الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

رشيد صفـَـر: البلاكة 90 طول الحياة

رشيد صفـَـر: البلاكة 90 طول الحياة

كشفت حادثة احتراق طاكسي صغير يوم الثلاثاء 2 يونيو 2015 بشارع أم الربيع بالحي الحسني بالبيضاء، مجموعة من الأمور المُضحكة المُبكية التي يتحمل مسؤوليتها الجهاز الوصي على مؤسسات تعليم السياقة (وزارة التجهيز والنقل)، إذ لا يراقب هذا الجهاز مدارس تعليم السياقة للتأكد من حسن سيرها على مستوى موازنة وموازاة الدروس النظرية بدروس تطبيقية، فأغلب المستفيدين من دروس تعليم السياقة بالمغرب، يتعلمون السياقة ومبادئها في الشارع العام خلال تعليقهم لـ "العلامة 90" وراء سياراتهم، والحال أنهم لا يستطيعون تجاوز معدل 40 كلم في الساعة بحسن إدراك لما يقومون به من عمليات مرتبطة بالتحكم في القيادة واحترام قانون السير، فرغم أن مقتضيات المادة 239 من القانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق، تشدد في الباب الخامس على : (مناهج وبرامج وأدوات تعليم السياقة)، إلا أنه مع الولوج من باب مدارس تعليم السياقة، تدرك أن مناهج وبرامج وأدوات السياقة حبر على ورق.

مناسبة هذا الكلام هو الخلاصة من ما حدث خلال نشوب الحريق في الطاكسي الصغير بالبيضاء، فقد عجز السائق عن إخماد النار لعدم تدخله في الوقت المُناسب (بعيدا عن إكراهات الروسيطا)، كما عجز كل المواطنين الذين ساعدوه بطفاياتهم على التدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومن حسن الحظ أن الحريق وقع في شارع رئيسي، بعيدا عن حي سكني أو محل تجاري يمكن أن يصله الخطر بسبب تطاير لهيب النيران. ومن المفارقات العجيبة هو أن الحكومة تسن القوانين لفرض الانضباط على السائقين، لكنها لا تعمل على تأهيل ومراقبة المؤسسات التي تُعنى بتعليم السياقة، ذلك أن أغلب السائقين الذين هرعوا للإسهام في إطفاء النيران التي التهمت الطاكسي، لم يستطيعوا استخدام الطفايات التي كانوا يحملونها بين أياديهم (فكان شخص واحد بين المواطنين من يتقن ذلك بشكل مضبوط). لا تكفي نية الإطفاء وحمل الطفاية لتحقيق عملية إخماد نيران السيارة، في ظل جهل أغلب السائقين لطريقة التعامل مع الطفاية وحريق السيارة، فما الفائدة من طفاية نضعها في السيارة ولا نعرف أبسط شروط استعمالها؟. ولنا في الكثير من الحالات الطرقية العلامة على كون المغرب بلد تتحول فيه بعض وسائل الوقاية لديكور وورقة عبور أمام الشرطة والدرك. فمن منا عند تلقيه الدروس في مدارس تعليم السياقة تلقى أبجديات طريقة استعمال الطفاية وصيانتها أو تقنية مواجهة حريق السيارة أو طريقة التعامل مع حالة انزلاق السيارة أو فشل الفرامل؟ فالنظري يقهر التطبيقي في فلسفة تعليم السياقة بالمغرب.

من الحكايات الغريبة داخل مدارس تعليم السياقة، التي أضحت منذ مدة تحتكم إلى الحاسوب لقياس درجة إتقان المتعلم لضوابط قانون السير، تماشيا مع الامتحان الذي ينظم في مراكز تسجيل السيارات، قصة ذلك الشاب (من مدينة البيضاء)، الذي كان يحصل على أربعين نقطة على أربعين بميزة جيد جدا، في التدريب على أجوبة أسئلة يتضمنها (قرص مضغوط يحتوى على أسئلة تتكرر بطريقة غير عقلانية) ويعرض هذا القرص أمام المستفيدين بشاشة مدرسة تعليم السياقة، ليتدربوا على الإجابة عن أسئلة وحالات طرقية متعلقة بقانون السير المغربي، لكن كان ذلك الشاب عند إجراءه لامتحان السياقة يرسُب في أسئلة قانون السير عبر الحاسوب، ولا يتجاوز عتبة 10 على 40 للوصول إلى معدل 30 نقطة والمرور لامتحان السياقة وتلكم قصة أخرى. هذا الشاب حيَّر مدربي السياقة وزملاءه في مدرسة تعليم السياقة، وكان الكل يظن أنه يُصاب خلال الامتحان بالارتباك، لكن المفاجأة هي أنه كان يتعلم الأجوبة على أسئلة التدريب (التي يتضمنها القرص المضغوط بالمدرسة) عن طريق حفظ الصورة والحالات المعروضة على شاشة الكومبيوتر، فكان بذلك يجيب عنها عن طريق (الضبط الاعتيادي)، ولم يكن يفهم المعنى والحالات الطرقية المعروضة أمامه بمدرسة تعليم السياقة، ليستأنس بها في الجواب على أسئلة الامتحان التي تكون مُخالفة على مستوى الصورة والحالات الطرقية لأسئلة مدرسة تعليم السياقة، وهي مسألة تتحمل مسؤوليتها مدرسة تعليم السياقة، لأن الغرض من حصولها على الترخيص هو تعليم قانون السير والسياقة بشكل مضبوط، وغير مقبول أن تكون فقط محطات للمرور برأس فارغ نحو الامتحان والسياقة بالشارع العام.

في مدارس تعليم السياقة بالمغرب، يتعلم المغاربة، كيف يمرون من امتحان السياقة فقط، ولا يتعلمون روح الانضباط لقانون السير، ولا يفهمون بشكل تطبيقي تعليمات قانون السير، بل ويخرجون من هذه المدارس، وفي اعتقادهم أن قوانين الانضباط للسياقة التي تحترم الحياة، مجرد تعليمات تعسفية، إذ تعجز مدارس تعليم السياقة وقبلها المناهج التعليمية والتربوية للمدارس المغربية على زرع فلسفة الغاية من الانضباط لقوانين السير وعواقب عدم احترام علامات التشوير والسرعة القانونية، واحترام علامات المنع (مثلا حالات ممنوع الوقوف) ومخالفة عدم وضع حزام السلامة، فتجد بعض السائقين عند ارتكابهم المخالفة الأخيرة يهمسون ويجهرون: "ومالنا أش درنا كاع.. مدايرش السمطة، راني محزم بسمطة فسروالي"، مثل هؤلاء يجب أن يعلقوا لبلاكة 90 طوال حياتهم إلى حين تغيير فلسلفة مدارس تعليم السياقة.