الأحد 28 ديسمبر 2025
مجتمع

الدكتور الشرقاوي: التهراوي..وزير الصحة الذي بإمكانه كتابة صفحات من ذهب في تاريخ الطب المغربي

الدكتور الشرقاوي: التهراوي..وزير الصحة الذي بإمكانه كتابة صفحات من ذهب في تاريخ الطب المغربي الدكتور أنور الشرقاوي ( يمينا) ووزير الصحة التهراوي
إن إحداث وكالة وطنية مخصّصة للتبرع بالأعضاء وزرعها، وتقنين الإلزامية القانونية للتكوين الطبي المستمر، وإقرار اعتراف مؤسساتي صريح بالقطاع الطبي الحر داخل الهيكل التنظيمي لوزارة الصحة، وإدماج مختلف مكوّنات الطب المغربي — من طب عسكري وطب خاص ومصالح حفظ الصحة الجماعية والوقاية المدنية — ضمن المجموعات الصحية الترابية، وأخيرًا تفعيل تحيين التعريفة الوطنية المرجعية للأعمال الطبية… كلها أوراش عملية، واقعية، وقابلة للتنفيذ الفوري. 

هذه الرافعات لا تنتمي إلى عالم اليوتوبيا ولا إلى الأمد البعيد.
إنها محددة، ملموسة، وجاهزة للتفعيل.
وبتحريكها، يمكن لوزير الصحة أن يُحدث تحولًا عميقًا في المشهد الصحي المغربي.
هناك لحظات تتجاوز فيها المسؤولية الوزارية تدبير اليومي، لتدخل مجال التاريخ.
والصحة في المغرب تعيش اليوم إحدى هذه اللحظات المفصلية: إصلاحات هيكلية جارية، تعميم التغطية الصحية، ضغط ديمغرافي متزايد، انتقال وبائي، وانتظارات اجتماعية قوية.
في هذا السياق، يتوفر وزير الصحة على أدوات عملية وواقعية وقابلة للتنفيذ السريع، تتيح له ترك بصمة مستدامة في مسار الطب المغربي.
ومن بين الأوراش الرمزية الكبرى، يبرز إحداث وكالة وطنية للتبرع بالأعضاء والانسجة وزرعها.
فالمغرب يتوفر على كفاءات طبية معترف بها، وفرق مؤهلة، وقاعات عمليات متطورة، لكنه ما يزال متأخرًا على مستوى التنظيم المؤسساتي للتبرع.
إن إحداث وكالة مستقلة، بحوكمة واضحة، وسجل وطني، وبروتوكولات أخلاقية شفافة، وتواصل تربوي موجه للعموم، كفيل بإنقاذ آلاف الأرواح، واستعادة ثقة المواطنين، وإدراج المملكة ضمن المعايير الدولية للتضامن الصحي.
رافعة أساسية أخرى، طالما جرى الحديث عنها دون أن تُؤطَّر بما يكفي، وهي التكوين الطبي المستمر. 
فالتشريع الواضح لإطاره، وإلزاميته، وتمويله، وآليات اعتماده، يشكل رسالة قوية موجهة إلى كافة مكونات الجسم الطبي.
ضمان تكوين مستمر جاد، مستقل ومنصف، يعني حماية المريض، وتثمين الطبيب، وتعزيز الجودة الشاملة لمنظومة العلاجات.
كما أن القطاع الطبي الحر، الذي يتحمل جزءًا متزايدًا من تقديم الخدمات الصحية، يستحق اعترافًا مؤسساتيًا واضحًا.
إن إحداث مديرية أو قسم مخصص للقطاع الحر ضمن الهيكل التنظيمي للوزارة من شأنه تجاوز علاقة غالبًا ما تختزل في التنظيم أو الشك.
وهو ما سيفتح المجال لحوار دائم، وتبادل للمعطيات، وتشاور حقيقي حول عرض العلاجات.
فالدولة الاستراتيجية لا يمكنها قيادة قطاع الصحة بفعالية دون إدماج كامل لكل الفاعلين.
وفي نفس روح الانفتاح، فإن إدماج الطب العسكري والطب الخاص ضمن المجموعات الصحية الترابية   يُعد بديهة صحية.
لقد أظهرت الأزمات الأخيرة أن تجزئة الكفاءات تضعف الاستجابة الجماعية.
إن تقاسم الموارد البشرية، والمنصات التقنية، والخبرة التنظيمية، مع احترام خصوصيات كل قطاع ومهامه، من شأنه تعزيز صلابة المنظومة الصحية الوطنية.
وهناك أيضًا مجالات يمكن لوزير الصحة أن يضطلع فيها بدور تحفيزي أخلاقي، دون المساس باستقلالية المؤسسات.
 تشجيع بروز هيئة وطنية للأطباء قوية، شرعية، ومحترمة، تليق بنبل المهنة، يندرج ضمن هذه المسؤولية الأخلاقية.
وكذلك تشجيع توحيد النقابات الطبية ، في القطاعين العام والخاص، حول أولويات وطنية في الصحة العمومية، يُعد فعلًا سياسيًا بالمعنى النبيل للكلمة.
ومن الواضح أن هذين الملفين الأخيرين (هيئة الأطباء وتوحيد النقابات) لا يدخلان ضمن الاختصاص المباشر لوزير الصحة. ولكن، من يدري؟ 
فالجسم الطبي حين يكون منقسمًا يضعف، وحين يتوحد يتحول إلى قوة اقتراح واستقرار للمنظومة الصحية الوطنية.
وأخيرًا، يظل تحيين التعريفة الوطنية المرجعية للأعمال الطبية ورشًا لا غنى عنه.
فالتعريفة المجمدة عبر الزمن تتحول تدريجيًا إلى تعريفة غير عادلة، غير فعالة، ومولّدة للتوتر.
ومراجعتها بشكل شفاف، تدريجي، وتشاركي، مع مراعاة التحولات الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية، من شأنه إعادة بناء الثقة بين الدولة والمهنيين الصحيين والمواطنين.
الصحة ليست مجالًا للشعارات.
إنها مجال للقرارات الشجاعة.
وبتحريك هذه الرافعات بمنهجية، وبالاستماع، وبرؤية واضحة، يمكن لوزير الصحة أن يكتب اسمه فعليًا ضمن من أسهموا في ترسيخ وتحديث وأنسنة قطاع الصحة في المملكة.
 
 
 
 الدكتور أنور الشرقاوي 
 خبير في التواصل الطبي والإعلام الصحي