الأحد 24 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الحميد جماهري: أشباح بنكيران السككية!

عبد الحميد جماهري: أشباح بنكيران السككية!

لست من الذين يلومون رئيس الحكومة، لأنه لم يتقدم بأي موقف والحديث في المغرب يدور عن وصول الإسرائيلي شمعون بيريس إلى المغرب، فإسرائيل معروفة، موجودة، ويمكن لمن أراد أن يناصبها العداء أن يفتح أول قناة ويشاهد آخر القتلى… لكي يصوب أحقاده جيدا ويسدد بشكل مناسب ضد القتلة..

ولا أنا من هواة إحراجه بالموقف من الزواج الذي سيجمع، بعد حب معطل بين وزيرين (الوزير عادة، في الثقافة الشعبية يكتفي بالتصفيق والسهر على زواج مولاي السلطان).

فتلك أمور تقع حتى في العائلات العريقة، كعائلات السلمون والبلشون معا..

ليس مطلوبا، منه في هذه الظروف الصعبة أن يقدم أطروحة سياسية عن ارتفاع المديونية الداخلية فتلك أمور وقعت وتقع، حتى في الدول العريقة، بما فيها بنين الشقيقة!

ما يجب أن يؤرق الرجل هو ذلك القطار الذي كان واقفا (ما عليه ما بيه) ثم، في خطوة غير محسوبة العواقب تحرك باتجاه المجهول، وإن كان وفق السكة الحديدية وفوقها.

تصوروا قطارا، وهو يسقط فجأة ثم يقرر أن يتحرك على مسافة محترمة.. ويمعن النظر في المارة وهم مندهشون: فماذا سيكون موقفكم لو أن كل القطارات استفاقت دفعة واحدة، وقررت أن تركب حديدتها السككية وتخرج في المسافات بين المدن وبين المحطات، وهي تدخن سجائر طويلة تراها من بعيد؟

لنعترف بأن القشعريرة ستسري في أبداننا وأن الحوقلة لن تنفع وقتها، وكل منا سيتذكر أن له رجلين وأنهما تصلحان لمثل هذه المناسبات.

وتصوروا لو أن القطارات ذاتها قررت أن تتحرك.. عرضا وليس طولا كما أراد لها مخترعوها ومحبوها الأوائل في زمن الحب البخاري؟

هل من أحد يستطيع أن يفكر وقتها في ما يمكن أن يفعله من أجل إيجاد منصب شغل، أو الحصول على سرير في مستشفى (لا سرير في وزارة بطبيعة الحال فهو موجود)! هل يمكن أن نفكر في مشكلة النقل نفسها ووزيرها الرباح الذي لم تربح معه البلاد بعد قطارات في المستوى؟

الحقيقة هي أننا سنكون منشغلين بالقطارات التي، ثم التي تبعتها ثم التي تركناها قبل السكتة القلبية.

السيد بنكيران معذور في أن يوظف كل طاقته في قضية القطار الذي قرر لوحده أن يتحرك بدون مبرر معقول!

في بلدان الخارج، يتطلب ذلك سيناريو، وخيالا، وأبجديات ضالعة في الفانتاستيك، حتى تتقرر الحركة فوق السكة، ثم لكي نحصل على قطارات شبح، يجب أن نستيقط باكرا كما يقول الفرنسيون.

وفي السينما تكون أفلام الرعب مناسبة لمثل هذا النوع من القطارات.

والرعب بالدارجة تاعرابت هو.. "الخليع"..

والخليع هو مدير القطارات.

وبنكيران عليه أن يتعايش مع الأشباح التي تحرك القطارات التابعة للخليع..

قد يحدث ذلك للسيد الرئيس هو نفسه، أن يسير، بدون محرك ولا سائق فوق نفس السكة، ووفقها بشكل يثير الرعب.

وحدث له ذلك بقرار نفسه، عندما قال "أنا غير بنكيران"..

لكن الرجل مطالب بالجدية اللازمة لأنها الأشباح تتحدد مجددا بعد أن كانت التماسيح التي ذكرها في الكلام قد ظهرت للعيان (واللي بصحتو حتى هو)!

فليس إنصافا أن نحث رئيس الحكومة، صباح مساء على أن ينشغل بما يقع في البلاد وهو يتابع، يوما عن يوم صواب توقعاته بوجود الأشباح والتماسيح في الحياة المغربية.

فالعفاريت تسير القطارات بدون الحاجة إلى معرفة السبب

والتماسيح بدورها تظهر وتختفي مثل الثعالب في الأدب المغربي..

فالكل يعلم أنه سبق، في مفاجأة حيرت العقول، ونسيها المغاربة للأسف أن ثبت أن تمساحا خرج من الظلال إلى واضحة النهر في سلا.

ولم نعترف للرجل الذي سير الحكومة بأنه كان رائيا ومستبصرا، وأنه نجح في إثبات أن حديثه عن التماسيح ليس أضغاث أحلام، بل هو واقع قابل للتحقق..

من مصلحتنا، إذا أردنا أن نطمئن أن تبقى القطارات في أماكنها

والتماسيح في أماكنها، وهذا بحد ذاته إنجاز مهم للحكومة ولرئيسها!

وعفا الله عما سلف.