السبت 27 إبريل 2024
سياسة

السفير عبد القادر زاوي يكتب عن.. الجهوية بين الضرورات التنموية والفرامل السلطوية

السفير عبد القادر زاوي يكتب عن.. الجهوية بين الضرورات التنموية والفرامل السلطوية

صادق المجلس الوزاري المنعقد يوم 29 يناير 2015 على مشروع القانون المتعلق بالجهات، الذي تم تقديمه على أنه يدخل في سياق التقيد بالتوجيهات الملكية الرامية إلى تمكين المغرب من منظومة متكاملة لما سمي بالحكامة الترابية الهادفة إلى تحقيق التنمية الجهوية المندمجة والمستدامة، وضمن آليات تنزيل مقتضيات دستور 2011 وخاصة الفصل 146، الذي يضع الشروط العامة لتدبير الجهات والجماعات الترابية لشؤونها بكيفية ديمقراطية، انسجاما مع أحكام الفصل 1 الذي ينص على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي  يقوم على الجهوية المتقدمة.

مشروع القانون التنظيمي هذا، الذي تزامنت المصادقة عليه مع مشاريع مماثلة تخص الجماعات المحلية والعمالات والأقاليم، استأثر بالاهتمام الأكبر انطلاقا من أن الدستور الجديد حرص على تسليط الأضواء أكثر على مفهوم الجهات بإعطائها مكانة الشريك المميز للدولة المركزية في قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية نظرا لأهمية البعد الجهوي في تعبئة الطاقات والإمكانيات أملا في محاربة التفاوتات لقطع الطريق على أي توترات جغرافية واجتماعية بعضها ينتظر الفرصة السانحة للسعي نحو زعزعة استقرار البلاد، وإيقاع الضرر بالجميع.

ولم يكن هذا الحرص الدستوري سوى ترجمة للإرادة الملكية التي أرادت جعل مسار الجهوية قاطرة للإصلاح الدستوري نفسه، ومقدمة لتطوير النموذج الديمقراطي التنموي للمغرب على أساس حكامة جيدة وتوزيع منصف وجديد "ليس فقط للاختصاصات، وإنما أيضا للإمكانات بين المركز والجهات" تفاديا لحصول جهوية بسرعتين بين جهات محظوظة تتوفر على إمكانيات تقدمها، وأخرى محتاجة ومحرومة تفتقر لأبسط شروط الإقلاع الاقتصادي والتنموي.

أكثر من ذلك، فإن الخطاب الملكي بمناسبة تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية يوم 3 يناير 2010 أكد على أن الهدف من وراء هذا التوجه الجديد هو إعطاء الانطلاقة لورش هيكلي كبير يمثل تحولا نوعيا في أنماط الحكامة الترابية، وانبثاقا لدينامية جديدة لإصلاح مؤسسي عميق، وتوجها حاسما لتطوير هياكل الدولة وتحديثها بعيدا عن استنساخ تجارب الآخرين، وفي أفق بلورة "نموذج رائد في الجهوية للدول النامية". نموذج يروم ترسيخ مفاهيم الديمقراطية المحلية وتوسيع دائرة ممارستها، فضلا عن إبراز الدور التنموي اقتصاديا واجتماعيا للجماعات الترابية.

إن هذا التوجه، الذي سيتكرس في خطاب 9 مارس 2011 بالتأكيد على أن الهدف الأسمى هو إرساء دعائم جهوية مغربية لكافة المناطق وفي صدارتها أقاليم الصحراء المغربية، يعكس إدراكا عميقا للتحديات التي تواجهها البلاد، وفي مقدمتها المناورات المتربصة بالوحدة الترابية للمملكة انطلاقا من عمل خصوم هذه الوحدة الترابية على وأد المشروع المغربي للحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية قبل أن يتبناه المجتمع الدولي ليكون أرضية أممية للتفاوض على حل مناسب للنزاع المفتعل في الصحراء.

