Friday 5 September 2025
خارج الحدود

ادريس الفينة: الصين.. معادلات التوازن الصعبة في زمن تقويض العولمة

ادريس الفينة: الصين.. معادلات التوازن الصعبة في زمن تقويض العولمة الرئيس الصيني شي جين بينغ
الصين تدخل عام 2025 وهي تسير فوق حبال مشدودة بين طموح النمو الرسمي المعلن عند حدود 5% وضغوط اقتصادية خارجية وداخلية متراكمة. المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد، تتوقع نمواً يناهز 4.8%، ما يعكس قدرة بكين على الصمود، لكنه لا يحجب هشاشة البنية الاقتصادية. فالاقتصاد الصيني لم يعد يعيش على فائض الصادرات والعقار وحدهما، بل يبحث عن نموذج جديد قائم على ما يسميه شي جينبينغ “قوى إنتاج نوعية جديدة” تضع الرقائق والطاقة الخضراء في صميم المعادلة  .
 
التحديات الخارجية تتكثف. الولايات المتحدة رفعت الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية إلى 100%، ووسّعت نطاق القيود لتشمل الاستثمار والتقنيات الحساسة كالذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات. الاتحاد الأوروبي بدوره أقر رسوماً مضادة على المركبات الكهربائية المستوردة من الصين. هذه الضغوط تدفع بكين إلى تعميق استراتيجيتها المزدوجة: تحصين السوق الداخلية وتقوية سلاسل التوريد البديلة عبر الجنوب العالمي  .
 
سباق الرقائق يعكس حدود الحصار ومرونة الالتفاف. فبينما شددت واشنطن وحلفاؤها الخناق على توريد معدات متقدمة مثل أنظمة الطباعة الضوئية لشركة ASML الهولندية، أظهرت هواتف هواوي الأخيرة أن شركة SMIC الصينية قادرة على إنتاج شريحة بحجم 7 نانومتر محلياً. الفجوة التقنية ما تزال قائمة، لكن القدرة على تجاوز القيود تتسع تدريجياً  .
 
في الداخل، الأزمة العقارية التي انطلقت منذ 2021 لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة، ما اضطر الحكومة إلى إطلاق حزم دعم تتجاوز 10 تريليونات يوان لمعالجة ديون الحكومات المحلية وتحفيز الطلب على السكن. ومع ذلك يبقى التعافي تدريجياً، وتُفاقمه ديناميكيات ديموغرافية مقلقة: انكماش عدد السكان للعام الثالث على التوالي، وضغوط متواصلة على سوق العمل الشبابي  .
 
على جبهة الطاقة، تتقدم الصين كقوة خضراء بفضل هيمنتها على سلاسل القيمة في الخلايا الشمسية والبطاريات والسيارات الكهربائية، لكنها في الوقت نفسه تسجل أعلى مستويات من الموافقات على محطات الفحم منذ عقد تقريباً. ازدواجية تُبرز معضلة موازنة أمن الطاقة مع الانتقال البيئي .
 
جيوسياسياً، يظل بحر الصين الجنوبي ساحة احتكاك يومي مع جيران متشبثين بحقوقهم البحرية، كما حدث مؤخراً مع الفلبين في شعاب سكند توماس. في المقابل، تعمق بكين شراكاتها في الجنوب العالمي، وتعزز أوراقها في مجال الطاقة مع روسيا عبر مشروع “قوة سيبيريا-2” الذي يمنحها هامش مناورة في تسعير الغاز وتوقيت تدفقاته  .
 
الصورة العامة إذن ليست بيضاء ولا سوداء. الصين تملك أوراق قوة حقيقية: قاعدة صناعية خضراء متقدمة، قدرة تعبئة مؤسساتية سريعة، وشبكات نفوذ ممتدة نحو آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية. لكنها تواجه في المقابل هشاشة الطلب الداخلي، عبء الديون المحلية، اختناقات تكنولوجية مفروضة من الخارج، واحتمالات التصعيد البحري غير المحسوبة. التوازنات الصعبة مستمرة، وما ستنجزه بكين حتى 2030 لن يُقاس فقط بقدرتها على الإنتاج، بل أيضاً بقدرتها على الإقناع في الداخل ومع العالم.