يحتل الخطاب الملكي مكانة مهمة في النظام السياسي والدستوري المغربي، ويعتبر من الآليات المعتمدة من طرف المؤسسة الملكية في تحديد معالم السياسة العامة للدولة وتوجيه السياسات العمومية والقطاعية.
وبالرجوع للفصل 52 من دستور 2011، نجد أن المشرع الدستوري المغربي منح آلية توجيه الخطاب للمؤسسة الملكية وهو ما جعلها ملكية متحركة متكلمة، ملكية القول والعمل، ملكية التخطيط الإستراتيجي.
وبالرجوع للفصل 65 من دستور فاتح يوليوز، نجد الافتتاح الملكي الدستوري للسنة التشريعية، وهو ما يؤكد على العلاقة المهمة بين المؤسسة الملكية والمؤسسة التشريعية، وبأن الملكية في المغرب تشرف على الدخول السياسي البرلماني، وهذا شيء بديهي، فالملك بموجب الفصل 42 من الدستور الجديد هو رئيس الدولة، وهو الذي يسهر على جميع المؤسسات الدستورية، كما أنه بافتتاحه للسنة التشريعية فهو الذي يحدد خارطة الطريق للعمل البرلماني، دون أن ننسى بأن الملك بموجب صلاحياته الدستورية(الفصل 95) يمكنه أن يطلب من البرلمان قراءة جديدة لأي مقترح أو مشروع قانون، وهذا يدل على الحرص الملكي على جودة التشريعات التي تعكس نبض المجتمع.
إن الخطاب الملكي يؤكد على سمو المؤسسة الملكية على باقي المؤسسات، فالخطب الملكية هي خطب واقعية، وموضوعية، تقوم بتقييم الفعل العمومي وتقدم الحلول الممكنة، فالخطاب الملكي هو بمثابة تعاقد بين العرش والشعب، وتواصل مستمر بينهما، بل أكثر من ذلك أن الخطاب الملكي يكون فيه تحيين للأجندات الملكية بمعنى وضع برامج جديدة تخدم المغرب والمغاربة.
ما يميز الخطاب الملكي في العهد الجديد، هو أنه خطاب قصير من الناحية الزمنية لكن له وزن كبير، فالخطب الملكية تحتل مرتبة الريادة في الزمن السياسي المغربي، وتعتبر مرجعا في علم السياسة، وكما قال جون جاك روسو:"الذين يعرفون قليلا يتكلمون كثيرا، والذين يعرفون كثيرا يتكلمون قليلا".
إن خطاب افتتاح البرلمان هذه السنة ما هو إلا امتداد لخطاب العرش المجيد، حيث سبق للملك بأن أكد بأنه لا يريد مغربا يسير بسرعتين، ووجه الحكومة إلى إعداد جيل جديد من المخططات والبرامج التنموية.
إن المواضيع الأساسية التي شدد عليها الخطاب المولوي السامي، العدالة الاجتماعية والمجالية، التنمية الجهوية، التشغيل، الصحة والتعليم، وكما هو معلوم أن المغرب في العهد الجديد ومع دستور 2011 دشن لمجموعة من السياسات العمومية ذات البعد الاجتماعي، من قبيل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ورش تعميم الحماية الاجتماعية...إلخ، كما تم وضع ميكانيزمات دستورية من قبيل ورش الجهوية المتقدمة واللاتمركز الإداري، فإعداد جيل جديد من المخططات سيتم تنزيله ترابيا عبر مسلسل اللامركزية الترابية وبالضبط عبر مجالس الجماعات الترابية وعلى رأسهم مجالس الجهات، كما أكد على ذلك الفصل 137 من الدستور، دون أن ننسى مهمة التنسيق والتتبع المستمر التي أوكلها الدستور الجديد والمرسوم 2.17.618 للولاة والعمال.
إن اختيار موضوع التنمية الجهوية والعدالة الاجتماعية والمجالية وتوجيهه في قبة البرلمان له دلالات قوية، هي رسالة ملكية للمؤسسة التشريعية بأن تقوم بالأدوار الدستورية المنوطة بها، بمعنى أن الحكومة لوحدها غير معنية بهذه البرامج الترابية، بل حتى البرلمان عبر سن التشريعات والمصادقة على مشاريع القوانين ، لاسيما أن الفصل 78 من الدستور أكد بأن مشاريع القوانين المتعلقة بالجماعات الترابية وبالتنمية الجهوية وبالقضايا الاجتماعية تودع بالأسبقية لدى مكتب مجلس المستشارين، كما أن المشرع الدستوري منح اختصاص جديد للبرلمان متمثل في تقييم السياسات العمومية بموجب الفصل 70، وبالتالي فالبرلمان مسؤول عن تقييم البرامج التي ستعدها الحكومة وقياس مدى تأثيرها على المجتمع.
إن خطاب افتتاح البرلمان هذه السنة له طابع خاص، لأننا أمام آخر ولاية تشريعية، والملك، اختار موضوع العدالة الاجتماعية والمجالية باعتباره الموضوع الأساسي الذي يهم القرن الحادي والعشرين، كما أنه يؤكد على حرص المؤسسة الملكية بشؤون وقضايا الشعب، بمعنى أننا أمام ملكية مواطنة همها الوحيد والأبدي مصلحة المغرب والمغاربة.
وجدير بالذكر أن الملك، بداية الخطاب، أكد على مضاعفة الجهود من طرف الدبلوماسية الموازية والتعاون إلى جانب الدبلوماسية الرسمية في خدمة القضية الوطنية الأولى "الصحراء المغربية " التي تعرف نجاحات متتالية بفضل قيادة الملك.
البشير الحداد الكبير، دكتور في القانون العام.