إن معضلة تشغيل القاصرات هي قضية مجتمعية وسياسية كبرى ذات أبعاد اقتصادية، اجتماعية، ثقافية وقانونية. فتقارير بعض المنظمات غير الحكومية، تنطق بكون المغرب لم يقم بتفعيل القوانين التي تحظر عمل الأطفال تحت خمسة عشر سنة، بالصرامة اللازمة وعلى النحو الواجب. بل إنه لم يحدد ظروف عمل فئة هشة ممن تقوم بأعمال الحراسة، البستنة، السياقة، تربية الأطفال وبالنظافة في المنازل. هاته المهمة التي غالبا ما يكون فيها عمل الفتيات مصحوبا بالتحرش، بالاستغلال الجنسي والانتھاكات الجسيمة من الضرب والتنكيل والإهانة. ناهيك عن الاشتغال فوق الطاقة، التعرض للمخاطر، لمزاجية ولسادية بعض المشغلين، دون أية حماية أو تأمين أو تعويض عن حوادث الشغل، التي وصلت، حسب المندوبية السامية للتخطيط، إلى أكثر من 2000 حادثة شغل في السنة، في صفوف المصرح بهم.
في غياب أي سلطة رقابية بصفة ضبطية، يمكن أن توكل إليها مهمة انتهاك حرمة البيوت، ما زال قطاع العمل المنزلي بالمغرب، بشكل عام، أطفال وبالغين على حد سواء، تسود فيه الفوضى وخارج سياق مدونة الشغل ولا تحترم فيه الشروط الدنيا. فلا تحصل عاملات المنازل على الحقوق المتوفرة للعمال الآخرين، بما في ذلك الحد الأدنى للأجر، تحديد ساعات العمل، العطل، الإجازة مدفوعة الأجر، الحق في الرخص الطبية والتغطية الصحية، وبدون ملف يتضمن البيانات الخاصة، كالحمل أو الأمراض المزمنة أو حمل للفيروسات، ولا حتى الحق في تكوين والانخراط في النقابة.
ما زالت اليافعات، في سن التمدرس وتحت السن القانوني، تعملن في المنازل، ذلك الفضاء المغلق والخاص، الذي ينفلت من المراقبة، حيث لا يعشن مرحلة الطفولة، يعانين في صمت، يتعرضن لمعاملات قاسية جسدية ونفسية وحاطة بالكرامة بدون حماية. وكأننا في زمن الرق، خاصة أن أغلبهن جئن من المداشر والقرى النائية هاربات من الفقر والتهميش أو مرغمات على بيع سواعدهن الفتية من أجل أجور هزيلة لا يستفيد منها غير أولياء أمورهن والوسطاء، الذين يجب تشديد العقوبات الزجرية في حقهم واعتبار ما يقومون به نوع من أنواع الاتجار في البشر.
كلنا يعرف الكثير من النماذج لخادمات بيوت تحكي معاناتها للمنظمات والجمعيات الحقوقية، هذا إن تمكن من الوصول إليها. ف 40% منهن حسب دراسة لإتلاف لجمعيات، تعنى بهاته الفئة، يصبحن أمهات عازبات وعرضة للضياع. لذلك على السيد وزير التشغيل والسيدة وزيرة الشؤون الاجتماعية، والحكومة بأغلبيتها أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا الملف اليوم، انطلاقا من اعتمادها مسودة مشروع قانون 19.12 يخص هاته الفئة، لجعله يستجيب إلى المعايير الدولية التي حددتها الاتفاقية 189، لتأمين كل الضمانات الحمائية لها. وذلك بدءا بتحديد مفهوم المهن الفائقة الخطورة بنص تنظيمي، وفق اتفاقيات منظمة العمل، التي لا تسمح للأطفال بالاشتغال فيها، في ظل وجود فئات عمرية تتراوح بين 10 سنوات و12 سنة تشتغل في مجالات يدوية تقليدية عدة فيها مساس بالسلامة الجسدية، ناهيك عن اعتبار استخدام الأطفال في الدعارة والإباحية، انتهاكا للبراءة، حيث تبدأ ملامحها، في كثير من الأحيان، مع تشغيل القاصر في ظروف تغيب فيها شروط مكونات الحماية القانونية.
