الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

السفير عبد القادر زاوي: ربيع الأكراد.. تحقيق الطموح بين الحكمة والجموح

السفير عبد القادر زاوي: ربيع الأكراد.. تحقيق الطموح بين الحكمة والجموح

كشفت ثورات الربيع العربي واحتجاجاته هشاشة مفهوم الدولة الوطنية القطرية العربية المنبثقة في معظم الحالات من رحم الاستعمار الغربي للمنطقة، والوارثة للحدود المرسومة من طرفه، كما عرت الطابع الاستبدادي والتسلطي لمعظم الأنظمة العربية على اختلاف الإيديولوجيات التي تدثرت بها سعيا إلى تأسيس مرجعية مقبولة لمشروعيتها وتحصينا لنفسها في السلطة. تستوي في ذلك الإيديولوجية القومية والتقدمية والإسلاموية أيضا.

وإثر هذا الانكشاف سرعان ما تهاوت لدى العديد من الأنظمة أقنعة الديمقراطية والوحدة الوطنية التي كانت تختبئ وراءها، ما اضطرها إلى الإفصاح عن هوياتها الحقيقية المتأرجحة بين الطائفية والمذهبية والقبلية بشكل أثبت رغم عنادها أنها فشلت فشلا ذريعا في توظيف التنوع الديني والعرقي والثقافي الذي تزخر به لمراكمة عناصر القوة وإثراء فعاليات المجتمعات على غرار ما تفعل الديمقراطيات الغربية التي تشجع الهجرة بين الفينة والأخرى لأقوام من ثقافات وديانات وأعراق مختلفة تلقح بها مجتمعاتها من أجل المزيد من التطور والنماء.

وقد تبدى هذا الفشل في تفكك سريع للروابط الوطنية والقومية التي اتضح أن معظمها كان مفروضا قسرا بمفهوم الغلبة المستند على قاعدة "ملكناها بالسيف"، وذلك مقابل بروز جلي للانتماءات الدونية التي ارتدت في أغلب الأحيان طابع ثنائيات ملغومة أريد لها أن تكون متنافرة لا متكاملة (مسلم/ مسيحي)، (سني/ شيعي أو حنفي/ زيدي)، (عربي/ كردي أو أمازيغي أو من الطوارق، حسب كل حالة على حدة).

وفي ظل الإعصار الجارف الذي يجتاح المنطقة من البديهي أن تبحث هذه الهويات الدونية عن تأمين حمايتها أولا ثم مصالحها أيضا، وذلك بعيدا عن ثوب الوطنية المهترئ الذي لم يستطع تغطية عورات الأنظمة ونقائصها، لاسيما وقد أثبتت الممارسات والمستجدات أن الأقليات الصغيرة كانت الأكثر عرضة لدفع الثمن غاليا للصراعات المذهبية والعرقية في المنطقة، كما حصل للأيزيديين والصابئة المندائية والكلدان وإلى حد ما التركمان في العراق بعد اجتياح داعش، وما وقع جزئيا للدروز في محافظة إدلب شمال سوريا على يد جبهة النصرة، والتهديد المتواصل لهم في معقلهم بالسويداء وجبل العرب جنوب البلاد.

وخلافا لهذه الأقليات الصغيرة الباحثة عن تأمين حماية نفسها ولو بالهجرة، فإن الأكراد وجدوا في التوترات الحاصلة في المنطقة فرصة سانحة لتأمين مصالحهم وتوسيعها وتحصينها. ولم يترددوا دقيقة واحدة في رفع الصوت عاليا بمطالبهم في تأسيس كياناتهم المستقلة، وترسيخ أسسها في خطوة أولى على درب الألف ميل المؤدي إلى تحقيق حلم إنشاء دولة كردستان الكبرى آملين أن يكون هذا الإنشاء هو وعد القرن 21 بعد حوالي مائة سنة على وعد بلفور الخاص بالوطن القومي لليهود.

