والي أمن بريشيا پاولو سارتوري رفقة مسؤولة مكتب الهجرة فرانشيسكا كيوما خلال مشاركتهم في حفل عيد العرش بميلانو حالةٌ من الاحتقان السياسي تعيشها إيطاليا، وخصوصاً إقليم بريشيا الذي يقطن به أكثر من 155 ألف مهاجر مسجل بدائرة الهجرة، ينضاف إليهم 12% من سكان الإقليم الإيطاليين من أصول أجنبية، مما جعل من مدينة بريشيا نموذجاً لمجتمع متعدد الأعراق، ومعقلاً لليسار الإيطالي الذي يحكم المدينة لأكثر من 12 سنة. وبالتالي قررت جماعات اليمين المتطرف وحركات الهوية الأوروبية تأسيس حركة عنصرية أطلقت عليها اسم "إعادة الهجرة"، حيث نظمت مظاهرات حاشدة بالمدينة، تخللتها عروض شبه عسكرية لفرق الفاشيين الجدد.
وقد استبقت وزارة الداخلية الإيطالية هذه الأحداث بتعيين والي أمن مخضرم جديد، باولو سارتوري، الذي كان يشغل منصب المدير العام للأمن الوطني سابقاً، كما عمل مستشاراً للشؤون الأمنية للرئيس الروماني السابق، ومديراً للإنتربول بأوروبا الشرقية، مما يوضح الأهمية التي توليها الوزارة للوضع الخطير الذي وصل إليه الإقليم.
الوالي الجديد يضع ممثلي الجاليات الأجنبية أمام مسؤولياتهم في استتباب الأمن
أوضح سارتوري أن دور الجاليات لا يقتصر فقط على الالتزام بالقانون فحسب، بل يمتد ليكونوا شركاء فاعلين في السلم الأهلي من خلال التوعية على احترام سيادة القانون، وهو الواجب الأساسي لكل مقيم، بما يشمل القوانين المرورية، والإدارية، والجنائية، لأن الالتزام بالقانون هو خط الدفاع الأول ضد الصور النمطية.
أوضح سارتوري أن دور الجاليات لا يقتصر فقط على الالتزام بالقانون فحسب، بل يمتد ليكونوا شركاء فاعلين في السلم الأهلي من خلال التوعية على احترام سيادة القانون، وهو الواجب الأساسي لكل مقيم، بما يشمل القوانين المرورية، والإدارية، والجنائية، لأن الالتزام بالقانون هو خط الدفاع الأول ضد الصور النمطية.
إلى جانب الاندماج الإيجابي الذي لا يعني التخلي عن الهوية، بل يعني تعلم اللغة الإيطالية، والمشاركة في الحياة العامة، وفهم العقد الاجتماعي الإيطالي. دون إغفال التوجيه الداخلي والرقابة المجتمعية عبر الجمعيات والمراكز الثقافية للجاليات، التي يجب أن يكون لها دورٌ حيوي في توعية الشباب القادمين حديثاً بمخاطر الانزلاق نحو الجريمة أو السلوكيات المعادية للمجتمع، بالتعاون مع السلطات الإيطالية لكسر حاجز الخوف أو التوجس من الشرطة، والتعاون معها في حال وقوع تجاوزات، لجعل الأحياء التي تقطنها الجاليات أكثر أماناً للجميع.
تصرفات بعض المهاجرين تغذي العنصرية وتساهم في صعود اليمين المتطرف بالإقليم
حركة "إعادة الهجرة" المتطرفة تعتمد بشكل أساسي على "التخويف"، مستغلةً أي حادثة فردية يقوم بها مهاجر (مثل السرقة أو الشجار في الأماكن العامة)، فيتم تضخيمها إعلامياً واستخدامها كدليل على "فشل سياسات الهجرة" بالمدينة، وتحميل المسؤولية لعمدة المدينة اليسارية. وهنا تصبح تصرفات القلة مادةً دسمة لتعميم الأحكام على كافة المهاجرين.
وأحياناً لا تكون المشكلة جريمة كبرى، بل "انعدام الانضباط" في الساحات العامة (تجمعات صاخبة أمام محطات القطار والميترو، مضايقات في الشوارع، أو تجارة غير قانونية بسيطة)، لتصبح هذه السلوكيات تعطي انطباعاً بفقدان السيطرة، مما يدفع المواطن الإيطالي العادي للبحث عن "الرجل القوي" أو الحزب الذي يعد بـ "القبضة الحديدية".
وقد زادت العزلة الاجتماعية التي تعيشها بعض الجاليات من التباعد الاجتماعي بينها وبين المجتمع الإيطالي، فعندما تنغلق الجاليات على نفسها، ينشأ نوع من عدم الثقة المتبادل، مما يشكل فراغاً تملؤه القصص السلبية والشائعات، وبالتالي يسهل تقبّل الخطاب العنصري لدى الجمهور الإيطالي العادي.
السلطات الإيطالية (وهنا لا نعني الحكومة الإيطالية) وصلت إلى القناعة بأن السلوك الفردي المسيء من قبل بعض المهاجرين هو بمثابة "هدية مجانية" لتيارات اليمين المتطرف الشعبوية لبناء سرديتها.
لذا فإن استتباب الأمن هو مصلحة مشتركة؛ فالجاليات الأجنبية هي أول من يتضرر من انعدام الأمن ومن صعود الخطاب المتشدد كنتيجة له.
وبالتالي يشهد إقليم بريشيا حملات غير مسبوقة ضد مروجي المخدرات وأصحاب السوابق العدلية من المهاجرين، حيث تم ترحيل المئات من المجرمين رغم العوائق وصعوبة، أو استحالة، الحصول على تصريح الترحيل من قبل قنصليات العديد من الدول لمن لا يملك وثائق شخصية، مما يحوّل الموقوف إلى مراكز الترحيل.

