مع سبق إصرار وترصد؛
عندما قنن بمرسوم موتها ونهايتها؛
فمع الداودي، كل شيء ممكن، قد تصبح "دكتورا"، في أقل من سنتين، من دون أطروحة ومن دون مؤطر؛
نعم، من دون الحاجة إلى إنجاز أطروحة بحث، قد تمتد أحيانا لسنوات طويلة، وربما تتم أو لا تتم، ومن دون الحاجة كذلك إلى أستاذ مشرف، وحتى من دون مناقشة، عكس كما تنص عليه جميع النصوص القانونية والأعراف المرعية في هذا الشأن، في الداخل وفي الخارج.
وإليكم التفاصيل:
صادق المجلس الحكومي في اجتماعه الأسبوعي ليوم الخميس 09 يوليوز2015، على مشروع مرسوم خطير جدا، رقم 159-15-2 بتتميم المرسوم رقم 89-04-2 الصادر في 18 من ربيع الآخر 1425 (7 يونيو 2004) بتحديد اختصاص المؤسسات الجامعية وأسلاك الدراسات العليا وكذا الشهادات الوطنية المطابقة، تقدم به لحسن الداودي وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، في غفلة من الغفلات.. وينص هذا المشروع على تمديد مدة تحضير الدكتوراه لسنة ثالثة، إضافة إلى الثلاث سنوات المقررة وسنتي التمديد الاستثنائية المعمول بها حاليا، حسب المادة 8 من المرسوم رقم 89-04-2 الصادر في 18 من ربيع الآخر 1425 (7 يونيو 2004) كما تم تغييره وتتميمه بالمرسوم رقم 2.06.489 الصادر في جمادى الآخرة 1428(3 يوليوز 2007)، والذي كان ينص قبل هذا التعديل على أن "يستغرق سلك الدكتوراه ثلاث سنوات بعد الماستر أو الماستر المتخصص أو شهادة معترف بمعادلتها لأي منهما، أو إحدى الشهادات الوطنية المحددة قائمتها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي.. يمكن بصفة استثنائية تمديد هذه المدة، لسنة واحدة أو سنتين على الأكثر وفق الشروط الواردة في دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية المنصوص عليه في المادة 9 بعده..." والذي يحدد شروط الولوج؛ وكيفيات سير إنجاز أعمال البحث والمناقشة؛ وتنظيم عملية التأطير البيداغوجي وإجراءاته. و"يصادق على دفاتر الضوابط البيداغوجية الوطنية المشار إليها أعلاه بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي، بعد استطلاع رأي اللجنة الوطنية لتنسيق التعليم العالي".
وبالفعل، جاء قرار السيد المحترم أحمد اخشيشن، الوزير السابق في التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، رقم 1371.07 صادر في 22 من رمضان 1429 (23 سبتمبر 2008) بالمصادقة على دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية لسلك الدكتوراه، والذي من بين ما جاء فيه، خصوصا في ما يتعلق بتعريف الدكتوراه وشروط الولوج إليها وكذا التسجيل بها، ما يلي:
"يعتبر سلك الدكتوراه تكوينا بواسطة البحث ومن أجل البحث، ويتوج بشهادة الدكتوراه، بعد مناقشة أعمال البحث أمام لجنة المناقشة. تتوج شهادة الدكتوراه مسارا تكوينيا في الدكتوراه يشتمل على مجموعة من التكوينات وأعمال البحث تهدف إلى تمكين الطالب المسجل لتحضير الدكتوراه من اكتساب المعارف والمؤهلات والكفاءات اللازمة لإنجاز بحث علمي رفيع المستوى".
و"تفتح تكوينات سلك الدكتوراه بالنسبة لحاملي الماستر أو الماستر المتخصص أو إحدى الشهادات الوطنية المحددة قائمتها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي أو أي شهادة معترف بمعادلتها والمستوفين لمعايير القبول المحددة في الملف الوصفي لطلب اعتماد تكوينات الدكتوراه الخاصة بمركز الدراسات في الدكتوراه المعني بالأمر". تقترح معايير القبول من طرف لجنة بيداغوجية لمركز الدراسات في الدكتوراه، ويتم تحديد هذه المعايير المحددة في الملف الوصفي والمعتمدة، طبقا لمقتضيات القانون رقم 00.01 المتعلق بتنظيم التعليم العالي.
كما "يقبل تسجيل المترشحين في الدكتوراه من طرف رئيس المؤسسة باقتراح من مدير مركز الدراسات في الدكتوراه والمشرف على الأطروحة. يعرض مدير مركز الدراسات في الدكتوراه على المترشح قصد التسجيل لتحضير الدكتوراه لائحة مواضيع البحث مقترحة من طرف مديري بنيات البحث المعترف بها من طرف الجامعة. ويحدد موضوع البحث طبقا للمقتضيات المنصوص عليها في ميثاق الأطروحات. وعند التسجيل الأول في الدكتوراه، يوقع على ميثاق الأطروحات المنصوص عليه بعده كل من الطالب المسجل لتحضير الدكتوراه والمشرف على الأطروحة ومدير مركز الدراسات في الدكتوراه وكذا المسؤول عن بنية البحث المستقبلة للطالب. ويجدد التسجيل في كل سنة جامعية".