لقد وجد أكراد العراق في تداعيات الربيع العربي التي أصابت العراق متأخرا عن بقية الدول المجاورة فرصة سانحة لتوسيع صلاحيات إقليمهم الفدرالي الذي تبلور دستوريا منذ الإطاحة بنظام صدام حسين، وخاصة لجهة حسم موضوع مستقبل محافظة كركوك الغنية النفط بالأمر الواقع بدلا من انتظار الاستفتاء الموعود بموجب المادة 140 من الدستور، مستغلين نجاعة تصديهم بدعم من قوات التحالف لتمدد داعش التي كانت تريد اجتياح مناطقهم، وفشلت في ذلك.

ونتيجة الارتباك الذي أحدثه تمدد داعش على حوالي 40% من مساحة العراق، وتهديده لمناطق غير سنية هناك، فإن القوى السياسية والميليشياوية العراقية على اختلافها واختلاف مذاهبها لم تعد تتحدث عن سياسة الأمر الواقع التي يمارسها الأكراد في محافظة كركوك، بل إن القوى الإقليمية وخاصة تركيا وإيران باتت تغض الطرف عن ذلك رغم أنها حساسة عادة لأي مكسب ترابي أو سياسي يحرزه أكراد العراق خشية أن يشكل سابقة ونموذجا لأكرادهما.

- إن إيران كانت مضطرة إلى تنسيق عسكري كبير مع أكراد العراق، الذين قدمت لهم العتاد والخبرة لمحاربة داعش رغم علمها بنواياهم الانفصالية، وما تحمله من تأثير على أكرادها الذين ظهرت بينهم إرهاصات تمرد خجول، ورغم أن استقلاليتهم الحالية تؤثر في هيمنة حلفائها الشيعة على كامل السلطة في بغداد؛ فيما ظلت أنقرة حريصة على علاقات طيبة مع كردستان العراق بزعيميها جلال الطالباني ومسعود البرزاني، واستطاعت تحييدهم إلى حد كبير في صراعها مع أكراد تركيا بزعامة حزب العمال الكردستاني.

وكما يلاحظ، فإن العوامل الداخلية للعراق والمعطيات الإقليمية والدولية المواكبة لتطورات المنطقة مكنت أكراد العراق من تسيير إقليمهم باستقلالية تامة، والمساهمة في تسيير العراق ككل من دون تناسي استغلال أي فرصة أنسب في المستقبل لإعلان دولتهم المستقلة. وفي المعلومات أن ساسة أربيل يعملون حرفيا بالنصائح الأمريكية التي دعتهم إلى عدم الانتحار بإعلان الدولة وسط البراكين العاتية في المنطقة والاكتفاء بالحكم الذاتي المطلق الذي جعلهم أكثر مناطق الشرق الأوسط استقرارا ونموا وأعطاهم فيتو عملي على السياسات العامة في العراق باعتبارهم بيضة القبان رغم قلة عددهم قياسا للمكونات الأخرى؛ وذلك في انتظار أن تنشأ ظروف إقليمية ودولية أكثر ملاءمة لتحقيق الدولة الموعودة المعترف بها دوليا.

- ومن الواضح أن نموذج وضع أكراد العراق ألهم كثيرا أكراد سوريا، الذين رأوا في الربيع العربي فرصة لإبراز طموحاتهم القومية على غرار إخوانهم في العراق، والانتقام من النظام في دمشق الذي ابتدع في الماضي أساليب رهيبة كما يدعون لقمعهم وإجهاض تطلعاتهم في مهدها من قبيل فصل التواصل الترابي لمناطقهم وتفريقها عن بعضها البعض بزرع عشائر عربية وسطهم، وتجريد أعداد غفيرة منهم ناهزت 120 ألف نسمة من الجنسية بالادعاء أنهم من أكراد العراق أو تركيا، ناهيك عن البطش الذي واجه به انتفاضتهم سنة 2004.

ومع تواصل فصول الثورة السورية ودخول البلاد أتون حرب أهلية أنهكت قوات النظام وجعلته يفقد السيطرة على مناطق شاسعة من البلاد عمد الأكراد إلى الاعتماد على قواهم الذاتية لتأمين مناطقهم، التي كانت تبدو في البداية لقمة سائغة لداعش؛ وذلك بمساندة إخوانهم من أكراد العراق والعطف الغربي الأمريكي خاصة، الذي شمل الطرفين معا. هذا الاعتماد على الذات سيخرج إلى العلن مشروعا استراتيجيا كرديا كان غير معلوم، اتخذ سنة 2010 قبل سنة من اندلاع الربيع السوري في مؤتمر جبال كره بكردستان العراق.

