هل يمكن أن ندخل سجالا جديا وحقيقيا حول الدارجة، نستعمل فيه حجج التخصيب الفكري والهوية والتاريخ، والحال أن وزير التربية والتكوين لم يكن في حاجة إليها هي نفسها عندما رد بعبارة استنكارية «أنا لا أعرف العربية»، بالفرنسية: ألم يكن أحسن دفاع له، انطلاقا من النظر من تحت الصفر، أن يقولها بالدارجة "ما كانعرفش العربية اديالكم؟"
لقد اختار الرد بالفرنسية وفي ذلك تعبير كاف .
لكن ما يثير الاهتمام هو الحديث، من منطلق الدفاع عن الأمازيغية، عن ضرورة الدارجة، كما لو أنها التركيبة الضرورية، من نفس منطق الفرنكفونية الأحادية، لكي يحسم الصراع مع العربية، في انتظار النظر إلى الدارجة نفسها!
نحن أمام تحالف موضوعي بين نزعة معارضة للعربية، ومناصرة للدارجة، من منطلق أن العربية عاجزة عن القرب، سادرة في غياب تاريخي عتقها في الكتب، ونزعة معارضة لها ومناصرة للدارجة من باب الأمازيغية، الأصل في اللغة المغربية وحاملة التعدد بعيدا عن أصول العربية العرقية!
وحقيقة الأمر أن الذين يستحقون النقاش، هم المدافعون عن الدارجة عوض الفصحى، في المجلس الأعلى للتكوين من منطلق الدفاع عن الأمازيغية!
فكثير من النقاش حول الموضوع، بناء على هذه المعادلة، يغفل جوهر القضية ويطرح الدعوة الإيديولوجية كبديل للحركة التاريخية ..
فالعربية، التي تصر بعض الأوساط تسفيه وجودها في المدرسة والمجتمع.. هي أولا حامل للوطنية، وقد ارتبطت، بحقيقة التطور، بالأدبيات الوطنية من باب الانحياز، ولعل الذين كتبوا الأدبيات الوطنية جزء منهم أساسا كان يتموقع ثقافيا واثنيا في الأمازيغية المغربية، ويعتبر أن العربية شعار هوية تحررية.
وربما يحيلنا هذا على ما هو أهم، عندما نجد أن بعض المناضلين يربطون بين العربية وبين السلطان، وهو أمر حدث بالفعل، لكنه ارتباط يستمد قوته وجدواه من الطبيعة السلطوية في العالم الإسلامي، والتي حولت اللغة، بجذرها اللاهوتي، إلى كيان مساند للسلطة، وبالتالي ففي نظر المناضل، محاربة العربية قد تعني محاربة الآداب السلطانية وتفرعاتها التحكمية، والعرقية أحيانا..
وهكذا أمر لا يجب أن نستخلص منه بالضرورة أن العربية هي فقط الحامل الرمزي للسلطة، بكل أنواعها وأن محاربتها هو تحرير للعقل والفكر والذاكرة والخيال من حمولتها السلطوية.
هناك خط فاصل لا يمكن إغفاله، ومفاده أن اللغة، بما هي لغة علال الفاسي والمختار السوسي..، ليست هي لغة الكلاوي أو شيخ الزاوية الكتاني أو فقهاء الطرقية الذين ساندوا الاستعمار..
وقد يكون التوجه للحرب على العربية في المدرسة جزء من الحرب على الوطنية واستبدالها بمنظومات أخرى (انظر كتاب العروي الأخير)..
إن العربية ليست عرقا هنا، بل هي أكثر من ذلك، هوية تحررية، وتاريخ تحرري وحامل معرفي ندخل به العقل الآخر، فلسفيا وفكريا وشعريا وتكوينا رمزيا..
والدفاع عن الشعب لغويا يجب أن يستحضر أصحابه إن هذا الشعب لا يمكن أن يدفع ثمن مجموعة تعاني من استعصاء الهوية، سواء في التقوقع أو في الانسلاخ التام..
لقد راعني، في زيارة إلى البرازيل منذ أسابيع عديدة، أن التعامل اليومي مع اللغة البرتغالية لم تحولها إلى عقدة لدى البرازيليين. وبعبارة أوضح، فقد استعمرت البرتغال البرازيل، وشكلت الجزء الرئيسي والأساسي من نسيجها اللغوي، وعندما سألت أستاذا للرياضة، وهو في الوقت نفسه مرشد سياحي، عن العلاقة مع البرتغال، أجاب بأنها جد محدودة ولا تشكل قبلة للتذكر أو العودة الأبدية، إنها علاقة بأقل كثيرا من العلاقة مع دول أمريكا اللاتينية. إذن بالرغم من أنها لغة الشارع والإدارة ولغة الوحدة اللسانية في البلاد فلا ينظرون إليها أنها بالضرورة هوية الشعب الأصلي لها، والتي عليهم أن يتماهوا معه في كل نقاش!
للتذكر فقط..