إن الوعي بأهمية البعد الجهوي في المجهود التنموي للبلاد ليس وليد اليوم، إذ يمكن الحديث عن سياسة واعية، مرسومة ومتكاملة لمحاربة الفوارق الاقتصادية والاجتماعية بين مختلف الجهات في المغرب منذ صدور الظهير الشريف رقم 77-71-1 بتاريخ 16/6/1971، الذي شكل الإطار القانوني المنظم لما سمي آنذاك بالجهات الاقتصادية السبع؛ وذلك بعد إرهاصات عن هذا الوعي سجلتها مخططات التنمية الاقتصادية الخماسية والثلاثية التي بدأ وضعها منذ سنة 1960.

وقد كان الهدف حينها التعبير عن إرادة سياسية لتضييق فجوة التفاوتات والاختلالات الجهوية التي عمقتها السياسة الاستعمارية إبان الحماية الفرنسية بين مغرب نافع يرتبط باقتصاد الميتروبول الباريسي، وآخر غير نافع لا يحتاج سوى لتطوير منظومة أمنية وإدارية لضبطه ومنع انفجاره ، مما أدى إلى بناء اقتصاد مغربي مشوه يعاني من أمراض مزمنة، أبرزها أنه:

- اقتصاد ثنائية متناقضة ومتنافرة بين قطاع تقليدي عانى الكثير من الإهمال والتهميش، وبالكاد يستطيع أن يعيش، واقتصاد عصري يدور في فلك سلطات الحماية الفرنسية، ويتطور وفقا لمصالحها، وتسيره نخب خريجة من معاهدها.

- اقتصاد وكالة Economie de Comptoir يشتغل في سياق التوزيع الدولي للعمل، مرتكز على بعض الصناعات التحويلية والصناعات الغذائية بعيدا عن استيعاب تكنولوجيا الصناعة نفسها والمعرفة العلمية التي تقود إليها.

- اقتصاد ممركز ومحشور في رقعة جغرافية محدودة على السواحل الأطلسية بين القنيطرة وآسفي وحول ميناء الدار البيضاء بصفة خاصة، ساعد كثيرا في استقطاب النخب المتعلمة والتجارية للجهات الداخلية الأخرى، ما أحدث أثرا تفقيريا فيها، كما سهل الارتباط بالخارج عبر الميناء الضخم والمطار الفخم.

وقد كان مأمولا من إحداث الجهات الاقتصادية السبع أن تكون إحدى أهم وسائل إعداد التراب الوطني نجاعة في محاربة الفوارق الجهوية، وإرساء دعائم تنمية اقتصادية متوازنة ومتكاملة. ولكن ذلك لم يتحقق إذ استمرت الفوارق في الاتساع حتى داخل الجهة الواحدة بين الأقاليم المنضوية تحتها، حيث استحوذت على سبيل المثال سنة 1983 ولاية الدار البيضاء الكبرى وهي آنذاك جزء من الجهة الوسطى على حصة الأسد من الاستثمارات العمومية بنسبة 39% ومن الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية على 69%، في حين لم تتجاوز حصة إقليم أزيلال، وهو من نفس الجهة آنذاك نسبة 1% من الاستثمار العمومي ولا شيء تقريبا من استثمارات الخواص.

ومع ذلك، فقد بات البعد الجهوي مع مرور السنين ركيزة أساسية من الناحية النظرية في مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومعطى ثابتا في تقييم السياسات التنموية المتبعة في المغرب؛ الأمر الذي فرض في منتصف الثمانينات إعادة النظر في الجهات الاقتصادية برفع عددها من 7 إلى 16 أخذا في الاعتبار نسبة التزايد السكاني من جهة، وضرورة إدماج الأقاليم الجنوبية المسترجعة سنة 1976 وسنة 1979 من جهة أخرى.

