يبدو أن علينا أن نعيد تعريف الديموقراطية، مع مطلع كل شمس في البلد المشمس والجميل... وإذا كان المعروف أن الديموقراطية منذ أن استيقظت أثينا صباح ازدهارها على مفهوم «الأكورا» وفضاءات النقاش العامة، هي بالأساس حوار مستمر ودائم حول كل القضايا بين الناس، فإنها تعني في بلادنا الهروب إلى الصمت تارة والهروب إلى المنطقة المعزولة في الفضاء العمومي.
1 - المجتمع يعرف حرارة مرتفعة ونقاش مسترسل حول قيمة الفن وحول حدود الحرية،.. وكان المنطق العادي يقتضي أن تكون المساحات البرلمانية هي المكان المتاح، مؤسساتيا ودستوريا للفصل في القضايا التي تطرأ بين مكونات البلاد وبين مختلف تيارات المجتمع.. وهو الفضاء المتعارف عليه دوليا في ترتيب النقاش والخروج به من «فطرة» الساحة العمومية إلى الفضاء العام المؤطر بالثقافة السياسية والديموقراطية شكلا ومضمونا.
الذي يحصل هو أن الاختيار الذي رست عليه الصفقة البرلمانية هو خروح الأسئلة المحرجة من حرارتها إلى برودة الترتيبات المسكوكة، كما اعتدنا عليها في مغرب سابق.
وبذلك تكون الخسارة المزدوجة هي أننا نغلب منطق التدخلات المعروفة نتائجها مسبقا على منطق السجال والإقناع والتموقف بناء على قناعات واضحة، ونعطل ثانيا الديموقراطية لفائدة نقاش متحكم فيه قبلا، وهو لم يستكمل بعد كل أشواطه!
2 - عندما تقف برلمانية مغربية باسم فريق من المعارضة وتقول إن الحكومة رفضت الإجابة عن سؤال الفريق الاشتراكي بمجلس النواب أول أمس الثلاثاء، حول منع فيلم «الزين اللي فيك»للمخرج نبيل عيوش، فإن ذلك يعني، كما أكدت النائبة البرلمانية رشيدة بنمسعود في إطار نقطة نظام، «ضرب واضح للوظيفة الرقابية للبرلمان تجاه الحكومة». وأنكي من ذلك أن القرار الذي دفع إلى سحب أسئلة من أسئلة البرلمان حول موضوع ساخن يريد أن يحرم الديموقراطية من صوتها وفضائها لفائدة فضاء بعيد كل بعد عن الرقابة الشعبية لنعرف مواقف كل طرف ودفاعه وقناعاته.
ويكون الامتناع عن الجواب امتتثال لصمت من دعا الحكومة وفرقا أخرى إلى الصوم عن النقاش. ولعلنا الديموقراطية الوحيدة في العالم التي تريد أن تتطور.. بحكمة الصمت وذهبه!
3 - تعطيل النقاش العمومي من خلال تعطيل برنامج حول الموضوع، لا معنى له سوى أن ساحة أخرى في عقل الديموقراطية أصبحت لاغية.
ليس المهم أن تبادر القناة ومسؤولوها إلى اختيار صائب من قبيل البرنامج، ودعوة المعني به أي وزير الاتصال،وبعض قليل من مكونات تيارات المجتمع حول قضية الفن والحرية والمسوؤلية والتطور الديموقراطي والتماكس الاجتماعي إلخ إلخ.. ، المهم هو أن يعود الفضاء الإعلامي إلى نفس المسطرة التي دخلها الفضاء البرلماني في النقاش الديمقراطي:أي أن يذهب الصوت والصورة إلى حيث ذهب المنبر والميكرو..
أين يمكن للديموقراطية أن تنبت وتكبر وتكشف عن جدواها إذا لم تكشف عنها في البرلمان وفي التلفزيون؟
شخصيا لا أعرف حديقة أخرى من حديقة الإعلام، والبرلمان لكي تشمس وتزهر وتينع براعم ديموقراطية تبحث عن نفسها بين الماضي وبين سيطرة التوازنات على حساب المغامرة الإنسانية للعقل الذي يناقش وينتقد ويدافع ويختبر قدراته على التماكس والإقناع..
من كل ما جري سنقنع بالصمت، وسنقنع بالهدوءْ المرتب.. وطوبى للغرباء من البرلمايين والبرلمانيات ولقادة الرأي العام ولمن يصارع لكي تكون للديموقراطية نكهة مغربية..
إننا نقوي الذين يرفعون الشعار ضد المؤسسات لأنها غير مجدية، وربما نردد بالصمت صدى شعارهم: ««عليك لامان عليك لامان، لا تلفزة لا برلمان»»..