إن صافرة الإعلان عن انطلاق كأس أمم إفريقيا 2025 واستضافة كأس العالم 2030، لم تعد مجرد مناسبات رياضية عابرة، بل تحولت إلى مهلة زمنية حاسمة للتسخينات التنموية، إنها كذلك الفرصة التي طال انتظارها لقلب المعادلة التنموية القديمة، أو على الأقل، لتصحيح أخطاء التسلل الترابي التي فاقمت الفوارق الجهوية لعقود.
لست خبيرا في جودة العشب في الملاعب أو سعة المدرجات، بل مواطنا يعيش ما يجري خارج المستطيل الأخضر، ففي عالم كرة القدم الحديث، تستخدم تقنية الفار (VAR) لضمان العدالة وتصحيح الأخطاء التي تغفل عنها العين المجردة، وفي سياقنا التنموي، نحتاج إلى "فار" خاص بنا كنظام مراجعة يضمن أن المشاريع المنجزة حاليا لن تكرس الخطأ القديم المتمثل في تمركز النمو داخل محاور المدن الكبرى لتكرس مجددا لمغرب السرعتين فالخطر الأكبر يكمن في أن يتحول تسريع وتيرة الأشغال إلى سباق مع الزمن يُضحّي بالتخطيط العادل لفك العزلة عن المدن المتوسطة والصغيرة التي تعيش بمحاذاة هذه المشاريع العملاقة.
إن جوهر التنمية الترابية المندمجة، الذي نادى به المغرب مراراً، هو أن تصبح كل مدينة وقرية رافعة للتمكين الاقتصادي، ذلك لأن الاستثمار في البنية التحتية الفندقية والسياحية، وإن كان ضرورياً لمتطلبات الفيفا، يجب أن يكون خاضعاً لشرط الاستدامة والوظيفة المزدوجة، فبعد انتهاء الاحتفالات، يجب أن تتحول هذه المنشآت إلى محركات للتنمية المحلية من خلال خطط واضحة لاستغلال المناطق المجاورة للملاعب الجديدة وتحويلها إلى أقطاب اقتصادية وثقافية مستمرة، وهذا المعطى قد يحتاج إلى "فار" اجتماعي للإجابة عليه بشفافية.
قبل أن تُطلق صافرة الافتتاح، نحتاج إلى وقفة مواطنة تزاوج بين الاحتفال بالكؤوس والنجاح في استخدام هذه المشاريع العملاقة كـجسور للتمكين لا كـسدود للفوارق، وربما طبقا لقوانين كرة القدم قد نحتاج المجتمع المدني ليلعب دور الحكم الرابع الذي قد ينبه حكم الساحة لكل مشروع يكرس التسلل التنموي على حساب الأقاليم الأقل حظاً.