لم يكن غريباً أن يتم اختيار دولة الكويت "مركزاً للعمل الإنساني"، وأن ينال أميرها لقب "قائد العمل الإنساني"، فما من كارثة طبيعية أو أزمة إنسانية إلا وكان لدولة الكويت دور واضح وسابق لغيره، عبر المنح المالية والمُساعدات اللازمة، والتي تنقلها الأمم المتحدة باسم الشعب الكويتي للمُتضررين في جميع أنحاء العالم.
وقد بدا واضحاً أن الملف السوري استحوذ المرتبة العليا على خارطة الشؤون الإنسانية، والتي رسمتها دولة الكويت. فعلى مدار ثلاث سنوات مضت، استضافت الكويت ثلاثة مؤتمرات دولية للمانحين من أجل دعم الوضع الإنساني في سوريا.
ويُمكن القول أن استضافة المانحين من أجل سوريا على مدار ثلاث سنوات، هي أقرب لأن تكون صناعة لرأي عالمي جديد، رأي ينطلق من رؤية تُحاكي المنطق في استضافة جميع الأطراف الخارجية والمُؤثرة على الداخل السوري، وعرض النتائج الحقيقية لسياساتهم على الشعب السوري.
كما أن دولة الكويت نجحت في عولمة القضية السورية من خلال تقنين الوضع الإنساني في سوريا، وإحاطته بهيبة دولية، فقد استطاعت نقل الصورة الحقيقية من الداخل السوري إلى جميع أنحاء العالم، وهذا ما عجز عن فعله كل من النظام السوري والمُعارضة بأنواعها.
والسؤال هنا، كيف تحفظ الكويت صناعتها ذات الهيبة الدولية؟، من خلال قراءة تبحث عن، لماذا المانحون في الكويت؟، وما هي المعوقات الحقيقية للمانحين ما بعد الثالث؟
وعلى الرغم من أن دولة الكويت وسوريا تقعان في إقليم عربي واحد، ولكن دون حدود مُشتركة، وعادةً ما تكون مؤتمرات الحوار والمَنْح في الدول ذات الحدود المُباشرة مع دولة النزاع.. فقبل أسابيع نظمت الأمم المتحدة مؤتمراً دولياً في كينيا من أجل جنوب السودان، وذلك نظراً لشراكتها الحدودية مع الجنوب السوداني، وقرب العاصمة نيروبي من الحدث والأزمة بشكل مُباشر.
إذاً؛ ما حدث في نيروبي وثقة الأمم المتحدة في إدارتها لعلاج أزمة جنوب السودان، هو دليل على فقدان الأمم المتحدة ثقتها بدول الجوار السوري، وأن القرب الإيراني التركي من الشأن السوري غير إيجابي، وهذا بدوره يؤدي إلى فقدان المانحين ثقتهم بدول الجوار السوري.
وعليه نقول، إن دولة الكويت نالت دعوتها لاستضافة جمع المانحين في عاصمتها قبول المجتمع الدولي المُمثل بالأمم المتحدة، وقناعة المانحين بدور الكويت تجاه الأزمة السورية بأنه الأفضل على مستوى الإقليم العربي.
كما أن المانحين لا يبحثون عمن يجبي أموالهم، بقدر ما يبحثون عن دولة لها قدرات الامتداد الإقليمي، ضمن إدارة سياسية ومالية متفوقة، كأقرب نقطة لحدث الأزمة. والكويت استطاعت إقناع المجتمع الدولي بمفهومها الجديد للحياد الإيجابي، وهو الوقوف إلى جانب المظلوم ونصرته، وليس المساواة بين الجلاد والضحية.
لذلك، فإن فِهم قانونية الحياد الكويتي، والتي نالت ثقة المجتمع الدولي، وحققت مطالب المانحين بقدراتها للإدارة السياسية والمالية، هو الإجابة على سؤال لماذا اجتمع المانحون في الكويت من أجل إنقاذ الشعب السوري، بل هو ما فرض الهيبة الدولية على الشأن الإنساني في الداخل السوري وخارجه.
بالإضافة إلى مجموعة من الرسائل، يُمكن استخلاصها من احتضان الكويت لثلاثة مؤتمرات دولية للمانحين وغيرهم، وهي كالتالي:
أولاً: أن المجتمع الدولي لم يعد واثقاً بدور مجلس الأمن الدولي على الصعيد الإنساني، وأن مداولاته يتغلب عليها الصراع بين المصالح الأمريكية والروسية.
ثانياً: أن الأمم المتحدة أخذت تنظر بجدية إلى عواصم غير عواصم مجلس الأمن الدولي، أصبحت قادرة على إدارة الشؤون الإنسانية العالمية، ومنها العاصمة الكويتية، والتي نالت لقب "مركز للعمل الإنساني" العالمي.