ليس من المنطقي، في دولة الحق والقانون، أن يتم استبعاد العمال المنزليين المغاربة من مدونة الشغل، وحرمانهم من التمتع بحقوق قانونية من بينها تحديد ساعات العمل وأيام العطلة، سواء الأسبوعية منها أو المتعلقة بالأعياد، إضافة إلى الحق في الانخراط في النقابة. من هنا تأتي ضرورة وإلزامية تكوين نقابة عمّال التنظيفات، تترافع عليهم لتوفر لهم مناخ وشروط العمل بكرامة، وتطالب بالرعاية الاجتماعية لهم، مع ضمان حق العمال الأجانب في الانتساب إليها، وهو ما يتوافق مع توصيات منظمة العمل الدولية.
أمامنا كمؤسسة تشريعية، وأمام الحكومة بأغلبيتها، رهان حقيقي وفرصة لوضع حد لاستغلال العمال المنزليين، القاصريين والبالغين، من خلال إخراج قانون يتماشى مع المعايير التي وضعتها منظمة العمل الدولية. لأن من شأنه أن يقنن ظروف عمل الآلاف من العمال المنزليين في المغرب، سواء منهم المحليين أو الأجانب، مع إلزامية التشغيل بعقود بالنسبة لهاته الفئة، واحترام اتفاقية حماية المهاجرين، وذلك بمنحهم حماية قانونية مماثلة لتلك التي لغيرهم من العمال، طبقا لمدونة الشغل المغربية، ووفق عقود عمل تنظم وتضبط العلاقات التي تربط بين هاته الفئة من الأجراء بمشغليهم, وذلك في أفق إقرار تمتيعهم بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي أقرها الدستور لجميع المواطنين سواسية.
تقارير هيومن رايتش ووتش أكدت أن المغرب حقق نسبيا تقدما في تخفيض معدلات تشغيل الأطفال. لكن، حسب نفس المنظمة، في إطار المقارنة، يبقى وراء كل من الطوغو، البرازيل، مكسيك، زامبيا والجزائر. إحدى مداخيل حل هذا المشكل هو احترام اتفاقية حقوق الطفل، هو تقريب المدرسة من التجمعات السكنية النائية للحد من الهدر المدرسي، وعبر خريطة الفقر، محاربة الهشاشة في العالم القروي، السعي لخلق توازن بين الجهات، انتشال الفتاة وأسرتها من براثين العوز، التي ترمي بها إلى القهر في بيوت أجانب، وإدماجها في المدرسة في إطار فرض وتعميم التعليم، على الأقل حتى الإعدادي، إحالة على قانون إجبارية التعليم حتى سن 15.
لبلدنا واقعه الاقتصادي والاجتماعي الذي يجب أن نراعيه ونحن نشرع. لا نود بهاته المطالب المشروعة التي تؤرقنا، أن نخلق شرخا في المجتمع. ولكن علينا أن نراعي التوازنات، لأن المغرب الحقوقي قطع أشواطا كثيرة من أجل الوصول إلى ما صَل إليه. إن سن القوانين التي تراعي حقوق الفئات الهشة، هو بداية التغيير، والسهر على تنزيلها، هو تحقيق التغيير، بالاستجابة للمواثيق واحترام الالتزامات الدولية والتعهدية للمغرب. بموجب إصدار قانون شامل، سنوفر الحماية وسنضمن تأطير عمل العمال المنزليين، في أفق إصدار المراسيم التطبيقية التي ستحدد جوانبه الأساسية، بما في ذلك تعزيز العقوبات في حالة خرق الأحكام المتضمنة في مشروع قانون العمال المنزليين رقم 19.12 والذي سنضمه إلى الإصلاحات التشريعية الوطنية، وخروجه في حلة تراعي المعايير الدولية، ستجعل من المغرب أول دولة تنظم إقليميا إلى الاتفاقية 189، وتتبوأ بذلك مرتبة ريادية في المنطقة، في ما يتعلق بمسألة عاملات المنازل وحمايتهن.