Saturday 13 September 2025
كتاب الرأي

عبد اللطيف البغيل : نظرة حول الأثر الإجرائي الناتج عن قرارات إعفاء رؤساء وأعضاء مجالس علمية (5)

عبد اللطيف البغيل : نظرة حول الأثر الإجرائي الناتج عن قرارات إعفاء رؤساء وأعضاء مجالس علمية (5)
هذه النظرة الأخيرة من نظرات في قرارات إعفاء رؤساء وأعضاء مجالس علمية محلية وما تثيره من اشكالات قانونية كبيرة، لا ترتبط بقرارات الإعفاء الصادرة عن وزارة الاوقاف، سواء من حيث الشكل أو من حيث الموضوع أو من جهة المشروعية وعدمها، وإنما هي مرتبطة بالأثر الإجرائي الأكبر الذي ينشأ عن هذه القرارات، والمتمثل في تبليغ مضمنها لمن صدرت في حقهم.
 
فهذه القرارات لا تخضع قانونا لأي مسطرة واضحة تبين طرق تبليغها، ولكن في الواقع العملي نجد أن الوزارة ترسل القرار إلى رئيس المجلس العلمي الجهوي، وهذا الرئيس يستدعي الرئيس المعفى  ويسلمه القرار مباشرة، مثلما فعل الشيخ بنحمزة مع الرئيس المعفى مؤخرا، وهذا هو الذي نراه صوابا وحسنا، لما فيه من تقدير للشخص المعفى وصون لكرامته، واحترام له ولمكانته العلمية، وقد سبق أن نوهنا بهذا في مناسبة سابقة.

وأما إذا تعلق الأمر بإعفاء عضو بالمجلس العلمي المحلي، فيفترض أن يحيل رئيس المجلس العلمي الجهوي قرار الإعفاء بعد التوصل به من الوزارة، إلى رئيس المجلس العلمي المحلي وهذا الأخير يستدعي العضو المعفى، ويسلمه القرار، وإذا عاقه مانع معين، فقد يكلف عضوين من أمثل الأعضاء وأكثرهم اتصافا بالحكمة والاحترام، لينوبا عنه للقيام بهذه المهمة، كما فعل أحد رؤساء بعض المجالس في واقعة مشهورة لا داعي لذكرها، وهذا كله من أجل حفظ ماء وجه العضو المعفى، بتبليغه القرار بطريقة محترمة تليق به كعالم.

لكن أن نجد رئيسا لمجلس علمي محلي يبتدع طريقة أخرى لا يكون فيها هو ولا أحد الأعضاء طرفا في استدعاء العضو وتسليمه صورة مستنسخة من قرار إعفائه، وليس النسخة الأصلية للقرار كما يجب قانونا، فهذا لا يمكن أن يصدر عن جاهل لا يدري ما الكتاب ولا الإيمان، فكيف إذا صدر من رئيس يقدم نفسه بأنه جامع أوصاف المشيخة التي قلما تجتمع في شخص مثله، ومع ذلك لم يتصرف بمقتضى ما تتطلبه المشيخة ولا بما تقتضيه المواعظ والأخلاق والخطب، ولم يجد الشجاعة ولا الجرأة على استقبال العضو المعفى لتسليمه قرار الإعفاء وشرح حيثياته، حسبما يفرضه عليه واجبه كمسؤول، تطييبا لخاطر الشخص المعفى، وتلطفا معه في القول، وتقديرا له كعالم قدم خدمات بصفته عضوا في المجلس الذي أعفي منه، وصعد من أجله مع من صعدوا الجبال وقطعوا في سبيل ذلك النعال، وبذلوا في ذلك الوقت والمال، وهو لم يفعل من ذلك شيئا ولا صال ولا جال، ويكتفي في غالب أحواله مع صاحبه بقال وقال. والسؤال هنا لهذا المخلوق هو لماذا اختار هذه الطريقة الفجة التي يعرفها ونتحفظ على ذكرها لتبليغ قرار الإعفاء؟ وسبب تحفظنا هو أننا لا نحب إدخال من كلف بهذا التبليغ في موضوع لا يعنيه، ولا له به أي علاقة، وإنما أدخل فيه عن غير اختيار ولا إرادة، ولكي يلعم هذا الرئيس أن الإنسان العاقل عليه أن يعرف حدود أفعاله (  ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)  ونوجه له سؤالا آخر وهو، لماذا لم يختر طريقة أخرى هي أسلم له إن كان خائفا من مقابلة هذا العضو، أو غير قادر على النظر في وجهه خجلا من نفسه ومما تسبب فيه من الإعفاء، وهي أن يرسل له القرار عبر البريد؟ وإذا كان في عجلة من أمره حتى يطوي صفحة هذا العضو ويرتاح منه، فلماذا لم يرسل له ولو رسالة نصية هاتفية يبلغه فيها بمضمن القرار؟ والسؤال الأهم الذي يسأله الجميع وهو، إلى متى سيبقى هذا الرئيس متواريا، ويصرف أمور رئاسة المجلس من وراء ستار؟

فهذا الرئيس بدلا من أن يتصرف وفق ما تصرف به الشيخ بنحمزة أو رئيس المجلس العلمي المشار إليه، اختار طريقة أخرى غير مألوفة ولا مقبولة ذوقا ومروءة واخلاقا، للتواصل مع العضو وتسليمه نسخة غير رسمية من قرار الإعفاء، وكأنه بهذا يريد التنقيص من مكانة العضو أو التقليل من شأنه، وهذا تصرف لا يليق صدوره من عالم في مواجهة عالم، فإذا فعل العالم هذا الأمر مع عالم، فماذا يترك لغير العالم؟ وإذا كان العالم يشعر بسوء فعله فكيف يجد الجرأة على النهي عن مثله من أعمال غيره؟ فأولى له ثم أولى أن يتعظ ويرعوي قبل وعظ غيره.