وغير خاف على المتتبعين أن إعادة النظر تلك ارتكزت على كلمة الملك الحسن الثاني رحمه الله أمام أعضاء المجلس الجهوي الاستشاري للجهة الوسطى الشمالية يوم 24 أكتوبر 1984. ففي تلك الكلمة اعتراف بمحدودية المؤسسات والآليات المناط بها إنجاح التنمية الجهوية، وتصور مستقبلي لمعالجة ذلك من خلال "وضع هياكل جهوية لها من الإمكانات تشريعيا وماليا وإداريا ما يجعلها قادرة على أن تقف على رجلها، وأن تعرف حاجياتها وأن تقيم سلم أسبقياتها...، وهي المخططة والبانية والمطبقة على أراضيها".

لقد كانت تلك الكلمة نقطة انطلاق لتدراك العديد من الثغرات القانونية التي اعتبر بعضها سببا من أسباب إخفاق مفهوم الجهات الاقتصادية مثل إزالة الطابع الاستشاري عن المجالس الجهوية، وتقليص عدد المؤسسات المركزية والجهوية المتدخلة في تنفيذ البرامج الجهوية، وتخفيض بعض تدخلات سلطة الوصاية. وقد تم تتويج هذا التوجه بالاعتراف بالجهة كوحدة ترابية قائمة الذات بموجب الفصل 94 من دستور 1992، الذي حافظ على ذات الصيغة في الفصل 100 من دستور 1997، كما تعزز بالقانون الصادر في 2 أبريل 1997 الذي أريد له أن يشكل انطلاقة حقيقية للجهة كجماعة محلية ذات شخصية اعتبارية واستقلال مالي يقيها تعسف تدخلات السلطة المركزية إن حصلت، خاصة بعد أن تم توسيع صلاحياتها.

ولكن سرعان ما اتضح أن كل هذه الخطوات غير كافية، وأن الجهوية لا تزال تمثل هاجسا رئيسيا ومتواصلا في اهتمامات السلطات العليا في البلاد. ذلك ما يمكن أن نستشفه بوضوح من:

- خطاب العرش لسنة 2001 الذي اعتبر الجهة والجهوية "خيارا إستراتيجيا، وليس مجرد بناء إداري" مؤكدا على "أنها صرح ديمقراطي أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية".

- خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2001، الذي أكد فيه جلالة الملك على ضرورة توطيد الجهوية كفضاء خصب "للتنمية الشاملة والمتواصلة بالجهة ومن أجلها".

- خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2008، الذي يعتبر تحولا مفصليا في هذا الصدد حيث تقرر "فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة.... بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة تشمل كل مناطق المملكة، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية..".

لقد أثبتت الوقائع على مدى أزيد من أربعين سنة أن المعطى الجهوي ظل يحظى على الدوام بصدارة الاهتمام في المغرب على كافة الأصعدة والمستويات، أملا في أن يشكل قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فهل عكس مشروع القانون التنظيمي الجديد هذه الحظوة؟ وهل بلور آليات كفيلة بأن تجعل الجهة تلعب هذا الدور المأمول فيها؟

تشخيص الحاضر تحضير للمستقبل:

لا أحد بمقدوره أن يجادل في أن مشروع القانون التنظيمي للجهات جاء هذه المرة أكثر تقدمية من القوانين السابقة شكلا ومضمونا، إذ تضمن كما أوضح السيد وزير الداخلية في مذكرة تقديم المشروع العديد من الخطوات والإجراءات المستجدة تمشيا مع ما ورد في تقرير اللجنة الاستشارية الجهوية، وأخذا في الاعتبار فحوى المشاورات التي جرت مع الأحزاب السياسية حول الموضوع. كما عكس مشروع المرسوم رقم 40-15-2 الخاص بتحديد الجهات في 12 جهة، وتبيان مراكزها والعمالات والأقاليم المنضوية تحت كل واحدة منها هو أيضا خطوات مستجدة في التقطيع الترابي تبلور نسبيا ما ورد في الخطاب الملكي يوم 17 يونيو 2011 من ضرورة أن تسعى الجهات إلى "خدمة التنمية المندمجة البشرية والمستدامة، وذلك في نطاق وحدة الدولة والوطن والتراب ومبادئ التوازن والتضامن الوطني والجهوي".

