تُعتبر المشاركة السياسية للمرأة من أبرز مؤشرات التنمية الديمقراطية وقياس مستوى المساواة في أي مجتمع.
في المغرب، شهدت العقود الأخيرة دينامية مهمة على مستوى إدماج النساء في الحياة العامة، بدءا من التحولات المتقدمة في قضية المرأة التي قادها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله منذ توليه العرش في سنة 1999، وصولا إلى الإصلاحات القانونية التي تم اعتمادها في الانتخابات التشريعية لسنة 2021 والتي كان لها تأثير إيجابي مهم جدا، مرورا بالتطوّرات الحاسمة التي أتى بها دستور 2011، الذي نص صراحة على مبدأ المناصفة. ومع ذلك، فإن حضور المرأة في مراكز القرار ما يزال يواجه إكراهات قانونية وثقافية وسياسية، هي التي تعلّل هذه الوقفة التي تستهدف ملامسة التحديات التي تعيق تفعيل المناصفة الفعلية...
أفق تجسيد مبدأ المناصفة لا يمكن أن يبقى بعيد المنال، أسير بعض المواقف المتباهية بالمنجزات المغربية في القضية النسائية، خصوصا أن بلادنا تخطو ببطء يعكس مفارقة قوية بين الواقع وبين ما تحقّق على مستوى الإطار القانوني والدستوري للمشاركة السياسية للمرأة...
على مستوى الوضع القانوني، هناك، من جهة، التقدم الكبير الذي تضمنته مقتضيات دستور 2011، الذي نص، في الفصل 19، على المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والحريات، فيما أكد، الفصل 30، على تمكين المواطنات والمواطنين من حقوق المشاركة السياسية والترشح. وهناك، من جهة ثانية، العديد من المقتضيات المتقدمة التي جاءت بها الإصلاحات التنظيمية في القوانين الانتخابية، من قبيل اعتماد نظام الكوطا عبر اللائحة الوطنية للنساء منذ 2002، الذي شكّل قفزة نوعية. ثم هناك إحداث هيئة المناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز كآلية لدعم حقوق المرأة.
هذه التحوّلات الإيجابية ساهمت، بصفة تدريجية وزمنية منذ بداية العهد الجديد، في تطور المشاركة السياسية للمرأة في المؤسسات المنتخبة... ففي البرلمان مثلا، نجد أن عدد البرلمانيات، في سنة 2002، ارتفع من 2 إلى 35 امرأة بفضل اللائحة الوطنية، وفي سنة 2016، ارتفع العدد إلى 81 امرأة (21%)، أما في انتخابات 2021، فقد ارتفع العدد إلى 96 امرأة (24%).
وهذا يعني أن الإصلاحات القانونية والتنظيمية، التي تم اعتمادها في الانتخابات التشريعية لسنة 2021، شكلت منعطفا بارزا في المسار العام لتحوّلات قضايا تمكين النساء. فمن بين 395 مقعدا في مجلس النواب، أصبح لدينا 90 مقعدا مخصصة للقوائم الجهوية، مع إلزامية أن تكون ثلث الترشيحات على الأقل نسائية، وأن تتصدر النساء المراتب الأولى والثانية في هذه القوائم. هذا الإجراء، الذي مكّن من حصول النساء على 96 مقعدا بمجلس النواب، يجسد توجها ديمقراطيا في إطار نهج ليبرالي يسعى إلى تعزيز تكافؤ الفرص وتجسيدها على أرض الواقع حتى لا تتحوّل إلى مجرد إنجاز رمزي.
هذه النظرة الإيجابية لمسارات المشاركة السياسية للمرأة المغربية، تنطلق من نتائج ملموسة، تتمثل في تحقيق النساء نسبة 24% من مقاعد البرلمان... لكن في ميزان التحول الديمقراطي، وبالخصوص الحقوقي، تبقى المشاركة السياسية النسائية منقوصة وغير مكتملة، ولعلّ هذا الوضع يعكس، هو أيضا إلى جانب مفارقة التفاوتات الحادة بين الفقراء والأغنياء، صدقية ما أثاره صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ، في خطاب الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، حول "المغرب الذي يسير بسرعتين". فهناك المغرب الحقوقي، رسميا ومدنيا وشعبيا، الذي يخطو خطوات متقدمة في قضايا النساء، وهناك مغرب محافظ، رسميا ومدنيا وشعبيا كذلك، مأسور بعقلية ماضية وذكورية، تقف عقبة وكداء أمام ممارسة ديمقراطية حقيقية قائمة على المساواة والمناصفة، وتضعنا أمام تأويلات قسرية ومعرقِلة، هي التي يجب أن تنصب عليها جهودنا جميعا، نساء ورجالا، من أجل تجاوز مختلف عراقيلها، بدءا من التفاوتات الاجتماعية والمجالية، والتفاوتات الاقتصادية، والعوائق الهيكلية، والمعيقات الثقافية، التي تساهم جميعها في الحدّ من الانخراط السياسي الفعلي للنساء، خصوصاً في المناطق القروية حيث لا تزال الذهنية الذكورية سائدة، إذ رغم أن إصلاح القوانين الانتخابية مكّن النساء من تمثيل أكبر في المجالس المحلية والجهوية، فإن المعطيات المتوفّرة تكشف عن ضعف مهول لحضور النساء في المجالس القروية، إضافة إلى الوضع المماثل في السلطة الحكومية، فرغم تعيين نساء في مناصب وزارية، فإن عددهن يظل محدودا مقارنة بالرجال.
