأحزاب الأغلبية أو أحزاب المعارضة أو من العدميين الذين لا يؤمنون لا بالشر ولا بالخير…
ولذلك، عندما قررت المشاركة في هذه الانتخابات والذهاب في الصباح الباكر إلى مكتب التصويت القريب عنوان إقامتي، فإنني قمت بذلك، لأنه أولا وأخيرا، حق من حقوق مواطنتي وليس دفاعا عن هذا الحزب أو ذلك. فطيلة أيام الحملة الانتخابية لم ألتق بأي مرشح من المرشحين الذين اختاروا تغيير وجه جماعتي.. فقط الكائنات الورقية التي كانت تجتاح منزلي من تحت الباب مثلما حدث وظل يحدث منذ الاستحقاقات الانتخابية السابقة.