بناء على ما سبق، وبالنظر لما تضمنه دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية من إجراءات صارمة، للتسجيل والتكوين والبحث، حتى الحصول على الدكتوراه، جاء مشروع الداودي الجديد، حسب قوله، لتمكين الطلبة المسجلين بسلك الدكتوراة، والذين لم يتمكنوا من مناقشة أطروحاتهم، خلال أجل خمس سنوات من إتمام أعمال بحوثهم التي هي في مراحل متقدمة، وحتى يتسنى لهم إنجازها على الوجه المطلوب. إلى هنا الأمر عادي وموضوعي؛ فالداودي يرى ونحن معه، أن الدكتوراه شهادة عليا لها قيمتها الاعتبارية، وإنجازها يتطلب وقتا كافيا، حتى يتسنى إنجازها على الوجه المطلوب، وحتى تحافظ على قيمتها العلمية، في الداخل والخارج، بين الباحثين وفي الجامعة، بل وفي المجتمع كله.
لكن، الغير عادي والغير قانوني، بل والغير دستوري في هذا المشروع -والذي يتناقض تماما مع حرص الوزير، من خلال تمديد مدة تحضير الدكتوراه إلى 6 سنوات، على أن تستوفي شهادة الدكتوراه جميع شروطها- والذي لم يكن منتظرا إطلاقا من وزير مافتئ يردد، وفي كل المناسبات، بأنه يريد أن تسترجع الجامعة هيبتها وأن تنهض برسالتها، في التكوين والتأطير والبحث العلمي، حتى بدا يخيل إليه أننا أصبحنا على وشك الانتهاء من صنع طائرة بدون طيار أو "الدرون" كما يحلو له شخصيا أن يسميها، للاكتفاء الذاتي في البداية، ثم تصديرها بعد ذلك إلى الدول الصديقة والشقيقة، حتى أصبح يلقب السيد الوزير من طرف زملائه في الحكومة، وفي مقدمتهم رئيسها، بـ "وزير الدرون". وتكاد فترة ولايته تنقضي ولم نر حتى مجسما صغيرا لهذه الطائرة الذكية، اللهم إلا إذا كان يقصد السيد الوزير بـ "الدرون" تلك الطائرة الورقية التي كنا نلعب بها ونحن صغارا، (أقول) الغير عادي والغير قانوني، بل والغير دستوري هو ما ورد في هذا المشروع، حينما نص استثناء وفي غفلة من الغفلات -ولو أني شخصيا كدت أصدق أن عهد الاستثناءات قد مضى وولى من دون رجعة، خاصة عندما رفض رئيس الحكومة تنفيذ الحكم الإداري القاضي بالتوظيف المباشر لمجموعة من العاطلين حاملي الشهادات العليا، كونه ريعا وفقط لأنهم يحتجون- على تمكين الأساتذة المؤهلين وغير الحاصلين على الدكتوراه من مناقشة أطروحاتهم أو أعمال البحث لنيل الدكتوراه ( "أو" هذه هي كل المرسوم، بل وهي أس القضية وخطورتها؛ بمعنى إما أن تنجز أطروحة أو أبحاثا، لكن، الذي لم يستطع إنجاز أطروحة، طيلة سنوات خلت، هذا مع افتراضنا بأنه نجح في التسجيل لولوجها، هل بإمكانه القيام بأبحاث أخرى غيرها، وهل ليست الأطروحة بحثا، ثم كيف ستكون القيمة العلمية لهذه الأبحاث، وهي لابد أن تكون منجزة بعد التأهيل الجامعي) وذلك بعد التسجيل الأول، وفقا لدفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية (مقتضيات دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية تجعل هذا المرسوم لاغيا أصلا وغير دي معنى)، ومن دون التقيد بمدة الثلاث سنوات الأولى المقررة والثلاث سنوات الإضافية، وذلك لأن العديد منهم -يقول الداودي- لهم أعمال بحث، من مقالات ومنشورات أنجزت بعد حصولهم على التأهيل الجامعي، يمكن تقديمها ومناقشتها أمام لجنة المناقشة، خاصة -ودائما حسب الداودي- أن هذه الفئة من الأساتذة الباحثين تشرف وتؤطر طلبة الدكتوراه، كما أن حصولهم على الدكتوراه سيمكنهم من استيفاء أحد الشروط المتطلبة، من أجل الترشح لترقيهم إلى إطار أستاذ التعليم العالي -ولو أني كنت أتمنى من السيد الوزير، إن كان ولابد، أن يرقي هؤلاء الأساتذة، إلى إطار أستاذ التعليم العالي، وحتى إلى أكثر من ذلك، فليتم ذلك من دون منحهم الدكتوراه، ومن دون المس بهذه الشهادة النبيلة، وبقدسيتها ومكانتها، وحتى لا تسن بهذه الفعلة سنة سيئة، فيكون له وزرها ووزر من عمل بها إلى أن يأتي من يغيرها بعده- ويسري هذا الاستثناء حسب مشروع المرسوم خلال مدة سنتين؛ بمعني أن جميع الأساتذة، المؤهلين منهم والمقبلون على التأهيل الجامعي في المستقبل، سيحصلون على الدكتوراه في أقل من سنتين.