فمثل هذه التصرفات تسيء إلى المؤسسة الدينية التي يترأسها أمير المؤمنين حفظه الله ونصره، وتسيء للعلماء الذين يحظون بعطف مولانا الإمام وينشر عليهم ألوية الرضى والأمن، وتسيء للعلم الذي يدعي حمله، وتسيء لمن صدرت عنه،  ويضع نفسه في محل المنافرة بين القول والفعل، ويساهم من حيث لا يشعر في ضعف الثقة في الخطاب الذي يصدر عنه، فإذا كان يتصرف مع العلماء هكذا، فكيف يجد الشجاعة والجرأة ليخاطب الناس في مسألة التكريم الإنساني في القرآن،  ويخاطبهم في أمر الرحمة واليسر والدفع بالتي هي أحسن والمودة، أو يخاطبهم في شأن الحوار، أو تدبير الخلاف في الرأي، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، والحقيقة أن الخلاف في الرأي عند هذا يفسد الود ويعفي من العضوية، وهذا ربما قد يكون هو أحد أسباب الإعفاء من العضوية، كما أشرنا إلى مثلها في النظرة السابقة، حيث وقعت اختلافات بسيطة مع هذا (الشيخ) الرئيس كانت تتعلق ببعض الاختيارات التي كان يراها أو بعض التدخلات التي كان يصادر بها حق البعض في العمل، لصالح البعض الآخر، والتي بسببها  أدخل المجلس في دوامة من القيل والقال والتقهقر العام على جميع المستويات. وعلى كل حال فإن هذه الخلافات كانت عادية يمكن أن تحدث بين عالم رئيس وعالم عضو، لكن من لا يؤمن بالخلاف لا يتساهل فيه إذا ما وقع،  ومع ذلك تجده يتحدث في هذه المسائل التي أشرنا إليها أعلاه وغيرها بدون تردد، ولو كان أي شخص يفكر بعقل، في مثل موقف أمثال هذا فلن يتجرأ على مخاطبة الناس في أمرها، احتراما للعلم وحرجا من أن يحدث الناس بما يعمل بخلافه، لكن من أين تأتي حمرة الخجل للوجه  تمنع من الحديث في مثل هذه القضايا؟  وكثيرا ما كان البعض يحدث نفسه بهذا وهو يستمع إلى .... أحدهم وهو يتكلم في مثل هكذا أمور أمام جموع الناس، وكان يشعر بالغثيان، وتعلو وجهه سحابة من الكآبة، ويظهر عليه القلق التام، بحيث لا يخفى كل ذلك على الجميع، لما كان يعلم  من المنافرة والمخاصمة بين قوله وفعله، وكان يقول في نفسه ليته سكت رحمة بنفسه ورغية في أن يبقي له قسطا من واجب الاحترام، ولكن عبثا حاول. فإذا كانت هذه هي أخلاق هذا مع العلماء فكيف يجد الجرأة ليحدث الناس عن واجب احترام العلماء، أو يكثر الشكوى من عدم احترام الناس للعلماء، فهذه أخلاقه تتبدى له، فليكن كما هو عليه في حقيقة أمره، لكن لا ينبغي أن يحدث الناس بما ليس فيه، لأنه بذلك يضع نفسه موضع الفضيحة وليس هناك أخطر ولا أسوء من فضيحة العالم. 

وقبل الختام وجب تأكيد حقيقيين ثابتتين ومبدئيتين، مخافة سوء الفهم:
الحقيقة الأولى: هي التصريح بواجب الاحترام والتقدير التام لكل علماء المملكة المغربية الشريفة والاعترف بفضلهم والاعتزاز والثناء  على الأدوار التنويرية التي يقومون بها تحت الرعاية والرئاسة السامية لمولانا أمير المؤمنين نصره الله وأيده، لصالح الأمة المغربية، توعية وإرشادا، وتربية، وتبليغا وتعليما وتثقيفا وتأليفا وغير ذلك مما يقوم به هؤلاء العلماء، خدمة للدين وحماية للأمن الروحي للمغاربة وصيانة لثوابتهم الدينية، عقيدة وسلوكا ومذهبا وإمارة المؤمنين.

 
الحقيقة الثانية: إن ما كتب  في هذه النظرات وفي غيرها لا ينبغي إطلاقا حمله على غل أو ضغينة لمن قد يفهم توجه الكلام إليهم - وهم معدودون من الواحد إلى الإثنين من غير تعدية إلى رقم آخر، ولا انطوى الصدر على غل لأحد مذ بدأ العقل يمييز اليمينى من اليساري، وبهذا فلا يحمل الكلام إلا على ما يقتضيه الانتقاد البناء لتصرفات أو سلوكيات صادرة عن الأول أو الثاني من العدد المشار إليه، وإذا ما بدا من هذا الكلام أي انفعال، فبحكم ما نتج عن تصرفهما من ضرر بالغ، نفسيا واعتباريا، بمقتضى المسؤولية الإدارية التي يتحملانها، لا بصفتهما العلمية التي تبقى محترمة دائما وأبدا.
وبهذا يعلم الجميع أن الكلام خاص وغير قابل للتعميم بأي حال، ووجه الخصوصية ظاهر، ولا يحتاج إلى توضيح أكثر مما هو واضح. (والله غالب على أمره.)
د/عبد اللطيف البغيل ،عضو مجلس علمي سابق