كنت مهيأ للخسارة، ففاجأني الفوز.
كنت أقول لنفسي :لن تجدوا في جيبي الأيسر رسالة تعتذر لكم بعد الفشل..
أنا غريق خاسر وكفى..
وكنت أستعد للفشل للمرة الثانية وهيأت له الخطاب الذي يليق به بعد أن حالفني للمرة الثانية،وهو كالتاريخ يكرر نفسه، في المرة الأولى كمأساة، وفي المرة الثانية كملهاة !
هيأت ما يجب أن يهيأ.سخرية تصف الخسارة بالصديقة القوية و غضب منها هذه المرة لأنها لم تأت لوحدها ،ولم تأت مشيا على الأقدام، بل ركبت نفوسا أعرفها جيدا..
كنت مهيأ لكي أعلن.
أيها الناس صدقت نبوءة الفنانين والنجوم الذين رافقوني في الحملة الانتخابية،
و كان علي أن أفوز بالأقدمية !
يوسف فاضل ومحمد منخار اقترحا علي الإسراع بالفوز لكي يتفرغا لأعمالهما وأخبراني بأنهما لن يعودا مرة أخرى "انجح أصاحبي وهنِّينا"
صلاح الجبلي تنبأ لي بمستقبل طويل في الحملات الانتخابية، لكنه حذرني بأننا: سنقوم بالحملة فوق الكراسي المتحركة، وأن أقصى ما نفعله هو أن نوصي بك خيرا أبناءنا وأهلنا وأحفادنا.. من بعد أخبرته بأن النتيجة كانت إيجابية بسبب التهديد الذي وجهه إلي !
محمد الشوبي كان مقتضبا، ونصح الجميع بتوقيع عريضة ترفع إلى أصحاب القرار لكي يعلن فوزي في الدائرة الانتخابية بالمحمدية. وينتهي من الحملات إلى جانبي في كل الحملات بدون فوز..
كانوا صرحاء للغاية مع الفشل..
الآن بعد أن فشلنا في الفشل، يمكننا أن نتفرغ للتأمل "بهمة أكبر"
كان أصدقائي صرحاء للغاية مع الفشل..قبل أن يحدث، وكنا نتمرن على الأسوأ بفكاهة صاخبة !
وهيأنا معا أطروحة كاملة، ونحن في عز المسير،
العبقري إينشتاين يفضل القول إنه لا يوجد فشل، بل كل ما هنالك هو .. التخلي.
وللأسف، فأنا لا أملك من عبقرية إينشتاين سوى النسبية !
أطروحتي كانت تستعد للقول :أصدقائي لم تكونوا حاضرين عندما خطب وينستون تشرشل، في ما بعد الحرب العالمية الثانية وعرَّف النجاح بأنه الانتقال من فشل إلى آخر، بدون فقدان الحماس..
ويبدو أن الاستعداد الجيد للإقناع كان يعني لي العودة إلى زمن كانت فيه كلمة خسارات ترن رنينا بوهيميا في أذن جيلنا.. لمواجهة كل الفائزين الطبقيين الذين كانوا يفوزون بكل شيء في البلاد ! وربما اعتقدت بأن الفشل في النهاية ما هو إلا مناسبة إضافية أو فرصة أخرى لإعادة المحاولة بطريقة أكثر ذكاء..
لم يحدث ذلك طبعا، ولما استيقظت من غفوة الصناديق وجدت الكابوس غير وارد، على مستوى شخصي لأنني كنت مع أصدقائي ورفاقي وإخواني.
كنت مسنودا من طرف رفيق بوبكر، الفنان الذي تحمس لي أكثر مني..
وكنت مسنودا بنور الدين بكر،
وعبد الغني الصناك،
اللذين أسعفاني باسميهما في معركة لم يكن الفن حاضرا فيها، وتركوه وحيدا..
وكنت مسنودا بمحمد الشوبي ..
وصلاح الجبلي، اللذين لم يبخلا علي بوصفات النجاح الكثيرة.. حتى نهاية البشرية !
ومسنودا بنوفل براوي، المخرج اللبيب المرح، والمخرج محمد اليونسي.. وكريم الدرقاوي الذين غامروا بالدفاع عن رجل بسيط في خضم معركة ضارية، بحب أنيقَ..
مسنودا بعبد الإله عاجل، الذي يستطيع دوما الأجمل..
ويوسف فاضل، كظل أبيض يسير بجانبي ويوزع المناشير كما لو أنه يعيد الزمن القديم إلى سيرته النضالية.. ومنخار يرافقني بالابتسامة الضرورية لترويض التوجسات..صلاح بوسريف، المثقف الحاد في طباع الاختيار، اختار أن يقف إلى جانب الوردة التي تليق بشاعر فريد..
ومسنودا بعبد الواحد عزري، الصديق القائم بأعمال..الحب في بلاد الرافضين !
ومسنودا بحسن نرايس الذي يجيد صناعة اللحظة، كما لو أننا سنعيش أبدا..ومصطفى النحال الذي يستخلص من العسر يسرا !
مسنودا بعبد الله بلعباس، الذي جاءني بعينة من الحب الأخوى القديم من زمن الشبيبة..
أنيس الرافعي، مثل رافعة مودة جاء ليدل الفرح علينا، ومن بعيد يراقبنا بوجبيري بحدب.. وصواب !
ومسنودا باليساري الجميل بنشريفة.. وبهجاجي، والصبيري، ثم بهجاجي يضاعف لي محبة العائلة، وهم يحملون القلب على ريش من غمام !
ميلود وحداني.. ميلود مسناوة، حضر أيضا بخفة الظل وسعة القلب ومشى بنا على إيقاع الأمل..
مسنودا بكامل الأناقة والصمت في إشارة هشام عين الحياة.
مسنودا برفاقي الفنانين والمبدعين في مدينة الزهور، شفيق الزكاري، ومصطفى الغزلاني..عبد المالك بومليك وبكل أصدقائي الذي يرافقونني دوما في البأساء والضراء..
للرفاق الرقاق العناق الوفاق،
تذكرت عنوان قصيدتي المركزية في ديوان مهن الوهم ،للصعاليك على أبواب القلب يمدحون الوردة
قلت لنفسي أن الشعر تنبأ بهذا الذي أتى..ووجدت صعاليك طرفة بن الورد على أطراف القلب يمدحون الوردة في المحمدية.
شكرا لكل من غطانا بثقته.. قليلا كان ذلك أو كثيرا..
وشكرا لدرويش على ما قاله في بيروت الجريحة..
شـكــرا لــكــل سـحـابــة غــطــت يــــدي
وبــــلــــلـــــت شــــفـــــتـــــي
حـتــى أعطت الأعداء بـابــا .. أو قـنـاعـا
شـكــرا لـكــل مــســدس غــطــى رحـيـلــي
بــــــــــــالارز وبــــالــــزهــــور
وكــــــــــــــان يــــبـــــكـــــي
أو يــــــــــــــزغــــــــــــــرد
مـــــا اســـــتــــــطــــــاعــــــا