إن أكبر تطور يسجل في إطار ما استحدث من خطوات على الصعيد الجهوي هو الانتخاب المباشر لأعضاء المجالس الجهوية، التي ستغدو مقررة وليست استشارية باختصاصات ذاتية أصيلة تهم تخطيط قواعد التنمية الجهوية والأنشطة الاقتصادية في دائرة نفوذها الترابي وإنعاشها من خلال دعم المقاولات وتطوير السياحة وتنظيم النقل وتحسين الطرق القروية غير المصنفة وصيانتها.

ويمكن أن تنقل إليها أيضا اختصاصات أخرى، وأن تشارك في ثالثة وفقا لمبدأ التفريع، وعلى قاعدة التدرج واعتماد التعاقد في الإنجاز مع واجب تحويل الموارد اللازمة إلى جانب الاختصاصات المنقولة، زيادة على إمكانية إشراك سكان الجهة ضمن شروط في التدبير الجهوي بتقديم عرائض لإدراج نقاط معينة في جدول أعمال المجالس الجهوية حسب مقتضيات المواد من 118 إلى 122.

وانسجاما مع توسيع اختصاصات الجهات وتنويعها فقد نص مشروع القانون التنظيمي على تمكينها من موارد مالية مناسبة وقارة كنسب وليس كحصيلة بغية تنفيذ برامجها ومشاريعها، فاتحا المجال أمامها للاستفادة عند الضرورة من تمويل تلك البرامج والمشاريع من صندوقي التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات وفقا لمساطر تبدو على الورق غير معقدة كثيرا، مقلصا إلى حد كبير رقابة التأشيرة القبلية على المشاريع، واتي كانت تعتبر وسيلة لإقبار المشاريع قبل أن تر النور، مرسخا مبدأ الرقابة البعدية بطابع قضائي.

ولأول مرة سيصبح للجهات رؤساء نسبيا متفرغين بدلا من الأعيان المحظيين، وذلك عندما حظرت المادة 17 الجمع بين رئاسة مجالس الجهات وصفات العضوية الحكومية والنيابية وعضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، على أن يختص القضاء وحده في مسألة حل هذه المجالس وعزل رؤسائها وأعضائها، وفي إلغاء مقرراتها (المادة 66).

وفي سياق تأمين التفرغ وضمان نزاهة رؤساء المجالس وأعضائها احتاط مشروع القانون التنظيمي من إمكانية استغلال عضوية المجلس لأغراض شخصية عندما منع الأعضاء بموجب المادة 68 ربط مصالح خاصة مع الجهة أو مجموعات الجماعات الترابية التي تكون جهتهم عضوا فيها، وبحث عن الجدية في ممارسة العضوية بتنصيصه في المادة 70 على إقالة أي عضو لم يحضر ثلاث دورات متتالية أو خمس دورات متقطعة.

من الواضح أن هذه المستجدات تصب في خانة تحقيق الأهداف المرجوة، وتنسجم كثيرا مع ما يتوخى من التقسيم الجهوي بشكل يسمح بالحديث عن جهوية متقدمة قياسا إلى ما كان عليه الوضع قبل ذلك. ولكن الشياطين تكمن في التفاصيل، إذ يلاحظ أن مشروع القانون التنظيمي كرس حضورا قويا لسلطة الوصاية بشكل قد يفرز، عند دخول القانون حيز التنفيذ، حساسيات لا داعي لها من شأنها أن تعرقل مسار الجهوية أكثر مما تساعده على الانطلاق.