وحسب بنود هذا المشروع تتعهد القوى الكردية على اختلاف فصائلها بالعمل من أجل تحقيق الطموحات الكردية، وذلك على صعيدين متلازمين:

- الصعيد المدني، والذي تجلى من خلال إحداث هيئة تنسيقية هي الهيئة العليا المشتركة التي أنيطت بها مهمة التمثيل الشرعي والوحيد لأكراد سوريا، والقيام منذ أواخر سنة 2013 بإدارة ذاتية للمناطق الكردية لتسيير حياة السكان اليومية. وقد تدعمت موارد هذه الإدارة بعد وضع اليد على حقل رميلان النفطي ومعمل غاز السويدية وتسويق منتجاتهما لفائدة الإدارة بعيدا عن سلطات دمشق التي كانت قد اتفقت مع الأكراد في بداية الأزمة على الاستغلال المشترك.

- الصعيد العسكري من خلال ما أسموه وحدات حماية الشعب الكردي "روج أفا" التي تهتدي بنهج بشمركة العراق وتعول عليهم في التدريب والعتاد. وقد انضوت تحتها كافة الميليشيات الكردية وأبرزها تلك التي كانت تتبع الحزب الاتحادي الديمقراطي.

ولا شك أن توحد القوى الكردية على برنامج مشترك، وسرعة تجاوبهم مع الدعوات الإقليمية والدولية لمحارب داعش، مكن أكراد سوريا من الحصول على دعم مباشر من التحالف الدولي الذي كانت غاراته الجوية فعالة لصالحهم كما تشهد على ذلك معاركهم الشرسة ضد داعش لتحرير مدينة كوباني عين العرب.

ولكن من الواضح أن كل تلك المكتسبات لن تضعهم على قدم المساواة مع أكراد العراق، فما زال الطريق طويلا أمامهم، وهم يحاولون اختصاره بنفس أسلوب أكراد العراق بالمزيد من التحالف مع القوى الكبرى والالتزام بمحاربة التطرف والنظام السوري معا جلبا للدعم الغربي الذي لن يتحول إلى استثمار إلا بعد تأمين الأمن والاستقرار. وهو أمر بعيد المنال في الأزمة السورية راهنا.

- وليس صدفة على الإطلاق أن تواكب هذه الاندفاعة الكردية في سوريا أحداث مدينة مهاباد ذات الغالبية السكانية الكردية فيما يسمى رسميا أذربيجان الغربية في إيران. تلك الأحداث التي أسفرت عن أزيد من 50 بين قتيل وجريح عندما حاول عنصر مخابرات إيراني الاعتداء على فتاة كردية تعمل في الفندق الذي كان يقيم فيه، ولدى محاولة هروبها منه سقطت فماتت، ما جعل المدينة كلها تنتفض لتحرق الفندق الذي حصلت فيه الحادثة، ولم يتم تهدئة الأوضاع إلا بعد إعلان حالة الطوارئ وإلقاء القبض على العديد من الناشطين.

أعادت هذه الحادثة إلى الأذهان حادث الفتاة الكردية الأخرى التي كانت قبل مدة قد طعنت عنصرا مخابراتيا في نفس المدينة حاول اغتصابها، وقد أعدمتها السلطات بعد إدانتها قضائيا، ليفتح ملف أكراد إيران من زاوية اجتماعية مرتبطة بجرائم الشرف ذات الحضور الرهيب في ثقافة الأكراد بصفة عامة.  ورغم أن إيران تحاول كثيرا طمس أي ملف يتعلق بالأكراد فيها، فإن هؤلاء في الواقع هم ثاني أقلية كردية في المنطقة بعد تركيا بعدد يناهز حوالي 7 مليون نسمة.