وهكذا يبرز أن التحديات والعوائق ذات طبيعة ثقافية ومجتمعية، وتتمثّل أساسا في استمرار النظرة الذكورية للسياسة، وهي موجودة حتى في الهيئات السياسية، حيث يبرز بشكل جلي، رغم الشعارات المعلنة، واقع الضعف الكبير لمتطلّبات تمكين النساء ، ناهيك عن عوائق اقتصادية، حيث قلة الإمكانيات المالية، وأتحدث هنا بالعموميات وليس بالاستثناءات، تؤثر بقوّة على فرص ترشح النساء وفرص تحقيق فوز انتخابي... وأخيرا هناك العوائق القانونية والتنظيمية، إذ رغم الأهمية الكبرى لنظام الكوطا، فإنه لا يعدو أن يكون آلية انتقالية وذات طبيعة تمييزية ستبقى قاصرة عن تحقيق مساواة كاملة، ما لم يتحقق بعد مبدأ المناصفة الدستورية...
كل المغاربة الديمقراطيون والديمقراطيات لا يمكن إلا أن يُجمعوا ويجتمعوا على التداعي للانخراط الفاعل والإيجابي في مسيرة النضال الوطني الديمقراطي لتحقيق التطوّر المنشود للمشاركة السياسية للمرأة، وبنائها على أساس الجدارة والقدرة والكفاءة والعطاء والإبداع، وعلى أساس تعزيز التربية المدنية، وتفعيل مسؤولية الأحزاب السياسية، وضمان تمويل شفاف لكل المرشحات والمرشحين، والتصدي لكل الخروقات والانتهاكات للنظام الانتخابي، بدءا من مراقبة استعمال الأموال، وصولا إلى تجريم أي خطاب تمييزي ضد النساء وضد الشباب...
إن المشاركة السياسية للنساء ليست مجرد حق دستوري أو التزام قانوني، بل هي شرط أساسي لضمان حيوية الديمقراطية واستمراريتها في البلاد. فقد أثبتت التجارب الدولية أن المجتمعات التي تعطي دوراً فاعلاً للمرأة في صنع القرار تتميز بسياسات أكثر فعالية ومردودية، وبمجتمعات أكثر استقرارا وتفاعلا وإيجابيةً، وبأوراش منتجة ومثمرة تتحقّق وتتعزّز وتتطوّر بمشارها العدالة الاجتماعية والمجالية والتنموية...
في خطاب العرش، شدّد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله على أنه "لا مكان، اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين"، وعلى هذا الغرار، نتطلّع إلى أن تأخذ المشاركة السياسية للمرأة المغربية نفس المسار، أي لا مجال للسير بسرعتين، في نسبة التمثيل النسائي في المؤسسات المنتخبة، التي آن الأوان للتفعيل الكامل لمقتضياتها الدستورية، التي تنص على المساواة والمناصفة، وهذا يستدعي بذل جهود مضاعفة لتأمين وصول سلس ومتساو للمرأة إلى مواقع القرار من طرف كل القوى المجتمعية، بما فيها بل وفي صدارتها الأحزاب السياسية، فضلا عن مختلف مكونات الحركة النسائية والمجتمع المدني، والمساهمة الجماعية في التكوين والتأطير للنساء المرشحات، والمساهمة في تغيير الذهنيات عبر الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي والبرامج التربوية والانخراط في حملات الترافع حول تفعيل المناصفة.
وأخيرا وليس آخرا، يمكنني القول إن المغرب حقق تقدما ملموسا في تعزيز المشاركة السياسية للمرأة، خاصة بعد دستور 2011 والإصلاحات الانتخابية المتوالية. لكن هذا التقدم يظل نسبيا ومحصورا في بعده الكمّي أكثر من النوعي. إن المطلوب اليوم، في اعتقادي، هو الانتقال من الكوطا الشكلية إلى مناصفة فعلية تعكس كفاءة النساء وقدراتهن على المساهمة في صنع القرار. وهو هدف سيبقى رهينا بوجود إرادة سياسية قوية، وبتأهيل حزبي ديمقراطي حقيقي، وبإصلاحات قانونية عميقة، وقبل ذلك وبعده، بدعم مجتمعي يرسخ ثقافة المساواة...