بدأت بعض التحركات من خلال المواقع الالكترونية وغرف الدردشة الخاصة بالدعوة للتجمع العمومي من أجل مطالب ملخصها: جودة التعليم – جودة الصحة – محاربة الفساد. وفعلا تم ذلك على مدار أيام من خلال احتجاجات شملت العديد من مناطق المغرب.
حركة حالمة، لكنها معبّرة
نُسبت هذه الفورة الاحتجاجية إلى فئة عمرية معينة، بالرغم من أن الشعار المرفوع، ليس شعارا مخصوصا بفئة عمرية أو مهنية أو اجتماعية. كما أنه ليس مطلبا مواطناتيا فقط؛ بل هو خطاب السلطة وشعارها لسنوات من خلال تبنيها ضرورة توفير الخدمات الأساسية وتجويدها انتهاء بحكامتها. أيضا بروز مفاهيم من قبيل المفهوم الجديد للسلطة ومفهوم القرب ومفهوم الديموقراطية التشاركية.
كما أن مكونات هذا الشعار، تزخر به تقارير مؤسساتية رسمية ليس أولها تقارير المجلس الأعلى للحسابات ومرورا بتقارير المفتشيات العامة للوزارات خاصة المفتشية العامة لوزارة الداخلية والمفتشية العامة لوزارة المالية ذات نطاق الاختصاص الواسع رقابيا وانتهاء بتقرير لجنة النموذج التنموي. دون إغفال التقارير الموضوعاتية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالإضافة للتقارير والنشرات الدورية للعديد من الهيئات (المندوبية السامية للتخطيط نموذجا). بالتالي فهذه المطالب هي مطالب مؤسساتية ومطلب دولة ككل بجميع مستوياتها وبجميع هيئاتها.
لذلك والحالة هذه من الصعب الاستجابة لها عن طريق ضغطة زر من قبيل كن فيكون؛ بل يستلزم الأمر رؤية مؤسساتية في ظل تواجد الإرادة للإصلاح. كما أن البحث لازال جاريا عن وصفة لذلك من خلال الآليات وعلى رأسها سن القوانين والتشريعات الملائمة وتصور السياسات الملائمة، وأيضا نمذجة البنى والهياكل الإدارية للاستجابة لهذه الحاجيات وهو ما هو منوط بالمؤسسات الرسمية. وهو طبعا وفي جميع الحالات ما يتطلب وقتا ليس باليسير.
مسار خطير
من خلال البلاغات الرسمية يتضح بجلاء مشاركة 70 بالمائة إلى 100 بالمائة في بعض الأحيان من القٌصّر، من جهة.
من جهة ثانية، نشر إحداثيات لمراكز ومقرات سكنية وبعض المواطن الأمنية كنقاط ومشاريع استهداف. مما يحيل مباشرة إلى ما يتم إسقاطه على الألعاب الالكترونية، دون مراعاة للخطورة الأمنية والجنائية لمثل هذه الدعوات. مما يوحي باستسهال لها وتغاض عن حساسية تلك المرافق وتلك الدعوات وآثارها الوخيمة على النظام العام. كما أنه من الملاحظ أن هذه الدعوات تم استغلالها من بعض الأطراف لخلق انزلاقات وثغرات أمنية غير مقبولة؛ أدواتها فئات عمرية خاصة يتطلب التعامل معها في الحالة العامة أسلوبا خاصا.
تبرؤ من الانتماء الحزبي
الملاحِظ لكثير من الفيديوهات يجد دباجة موحدة وهي التبرؤ من الأحزاب والجمعيات ومن الانتماء لها. وهذا في حد ذاته مشكل كبير ومزمن. فالأحزاب في أساسها وفكرتها ليست تهمة، ولا الانتساب لها. بل الأصل هو الانخراط في الأحزاب والاستفادة من أدوارها في التأطير من جهة. والوساطة والتمثيل من جهة تانية.
بالتالي فهذا الخطاب يسائل دفتين. أولهما حقيقة قدرة الأحزاب على استقطاب الشباب وإقناعه بالانخراط في هياكلها. ودفة أخرى تتجلى في مدى قدرة هذه الأحزاب على القيام بدور أساسي لها وهو الوساطة، وإبلاغ نبض الشارع عن طريق التمثيل. وتبليغ الرسائل المجتمعية الملحة إلى المؤسسات المعنية.
أحلام مشروعة لكن لابد لها من أفق
شرعية الشعار وواقعيته لا غبار عليها، لكن لابد لهذه الاحتجاجات من آفاق واقعية تنهتي بالتنزيل على الأرض.
عودا على بدء، التغيير والإصلاح يتطلب وقتا وكل ذلك حتما يجب أن يتم وفق الأساليب المؤسساتية المتعارف عليها، بالتالي لابد لهذا الاحتجاج من تحولات بنيوية تجعلها مقبولة لدى النظام السياسي وتتخذ شكل مدخلات (INPUT) في أفق الوصول إلى مخرجات(OUTPUT) . وكان أولى هذه التحولات القيام بصياغة '' لائحة مطلبية''. جاءت بعد أن أظهرت الحكومة عبر رئيسها والناطق باسمها استعدادها للإنصات. رغم أن اللائحة المشار إليها تجاوزت في مضمونها الحكومة، كما أنها تعطي تصورا للمسؤولية والمحاسبة أقرب للهندسة الرومانية القديمة. لكنها تبقى خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح وقاعدة أساسية لبناء الثقة مأسسة فكرة الحوار وتبادل الأفكار. فالكل يريد الإصلاح والكل يريد السلامة لهذا البلد من المتربصين وحاطبي الليل.
محمد البهجي، باحث في الحكامة القانونية والقضائية.