ورغم أن انقسام أكراد إيران على غرار باقي أقرانهم في المنطقة بين وشيعة، وأهمية نسبة المتشيعين منهم بما يوازي حوالي 45% في معلومات غير دقيقة لغياب أرقام رسمية؛ فإن الطموحات الانفصالية المعبر عنها حاليا بخجل على الساحة الإيرانية خلافا للساحات الأخرى ليست جديدة كما يعتقد البعض الذين يعزون انطلاقها إلى بداية القرن 21 بزعامة حزب الحياة الحرة.

وحسب المعطيات التاريخية، فإن طموحات أكراد إيران تعود إلى ثورة الزعيم الكردي سمكو أغا شكاك في بداية العشرينات من القرن 20 من دون نسيان أن أكراد إيران أعلنوا سنة 1946 بإيعاز من السوفيات جمهورية مهاباد لتكون آنذاك واجهة للتمويه على رفض الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية الانسحاب من أرضي إيرانية في شمال غرب البلاد على الحدود مع أذربيجان الحالية. ومعلوم أن  شاه إيران حينها وأد فكرة دولة مهاباد في مهدها وبسرعة.

إن قدرات إيران حاليا كبيرة في استيعاب الطموحات الكردية داخل حدودها، لاسيما بعد أن تمكنت من تجميد أي دعم من أكراد العراق والحزب العمالي الكردستاني في تركيا لحزب الحياة الحرة، الذي توقفت محاولات تمرده نهائيا سنة 2011؛ ولكن لا يوجد ما يمنع من أن تعاد الكرة مرة أخرى في منطقة ملتهبة شبت شعوبها عن الطوق، وثابتها الوحيد سرعة التلاعب بالحدود الفاصلة بينها. وغير مستبعد أن تتزامن يوما ما طموحات الأكراد في إيران مع طموحات قوميات أخرى تضمها الدولة الفارسية كعرب الأهواز والبلوش وغيرها. وآنذاك ستأخذ الأحداث مجرى آخر.

وما كان لربيع الأكراد أن يواصل تفتحه بدون أن يصل نواته الصلبة، أكراد تركيا، الذين يمثلون أزيد من 56% من أكراد العالم، وحوالي خمس سكان تركيا، والمعروفون بسبقهم إلى التعبير عن الطموح للدولة الكردية المستقلة، التي بذلوا على طريقها الغالي والنفيس، إذ ما زال زعيمهم التاريخي، ورمز نضالهم عبد الله أوجلان خلف القضبان يفرض نفسه محاورا شرعيا السلطات التركية التي زكته في هذا الوضع عندما لجأت إليه لتهدئة الأوضاع في كردستان سنة 2013.

لقد تمكن الزعيم عبد اله أوجلان من تحقيق ذلك بندائه المؤرخ في 21 مارس 2013 بمناسبة عيد النوروز، مشرعا الأبواب واسعة بتلك الخطوة الوطنية حينها على أمل في أن تفضي  التطورات في مرحلة أولى إلى  ترسيخ أسس السلام الذي كان هشا، وبناء شراكة وطنية وفق حكم ذاتي شامل في إطار فدرالي.

والواقع، فإن هذا التوجه البراغماتي سيتابعه أكراد تركيا وبشكل جيد هذه المرة في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي دخلوها موحدين بزعامة حزب "ديمقراطية الشعوب"؛ الأمر الذي مكنهم من تجاوز عتبة 10% من أصوات الناخبين (حصلوا هم على 12%) التي تخول لهم دخول البرلمان كقوة انتخابية بأزيد من 80 مقعدا قادرة على التأثير في تشكيل الحكومة الجديدة المرتقبة في أنقرة بعيدا عن الهيمنة المطلقة التي اعتادها حزب العدالة والتنمية منذ سنة 2002.

وبديهي أن هذه القوة الانتخابية الكردية ستفرض نفسها في التحالفات المزمع تشكيلها، وتترجم نفسها في شكل خدمات ومصالح ومنافع للأقلية الكردية في البلاد إن كان على صعيد الخدمات العامة أو في مجال اللغة وتعميمها في وسائل الإعلام. وربما قد تتطور الأمور إلى أبعد من ذلك في ظل الديناميات المتغيرة بسرعة على صعيد المنطقة.