جاء مشروع المرسوم هذا إذن -وأقل ما يمكن أن يقال عنه أنه تمييزي وعنصري، سيعمل من دون شك على قتل شهادة الدكتوراه، وقتل ما تبقى من بحث علمي في بلادنا- على عكس ما حققته بلادنا من تقدم على مستوى تكريس مبادئ الشفافية والمساواة والاستحقاق وتكافئ الفرص وعدم التمييز، بل ومناقض لمبادئ الدستور الذي أعلن منذ تصديره على "حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان".. ولست أدري كيف انطوت الحيلة على أعضاء الحكومة، وخاصة أمينها العام، الحريص دائما على قانونية مختلف النصوص والمراسيم، ولو أن الوقت لا يزال أمامه لمراجعة هذا النص وتجويده.
جاء مشروع المرسوم هذا ربما لشراء صمت النقابات واحتجاجات الأساتذة المؤهلين، على قلتهم، والذين فشلوا، في إتمام ومناقشة أطروحاتهم، ومنهم من فشل حتى في ولوج سلك الدكتوراه بجدارة واستحقاق -وإلا ما كان يمنعهم من مناقشة أطروحاتهم كل ذلك الوقت- ليأتي الداودي ويحرق كل المراحل، ويمنحهم هدية قد لا يستحقها البعض منهم على الأقل، مراعيا، والله أعلم، مصلحته ومصلحة وزارته قبل مصلحة البحث علمي ومصلحة الجامعة التي تعيش اليوم أسوء أيامها، ومستحضرا كذلك هاجس السلم الجامعي مع الأساتذة المؤهلين، ولست أدرى كيف تقبل بدورها هذه الفئة من الأساتذة لنفسها بأن تمنح لها الدكتوراه بهذه الطريقة المهينة، علما بأنها تؤطر طلبة باحثين، يرى الداودي أن ثلاثة سنوات وحتى أربع وخمس لا تعد تكفيهم لإنجاز أطروحاتهم، فمنحهم سنة إضافية، في حين الأستاذ، لأنه أستاذ ولأنه يحتج على الوزير، يمنح هذا الامتياز؛ شهادة الدكتوراه، من دون التقيد، عل قدم المساواة مع غيره من الباحثين، بالنصوص والمساطر التي سيضل جاري بها العمل، وخاصة دفتر الضوابط البيداغوجية الوطنية، لأن في النهاية الدكتوراه هي الدكتوراه، بقيمتها وشروطها والمجهود المطلوب لإنجازها، بغض النظر هل الباحث طالبا أو أستاذ أو موظفا، أو حتى عاطلا.
السيد الوزير،
إن النهوض بالبحث العلمي لا يكون بمثل هذه النصوص العشوائية والمتسرعة والغير محسوبة العواقب، وإنما يتم بتحديد إطاره والقصد منه وكذا بتمويله، بالشفافية المطلوبة، مع المراقبة والتقييم والمسائلة، وإن اقتضى الحال، المحاسبة، كما يتم كذلك بتسخيره أكثر للاستجابة لحاجيات المحيط الاقتصادي والاجتماعي والانخراط القوي في مشاريع البحث؛ وتحسين حكامة البحث العلمي، عبر وضع هياكل لتدبير وتتبع المشاريع، وتقييم أنشطة البحث؛ وتوفير الإمكانيات التقنية والإدارية للمراكز والمختبرات ومجموعات البحث، من أجل القيام بالخبرة في الميادين التي لها ارتباط بتخصصاتها، وأساسا المجموعات المتخصصة في محاور دقيقة وفعالة؛ وتقديم التسهيلات والمساعدات المالية واللوجستيكية للأساتذة، من أجل القيام بأنشطة البحث وإعداد و/ أو المشاركة في مؤتمرات وندوات أو منتديات علمية؛ ومنح جوائز تقديرية وتشجيعية للأساتذة الذين حصلوا على اعترافات وطنية ودولية في مجال البحث العلمي.