ثالثاً: أن توافق المانحين في الكويت على مدار ثلاث سنوات، يقلل من حكر مجلس الأمن ومصالح أعضائه في سوريا، وخلق شراكة جديدة لدول قادرة على فرض وجودها على الساحة السورية.
رابعاً: ضعف إدارة الجامعة العربية في توفير الغطاء الإنساني العربي والعالمي للشعب السوري، من خلال المقر الرسمي في القاهرة، وأن تحركات الكويت خرجت بقبول ومُباركة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
خامساً: وهي رسالة دولة الكويت على مدار ثلاث سنوات، أن المانحين في الكويت هو من أجل لفت الأنظار، وقبل جمع الأموال، حول مأساة ما زالت مُستمرة في البلاد السورية، فالكويت وبدعم خليجي قادرون على توفير كل الاحتياجات السورية، ولكن مشاركة المانحين بأموالهم، هو فرض دور لهم للمُشاركة بأدواتهم السياسية لإنقاذ الشعب السوري بالمال والسياسة.
فجميع ما ذُكر هو بمثابة مُكتسبات تحققت في الكويت، ليس من أجل سوريا فحسب، بل لجميع العرب، ومن أجل الحفاظ عليها ضمن إطار الريادة الكويتية على الصعيد الإقليمي والعالمي، فلابد من البحث عن أهم العقبات التي قد تقف أمام هذه المُكتسبات، والتي تتمحور بين ثلاثة جوانب، وهي:
الجانب الأول: استمرارية النزاع في سوريا... ومن سلبياته خروج بعض المانحين من المعادلة الإنسانية، بحجة عدم جدوى وصول المساعدات على شكل مشاريع تنموية مُستدامة.
الجانب الثاني: ارتفاع حجم الأزمات الإنسانية العالمية والعربية... ومن سلبياته تفاوت نسب المُساعدات المُقدمة من المانحين، من عام إلى عام، وحسب خارطة كل دولة وأجندتها السنوية في مساعداتها الإنسانية.
الجانب الثالث: البدء بإعادة إعمار سوريا قبل تسوية الأزمة... ومن سلبياته أن الإعمار سوف يكون حكراً على مجموعة من الدول الصديقة للنظام السوري، فقد تنسحب بعض الدول من مؤتمر المانحين إلى مؤتمر إعادة الإعمار، لتحقيق أغراضها الاقتصادية قبل تسوية حقوق الشعب السوري.
حيث ما زالت هذه العقبات غير مطروحة على الساحة السورية، وإن أمكن الاهتمام بها للنظر إليها كتوقعات غير إيجابية، قد تقف أمام الاجتماع السنوي للمانحين في الكويت، والذي يبدو أن الوضع الإنساني السوري يتطلب لاجتماع المانحين رابعاً وخامساً وسادساً في دولة الكويت.
ومن يقف على خط التوقعات للحيلولة دون تحولها لعقبات، هم أصحاب الاختصاص في مراكز البحث العلمي، وقد يكون لجامعات الكويت الأولوية بحكم موقع الكويت العالمي على الساحة الإنسانية، وضرورة البدء برسم خارطة سنوية لتحديد مدى الاحتياجات الإنسانية في العالم، وذلك وفق المعايير الدولية للمُتطلبات الإنسانية الأساسية، كحق الحياة والمأوى، وبُمشاركة مجموعة من الباحثين من دول المانحين ودول لها مصالح في الصراع السياسي والأزمات في سوريا وغيرها.
أو يُمكن القول وعلى صعيد الإقليم العربي، أن تبدأ دولة الكويت برسم خارطة الاحتياجات الإنسانية في المنطقة العربية، وبعض الدول الإفريقية المجاورة للحدود العربية، والتي في استقرارها تأثير على المنطقة العربية. وهذا سوف يمنح جامعة الدول العربية حق التدخل السريع من خلال إعلان المناطق المنكوبة، وحظر القتال فيها، والعمل على إعادة الإعمار فيها لعودة اللاجئين والنازحين إليها، دون إلزام القوى المُتصارعة على وقف القتال.
وخلاصة القول؛ أن الهيبة الإنسانية والتي حصلت عليها دولة الكويت هي نتاج صناعة تاريخية لدور الكويت الإنساني على مدار عقود مضت، والتي لمسنا تأثيرها الإيجابي على الشعب السوري وبوضوح، فليس من السهل انتزاع هذه الهيبة، ولكن علينا أن نحفظها ونستفيد منها كجامعة دول عربية، فالمنطقة العربية وما بعد حرب سوريا واليمن على أبواب صراع الأقليات الدينية والمذهبية وبُمسميات حقوق الإنسان.