لقد كان بالإمكان أن ينص مشروع القانون (المادة 14) على إيداع ملفات الترشيح لرئاسة المجلس لدى القضاء وحده تكريسا لاستقلالية الجهة، وليس لدى والي الجهة المخول وحده الدعوة لجلسة التصويت وحضورها. هذا الوالي سيحضر ثانية في القواعد الإجرائية لمجالس الجهات بطريقة قد يفهم منها استمرار الوصاية المعنوية عندما تطلب المادة 35 من رئيس الجهة وجوبا إحالة النظام الداخلي بعد إقرار المجلس له على الوالي الذي يحق له الاعتراض عليه، ورفع أمر البت فيه إلى القضاء في حالة التعرض كما تنص المادة 114؛ وعندما تنص المادة 36 على إمكانية استدعاء موظفي وأعوان الدولة والمؤسسات العمومية لبعض جلسات المجلس عن طريق الوالي، وليس مباشرة من الرئيس.

وسيتكرس حضور سلطات الوصاية الطاغي تدريجيا مع توالي مواد مشروع القانون لنجد أن طلب عقد دورة استثنائية لمجلس الجهة بحكم القانون هي من اختصاص الوالي وحده (المادة 40)، الذي لمقترحاته وحدها طابع الاستعجال حتى ولو أدرجت كنقاط إضافية (المادة 42). وبشكل مستغرب يعطي مشروع القانون (المادة 67) للوالي حق طلب إيضاحات من أعضاء المجلس إذا ما ارتكبوا أفعالا (غير محددة) مخالفة للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل، وحق إحالة الأمر إلى المحكمة الإدارية بعيدا عن المجلس. هذا الحضور سيكون فجا عندما تنص المادة 62 على أن رئيس الجهة لا يقدم استقالته للمجلس مجتمعا، وإنما للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية، التي على الرئيس إخطارها فورا باستقالة نوابه أو أعضاء من المجلس (المادة 63).

والأهم من ذلك أن الوصاية على الجوهر تبدو قوية ولكنها مقدمة بشكل ناعم. فبموجب المادة 80 تمنح الجهات اختصاصات تبدو عناوينها براقة ولافتة، ولكنها عامة وفضفاضة بشكل يسهل التأويل كثيرا فيها. هكذا نلاحظ أنه رغم أهمية الاختصاصات المنقولة في تسيير الجهات، إلا أن القانون لم يفصح عما إذا كان النقل بصفة دائمة أو مؤقتة، إذ تتحدث المادة المذكورة عن إمكانية السماح بتوسيع الاختصاصات الذاتية بشكل تدريجي؛ الأمر الذي قد يعني أن الجهات تحت المراقبة في سلوكها من طرف سلطة الوصاية، التي لها في وضع كهذا حق توسيع صلاحية جهة دون أخرى تبعا لشهادة حسن السيرة والسلوك.

وفي سياق كهذا لا مفاجأة في:

- أن يرهن تنفيذ مقررات المجالس الجهوية بضرورة التأشير عليها من قبل السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية (المادة 115).

- أن تسرد المادة 94 مجالات الاختصاصات المنقولة بعناوين عامة وغير مدققة، وأن تكتفي السلطات العمومية باستشارة الجهات عند وضع السياسات القطاعية التي تهم الجهة (المادة 100).

- أن يكون للوالي حصريا حسب المادة 44 حق الاعتراض على نقاط جدول أعمال مجلس الجهة، التي يعتقد أنها لا تدخل في اختصاصات الجهة أو صلاحيات مجلسها، مع حقه وحده في عرض الأمر على قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية من دون حق مماثل لمجلس الجهة إذا لم يرقه تصرف والي الجهة.

- أن تعطي المادة 79 السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية حق اللجوء إلى القضاء لتمكين والي الجهة، وليس أي عضو في مجلس الجهة، من الحلول محل رئيس الجهة في القيام بالأعمال التي يمتنع هذا الأخير عن القيام بها.  

