لا أحد يعرف حقيقة وتفاصيل ما حدث ولكننا نتوفر على روايتين. الأولى تقدم الحادث على أنه كان في البداية تحرشا جنسيا وأمام مقاومة الفتاتين تحول الموضوع إلى قضية أخلاقية. والرواية الثانية تركز على لباس الفتاتين والذي اعتبره البعض مخلا بالحياء خاصة وأننا في عز رمضان وحتى توقيت الحادث ليس عليه اجماع فهناك من يقول أنه وقع يوم قبل رمضان وهناك من يقول أنه وقع في أول أيام رمضان.
لكن ما يهمنا في هذا الموضوع هو مسألتين:
1- الأولى مرتبطة باللباس و ماذا نقصد بالحشمة و الوقار و الحياء و ماهي معاييره و علاقة النصوص القانونية بذلك
2- تجرؤ بعض المواطنين ضدا على القانون و باسم حماية الأخلاق على التدخل إما لفظا او فعلا أو هما معا لفرض تصورهم للأخلاق و الاحلال محل الدولة في تطبيق القانون.
ومن خلال هاتين المسألتين أود التركيز في البداية على أن اللباس منتوج ثقافي يختلف باختلاف المجتمعات والأزمنة ويتطور بتطورهما مثل اللغة والموسيقى والرقص وطريقة الأكل... كما يتأثر بالأفكار السائدة حسب السياقات التاريخية. فربطة العنق (كرافاط) واللباس العصري كان بالنسبة لمغاربة 1920 تشبها بالنصارى وأقرب إلى الكفر وأصبح اليوم لباسا مفضلا لذا الجميع بما في ذلك الاسلاميين.
كما أن الطربوش الأحمر قدم من تركيا مرورا بمصر وأصبح في المغرب «طربوشا وطنيا»، في حين أن العمامة المغربية «الرزة» لم تحصل على ذلك الشرف. أما التنورة كان ينظر إليها بغير الرضى في بداية ظهورها في المغرب خلال فترة الحماية واصبحت بعد ذلك رمزا للباس العصري لجزء كبير من المواطنات واليوم نلاحظ أن بعض المغربيات يفضلن البرقع الأفغاني واللباس الكويتي أو الإماراتي ويعتبرنه لباسا إسلاميا، في حين يرفضن الملاحف والجلباب المغربيين وكل الألبسة التقليدية وكأنها ليست إسلامية.
كما أن الصلاة بالسروال الطويل كانت شبه مرفوضة إلى حدود الثمانينات من القرن الماضي لكنها أصبحت مقبولة اليوم ولا تثير أي إشكال، وحتى طريقة الصلاة وهندسة المساجد وقع عليها تغيير. فالصلاة بالقبض أصبح مهيمنا بعدما كان ينظر إليه بغير الرضى إلى حدود الثمانينات، كما أن «القبة» كشكل هندسي يميز مساجدنا التقليدية وأضرحتنا أصبح حضورها يتقلص لصالح شكل هندسي آخر واحد وموحد.
وإذا وضعنا ما وقع في انزكان في سياقه العام فهناك أحداث أخرى مماثلة (شاطئ أنزا - مقهى بأكادير - شارع بطنجة....) تبين أن هناك بعض المواطنين يواجهون المارة باسم «النهي عن المنكر»، ليفرضوا عليهم نظرتهم للحياة، وهو سلوك خطير يهدد مبدأ «العيش المشترك» الذي يفرض القبول بالتعدد والاختلاف في إطار ديمقراطي. وإذا تم التساهل مع هذه السلوكات فقد تتطور الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.
أما إن كان ما وقع خطأ أم لا من طرف الدولة المغربية، فأعتقد بأنه من ناحية حقوق الانسان فهو خطأ جسيم ويهدد الحريات الفردية ويشوه صورة المغرب امام الرأي العام الدولي. أما من ناحية القانون المغربي فالفصل 483 من القانون الجنائي المتعلق بالإخلال بالحياء العام فضفاض وغامض و يسمح بكل التأويلات حسب منظور النيابة العامة و مدى انفتاحها أو تشددها.
وهنا أشير إلى أن اللباس لا يمكن أن يكون موضوع نصوص قانونية تحدد للمواطنين ألوان وأشكال وأحجام لباسهم ولا يمكن للقانون أن يتدخل في اذواق الناس وميولاتهم، بل إن المجتمع يعرف كيف يتفق على الحد الأدنى من القيم التي تسمح للجميع باختلافهم وتعددهم بالعيش المشترك.
وما سمي بالفكر الداعشي، وهذه تسمية حديثة، فلا أحد ينكر أنه يخترق مجتمعنا بأشكال مختلفة وتسميات متعددة ظهرت بوادره الأولى منذ تأثيرات الثورة الإيرانية، ثم أفكار الإخوان المسلمين بمصر، مرورا بتنظيم القاعدة، واليوم نتحدث عن داعش، وما عليكم إلا أن تتابعوا بعض ما يكتب على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لتلاحظوا تنامي هذا الفكر الخطير.
كتاب الرأي