إن سعي الدولة التركية إلى إقامة حزام أمني شمال سوريا ليس الغرض منه توفير ملاذ آمن للاجئين السوريين تمهيدا لتأمين عودتهم للمناطق المحررة في محافظتي حلب وإدلب فقط، ولكنه يهدف بالأساس إلى منع أي تواصل ترابي بين وحدات الحماية الكردية السورية وخلايا حزب العمال الكردستاني النائمة في جنوب شرق هضبة الأناضول.

فالتوجس التركي من أحلام الأكراد وطموحاتهم لن يتوارى على الإطلاق مهما أبدى الأكراد من حسن النية وتواضع الأهداف. وفي المعلومات أن أنقرة انزعجت كثيرا بعد تعيين السيد جميل بايق على رأس المجلس التنفيذي لاتحاد الجماعات الكردية، لأن في ذلك كما تقول هيمنة الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني المعروف بتشدده على الأجنحة السياسية والاجتماعية الأكثر مهادنة للدولة التركية ومؤسساتها.

خاتمة:

عندما استفسرت متابعا أمريكيا للوضع في المنطقة عن المحاباة الأمريكية الواضحة للأكراد في كل من العراق وسوريا حيث تمنع طائرات التحالف أي تدهور ميداني لهم، قال إن ذلك يساعد في تأجيج نيران القضية الكردية، التي إذا أضيفت بذات الزخم للصراع السني الشيعي، فستؤمن 50 سنة أخرى من عدم الاستقرار في المنطقة والاقتتال الذاتي بين أبنائها بما يبقي نظرية الفوضى الخلاقة متقدة أطول مدة ممكنة.

ولهذا غير مستغرب البتة أن تتسارع القضية الكردية في ساحاتها المختلفة في التبلور أكثر على الأرض، آخذة أشكالا تحررية إيجابية للأكراد، حاملة في ذات الوقت ألغاما تدميرية للمنطقة بشكل قد يوسع كثيرا فضاء الاقتتالات الراهنة لما هو أبعد من العالم العربي، مضاعفا حجم الدمار والخراب، خاصة إذا ما استلم العناد والتعنت والتشبث بالأنانيات قضايا التعامل مع الآمال والطموحات.

إن الصراع مع الدخيل على المنطقة (إسرائيل) لا يزال مستمرا منذ سنة 1948 رغم كل محاولات الإجهاز عليه والالتفاف حول أسبابه، مشكلا عنصر عدم استقرار مزمن للمنطقة وشعوبها، فما بالك إذا تعلق الأمر بالصراع مع الأصيل في المنطقة (الأكراد) الذي لن يقبل بتفويت فرصة سانحة لتحقيق أحلامه المجهضة قبل قرن من الزمن.

واستنادا على أغلب المؤشرات المستقبلة، فإن الأكراد عازمون على بلوغ مبتغاهم أو قطع أشواط بعيدة فيه. كما أنه لا يوجد في ظل الأوضاع المهترئة وفشل الدول القائمة وترهلها ما يمنع من أن تنتقل العدوى الكردية إلى قوميات عرقية أخرى بالمنطقة كالأمازيغ والطوارق والنوبة، ما يفتح أبواب المستقبل على المجهول الذي تكفل التشرذم المذهبي بتسعير نيرانه تمهيدا لما هو أسوأ.

إن الصراعات المذهبية التي امتدت كالنار في الهشيم أثبتت أن النخب الحاكمة في المنطقة لم تكن مستعدة لحالات الاستعداء المتبادل هذه التي أربكتها، فهل ستستعد هذه المرة مبكرا لاستيعاب النزعات القومية التي يجمع علماء السياسة أنها عندما تنضج تكون أصعب في الاستيعاب من كل أنواع المعارضات الأخرى.

إن أحداث غرداية على سبيل المثال محدودة في المكان عندما ينظر إليها من زاوية مذهبية، حيث لا امتدادات إباضية في المنطقة، ولكن الإصرار على تسليط الأضواء على بعدها العرقي (العرب ضد الأمازيغ) يوسع كثيرا دائرة التأثير المحتمل منها. فهل من مستوعب؟