وإذا كان الأمر كذلك على صعيد التسيير في الجهة، فإن سلطة الوصاية حاضرة بقوة على مستوى تعيين موظفي المناصب العليا في الجهات، حيث تخضع هذه التعيينات لتأشيرة السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية (المادة 124)، التي تكلفها المادة 179 بوضع احكام النظام الأساسي الخاص بموظفي إدارات الجماعت الترابية.

ولسلطة الوصاية هذه أعطى مشروع القانون التنظيمي الحق الحصري في الإعلان عن تكوين مجموعة الجماعات الترابية (المادة 155)، وحق اتخاذ القرار بإحداث كل من الميزانيات الملحقة للمجالس الجهوية بموجب المادة 182، والحسابات المرصدة لأمور خصوصية (دون تقديم تعريف تقريبي لهذه الأمور) بمقتضى المادة 184.

إن هذا الحضور الطاغي لسلطة الوصاية الحكومية على الجهات يتوجه دورها الوازن في ميزانيات هذه الأخيرة عبر ما يجب أن ترصده الدولة من أموال لتلك الميزانيات تنفيذا لأحكام المواد 186 و187 و188 و189. ورغم الطابع الإلزامي لبعض الأرصدة، فإن تعسف السلطة المركزية إزاء جهة من الجهات غير مستبعد لأن استقلالية الذمة المالية للجهات غير محصنة تماما. ويمكن أن يظهر ذلك عندما يكون مجلس جهة ما ممثلا لقوى سياسية غير تلك التي تتشكل منها الحكومة المركزية، ما قد يطلق العنان للكيد السياسي والتحريض المتبادل.

والواضح أن إرهاصات الكيد السياسي حتى قبل إقرار مشروع القانون التنظيمي قد لاحت من خلال اعتراضات متعددة طالت مرسوم تحديد النفوذ الترابي للجهات خاصة فيما يتعلق بتقسيم مناطق جبال الريف بضم إقليم الحسيمة إلى جهة طنجة تطوان الحسيمة، وضم إقليمي الناضور والدريوش إلى جهة الشرق. والأكيد أنها كانت اعتراضات سياسية أكثر منها تنموية، لأن الأصل ليس في استقلال الجهات، وإنما في تكاملها كما ينص مشروع القانون التنظيمي، وكما تروم دائما السلطات العليا في البلاد التي وجهت في خطاب 3 يناير 2010 إلى ضرورة "إيجاد آليات ناجعة للتضامن المجسد للتكامل والتلاحم بين المناطق في مغرب موحد".

ودرءا لأي توظيف سياسي مصلحي وانتهازي للجهوية، من الممكن عن طريق المؤسسة التشريعية التي ستبدأ قريبا مناقشة مشروع القانون التنظيمي تدارك بعض الثغرات لكي يوضع قطار الجهوية على سكة الحلم الذي عبر عنه الملك الحسن الثاني يوم 24 أكتوبر 1984 بالإعلان عن طموحه لبناء جماعات جهوية مرتبطة بملك المغرب شخصيا في مطالبها وبرامجها باعتبار المؤسسة الملكية العمود الفقري الذي يجمع أطراف النظام ومقوماته. فـ "البرلمان ليس كافيا لهذا الارتباط، والحكومة مارة، ولا يمكنها أن تفي بهذه المأمورية".

ومع ذلك تبقى هذه الخطوة كما جسدها مشروع القانون متقدمة للغاية قياسا لما سبقها، ولكن العبرة في الختام بالمضمون وليس الشكل. فالهدف هو إحداث تنمية متوازنة للبلاد تستفيد منها كافة المناطق والجهات. هذه التنمية سواء أكانت وطنية أم جهوية لن تفيد، ولن يكون لها أي مدلول ما لم يكن المستفيد الأول منها هو الإنسان بدون حيف ولا تمييز، ولا إقصاء أو تهميش، ذلك لأن الإنسان هو غاية التنمية السامية ووسيلتها في آن واحد.

وفي مثل هذا الامتحان تعز السياسات أو تهان، فهل تكسب حكومتنا الرهان؟