وضع وزير العدل والحريات مصطفى الرميد كل مؤسسات الدولة، والمؤسسات الرسمية الدستورية الأخرى أمام الأمر الواقع، وعرض في ندوة عمومية محاور مشروع القانون الجنائي الجديد.
وأول ما يثير الانتباه فيه هو مقترحات المشروع، كما سطرها الوزير ومعاونوه، في قضية الإعدام والإجهاض، وهما موضوعان ما زالا رهن النقاش وبدون سقف للحسم.
لقد اتخذ الوزير الرميد هذا المسعى، بمبررات الأجندة الحكومية المحضة بنزوع واضح نحو وضع سقف مسبق لقضية شائكة مازال النقاش المجتمعي ساريا فيها.
لنبدأ بالإعدام: فقد قدم الوزير مشروعه على أساس «التقليص من عقوبة الإعدام في عدد من الجرائم»، واقتصار هذه العقوبة فقط على الجرائم الخطيرة والرهيبة والبشعة، كما ورد في معرض المشروع المقدم في الندوة المذكورة،… كما تقدم الوزير بمشروع تخفيض عدد المواد التي تعاقب بالإعدام، "فمن أصل (31) واحد وثلاثون مادة كانت تنص على عقوبة الإعدام في مجموعة القانون الجنائي احتفظت مسودة مشروع القانون الجنائي على (أو بـ كما هو في صحيح اللغة)! (8) ثماني مواد ما يشكل أقل من ثلث العدد الأصلي، مع إضافة (3) ثلاث مواد جديدة متعلقة بجرائم القانون الدولي الإنساني ليصبح عدد المواد التي تنص على عقوبة الإعدام (11) إحدى عشرة مادة، وهو ثلث عدد عقوبات الإعدام التي كانت مقررة في مسودة مجموعة القانون الجنائي موضوع المراجعة". ويضيف المشروع أن هذه الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في القانون الجنائي «تتحدد في الجرائم الخطيرة جدا (جرائم القتل المشدد، بعض جرائم الإرهاب، جرائم القتل المشدد المرتكبة في إطار القانون الدولي الإنساني، بعض جرائم المس بأمن الدولة الداخلي والخارجي)«.
والحال أن النقاش حول الإعدام، عقوبة حول بقائها من إلغائها مشروع نقاش قبل أن يكون مشروع قانون، مضمن في القانون الجنائي .
وقد كان ملك البلاد، قد وجه رسالة إلى المشاركين في المنتدى الدولي الكبير لحقوق الإنسان، الذي طبع حضوره الحياة الحقوقية دوليا قبل أن يكون ذلك وطنيا. وقد كانت فيها التوجهات الملكية واضحة وضوح الشمس، ولعل الرميد كان أكثر من انتبه إلى ذلك، بما أنه هو الذي قرأها على ضيوف المغرب، الذين فاق عددهم الألف مشارك، وقتها أشاد الملك بالنقاش الدائر حول عقوبة الإعدام، بمبادرة من المجتمع المدني، والعديد من البرلمانيين ورجال القانون. وألح الملك، باعتباره يرأس المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل56) ويوافق بظهير على تعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل57)، ويمارس الملك حق العفو (الفصل58) على أن هذا النقاش سيمكن "من إنضاج وتعميق النظر في هذه الإشكالية".
وعلى حد علمنا وعلم كل المتتبعين والمعنيين، لم تقدم بعد نتائج النقاش المجتمعي، ولا تكلمت فيه مؤسسات أخرى معنية، مدنية أو دستورية رسمية.
ومن الإعدام، إلى الإجهاض، تزامن حديث وزير العدل في الندوة إياها مع انتهاء المدة المخولة للجن وللجهات المعنية بالملف لرفع التقارير إلى ملك البلاد.
وإذا كان المشروع لم يورد مقترحات الوزارة، فإن الوزير لم يمنع نفسه من إعطاء وجهة نظره على هامش الحدث عندما صرح، ليومية «أخبار اليوم» بالاتجاه الذي يريده من المشروع، في إطار المحافظة والتقاليد، كما يفهم من الخبر وصياغته.
وهو مسعى بدأنا نلمس ردوده في التعبئة التي تخترق المجتمع على ضوء نقاش مفروض فيه أن يظل في الإطار الذي تم رسمه دستوريا، وبناء على الطروحات التي تمثلها المؤسسات، من أوقاف وعدل ومجلس وطني ومنظمات حقوقية وفعاليات مدنية وسياسية تمت مناقشتها من طرف الجهات الثلاث المذكورة.
نحن نسير باتجاه الأمر الواقع، في قضايا… لا يصلح فيها الأمر الواقع إلا إذا كان من ورائها تأجيج الخلاف والحدية والإطلاقية. وهو ما لم يدخل فيه المغرب في كل النقاشات التي همت القضايا الخلافية الإستراتيجية (الماضي، اللغات، الطفولة، الانتقالات بكل أنواعها…الخ).