لم يعد الاستعمار في القرن الحادي والعشرين بحاجة إلى جيوش أو احتلال مباشر. فالصين، التي أصبحت ثاني أكبر اقتصاد عالمي بحجم يفوق 18 تريليون دولار (2023)، تمارس اليوم نوعاً جديداً من الهيمنة الاقتصادية، لا يطال الدول الضعيفة فحسب، بل يشمل حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.
في الأمس القريب، شهد العالم أكبر استعراض عسكري في الصين، حيث عرضت بكين أسلحتها المتطورة، بما في ذلك صواريخ فرط صوتية بمدى يتجاوز 2,500 كلم، أمام أنظار الجميع. الرسالة كانت واضحة: لم يعد هناك من يستطيع الوقوف في وجه مصالح الصين الاستراتيجية.
الولايات المتحدة، التي طالما سيطرت على الاقتصاد العالمي من خلال هيمنة عملتها الدولار—المستخدمة في أكثر من 80% من التجارة الدولية—تجد نفسها اليوم في وضع متآكل. الدين العام الأمريكي بلغ 34 تريليون دولار، بينما عجز الموازنة يتفاقم، في وقت تستمر فيه الشركات العملاقة الأمريكية بنقل استثماراتها وأسواقها نحو آسيا.
أما الشركات الصينية، وعلى رأسها عمالقة مثل هواوي وعلي بابا وBYD، فقد باتت تنافس بقوة حتى في قلب الأسواق الغربية. صادرات الصين تخطت 3,6 تريليون دولار سنة 2023، متجاوزة كل الاقتصادات الأخرى، مما يعكس انتقال مركز الثقل الصناعي والتجاري نحو الشرق.
ما يجري اليوم ليس استعماراً تقليدياً، بل استعماراً ناعماً: الصين تستنزف الاقتصادات، تسيطر على سلاسل التوريد، وتفرض حضورها عبر الأرقام والنفوذ، لا عبر المدافع والدبابات.