الاثنين 29 ديسمبر 2025
منوعات

وجوه في مواجهة البرد.. صرخة ساكنة الصويرة لإنقاذ المشردين

وجوه في مواجهة البرد.. صرخة ساكنة الصويرة لإنقاذ المشردين معاناة المشردين بمدينة الصويرة خلال فصل الشتاء
كلما حل الشتاء بمدينة الصويرة، بدا وكأن الرياح التي تجتاح سواحلها لا تكتفي بنثر الرمال فوق الأزقة وساحات المدينة العتيقة، بل تكشف أيضا ما حاولت الأيام إخفاءه من هشاشة اجتماعية صامتة. 

ومع أول لفحة برد حادة، تبدأ القصص في الظهور على الأرصفة: أجساد متعبة تبحث عن جدار تتكئ عليه، أغطية رقيقة لا تصمد أمام قسوة الليل، وقطع كرتون تتحول إلى فراش بارد فوق أرض لا ترحم.

في محيط المحطة الطرقية وحديقة بين الأسوار، وبين أزقة المدينة القديمة، تتكرر المشاهد نفسها كقدر معلق: منازل مهجورة تتحول إلى مخابئ مؤقتة، ساحات عمومية تتخذ شكل ملاجئ قسرية، ووجوه تحمل ملامح تعب طويل، حضورهم صامت لكن صمتهم يصرخ في وجه كل من يمر دون أن يلتفت.

يقول عبد الرحيم، أحد سكان المدينة العتيقة، وهو يشير إلى زوايا الأرصفة التي يحتلها البرد قبل أصحابها «نراهم كل ليلة، كبار سن، شبان، بل وحتى قاصرون.ة، بعضهم يبيت هنا منذ سنوات. لا أحد يسأل عنهم، ولا أحد يعرف كيف وصلوا إلى هذه اللحظة من الضياع»، ويضيف بأسى «المؤلم ليس فقط فقدانهم للمأوى بل شعورهم بأنهم خارج ذاكرة الجميع».

أما فاطمة، وهي بائعة متجولة اعتادت المرور من حديقة بين الأسوار كل صباح، فتروي بصوت يختلط فيه الحزم بالحسرة:

«نحن نساعد بما نستطيع، بعض الطعام، بعض الملابس، لكن هذا ليس حلا. كل شتاء تتكرر المأساة نفسها. أليس لأحد القدرة على جمعهم في مكان آمن يحميهم من هذا البرد القاتل؟».

وفي شهادته، يصف عبد الرحيم، فاعل جمعوي مهتم بالأطفال في وضعية صعبة، الظاهرة بمرارةٍ واضحة «إنها صور تقشعر لها القلوب قبل الأبدان. كثير منهم فقد الأمان قبل أن يفقد المأوى. الشعور بالتخلي يتركهم عرضة للانحراف وللعنف، لأنهم ببساطة يعيشون خارج كل أشكال الاحتضان»، ثم يتساءل بصوت لا يجد جوابا:
لماذا كل هذا الصمت؟
وأين هي المؤسسات القادرة على احتضانهم؟
من جهته، يحذر حميد، فاعل جمعوي آخر، من تفاقم الوضع مع كل موسم برد جديد، مؤكدا أن المبادرات الخيرية، رغم صدق نواياها،  تظل محدودة ومؤقتة: «في مدينة معروفة ببرودتها الشديدة شتاء، لا يمكن أن نكتفي بملابس مستعملة أو وجبات موسمية. نحن بحاجة إلى مراكز إيواء حقيقية مجهزة وفعالة. هذه ليست رفاهية اجتماعية، إنها ضرورة إنسانية».

ولا يقتصر القلق على الفاعلين الجمعويين فقط، فحتى بعض السياح الذين مروا من فضاءات المدينة لم يخفوا انزعاجهم من هذه المشاهد اليومية، يقول أحدهم، وهو زائر أجنبي من فرنسا: «الصويرة مدينة جميلة، لكن رؤية أشخاص يفترشون الأرض تحت البرد القارس يصدم الزائر قبل أن يحزنه. هذه الصور لا تليق بمدينة بهذه القيمة الإنسانية والثقافية».

اليوم، تبدو الصويرة وكأنها تقف على مفترق سؤال مؤلم:
هل سيظل الشتاء وحده من يعلن مأساة المشردين؟
أم أن الوقت قد حان لالتقاء الإرادات: مؤسسات، منتخبين، فاعلين اقتصاديين، وجمعيات… من أجل مشروع اجتماعي حقيقي يعالج جذور الظاهرة بدل الاكتفاء بحلولٍ ظرفية؟
حلّ يضمن الإيواء، والرعاية الصحية، والتأهيل الاجتماعي…
حل يعيد لهؤلاء مكانتهم داخل المجتمع، قبل أن يعيد لهم دفء الجدران.
فالشتاء عابر…
لكن كرامة الإنسان ليست موسما، ولا ينبغي لها أن تكون كذلك.