لا أحد يجادل في أن الخطاب السياسي لدى العديد من الأحزاب وصل إلى الحضيض. بل أكثر من ذلك، فقد امتهن العديد من زعماء الأحزاب مهنة "المهرج"، بعدما اكتسبوا خبرة من البرلمان الذي حوّلوه إلى سيرك للتنابز بالألقاب، والسب والشتم، والضرب تحت الحزام، دون أدنى اعتبار لمشاعر ملايين المواطنين، سواء عبر الشاشة الصغيرة أو في فضاءات التواصل الاجتماعي.
وهكذا تحوّل بنكيران إلى نجم ساطع وبطل لا يُشق له غبار في التحقير وكيل الاتهامات لكل من يخالفه الرأي. لم نسمع منه خطاباً سياسياً يحلل الوضع الاقتصادي للمغرب، أو يقف عند مكامن الخلل الذي يتحمل حزبه الجزء الكبير منه، باعتبار أن حزب العدالة والتنمية ترأس الحكومة لولايتين متتاليتين. كنا ننتظر منه أن يعلل مؤشرات النمو في حقبته وحقبة سلفه، وأن يقدم وصفات عملية في الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية التي جعلت المغرب في ذيل الترتيب العالمي.
كنا ننتظر منه تقييماً موضوعياً لسياسة "عفا الله عما سلف" التي انتهجها حين كان رئيساً للحكومة، وهل نجحت هذه السياسة فعلاً في الحد من الفساد المالي والإداري والاغتناء غير المشروع. لكن الجواب واضح: ما رأيناه هو أن حزب العدالة والتنمية تحوّل إلى زاوية شيخها بنكيران ومريديها، ممن تستهويهم شطحاته. يعتقد أن العصا التي يحملها دليل على "الدروشة"، وأن طاقيته التي يقبّلها المريدون حيثما حل وارتحل، هي بمثابة "رقية شرعية" لحل المشاكل النفسية.
وعلى نهج بنكيران، سار عزيز أخنوش، لكن بطريقة مختلفة، تعتمد على جيش من الذباب الإلكتروني الذي يهلل له ويفتخر بمنجزات دونكيشوتية وهلامية، لا يراها إلا المنتفعون من الريع السياسي. فالإخفاق في قطاع الصحة، على سبيل المثال، تحوّل إلى إنجاز، ومثله في التعليم تحوّل إلى "سابقة"، لحكومة تفتخر بالزيادة في رواتب نساء ورجال التعليم. كما افتخر قبلها بنكيران بتحرير أسعار المحروقات، وندم فقط على عدم تحرير "البوطا".
إلا أن القاسم المشترك بين أخنوش وبنكيران، والذي لا يراه كثيرون، هو التقاء كليهما عند تصفية الخدمات العمومية: من خلال ضرب المدرسة العمومية والمؤسسات الصحية، وتخريب صناديق التقاعد، بإصلاحات أخنوش التي هي امتداد لإصلاحات بنكيران، والتي لم يجرؤ يوماً على القول إنها مجرد رضوخ لإملاءات المؤسسات المالية الدولية الدائنة.
فمتى يكون لنا زعماء من طينة عبد الله إبراهيم، ومحمد بوستة، وعبد الرحيم بوعبيد، وغيرهم؟