في خطوة تعكس طموحها المتزايد لتعزيز دورها في صياغة مستقبل النظام الدولي، أصدرت وزارة الخارجية الصينية ورقة مفاهيمية لمبادرة الحوكمة العالمية، وذلك تزامناً مع الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الثمانين لتأسيس الأمم المتحدة سنة 2025، وما يرافقها من نقاشات حول إصلاح المنظومة متعددة الأطراف.
تؤكد بكين حسب الوثيقة التي نشرتها صفحة "الصين بالعربية" أن هذه المبادرة لا تهدف إلى استبدال النظام الدولي القائم، وإنما إلى إصلاحه وتحسينه على قاعدة ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وتطرح المبادرة خمسة مبادئ محورية هي:
1. التمسك بدور الأمم المتحدة المركزي في الحوكمة العالمية.
2. الالتزام بالقانون الدولي ونبذ الأحادية والمعايير المزدوجة.
3. تعزيز السلم والأمن المشتركين في مواجهة التحديات التقليدية والجديدة، من الإرهاب إلى الأمن السيبراني.
4. دعم التنمية المشتركة استناداً إلى أجندة الأمم المتحدة 2030 وسد فجوة التنمية بين الشمال والجنوب.
5. التركيز على النتائج الملموسة في معالجة الأزمات والتحديات العالمية.
وتربط الصين هذه المبادرة بمبادرات أخرى سبق أن طرحتها خلال العقد الماضي، مثل مبادرة الحزام والطريق، ومبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، مؤكدة أنها جميعاً تصب في هدف واحد هو بناء "مجتمع المستقبل المشترك للبشرية".
تأتي هذه المبادرة في ظل تصاعد التنافس الاستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة، حيث تسعى بكين إلى تقديم نفسها كمدافع عن التعددية وخصم للنزعة الأحادية التي تتهم واشنطن بتكريسها. كما تواكب المبادرة النقاشات الدائرة داخل الأمم المتحدة حول إصلاح مجلس الأمن وزيادة تمثيل الدول النامية في المنظومة الدولية، وهو مطلب أفريقي وآسيوي متكرر.
ويرى مراقبون أن الصين تستثمر اللحظة الأممية المقبلة لتأكيد موقعها كصوت رئيسي للدول النامية، خاصة في ظل التحديات العالمية المشتركة مثل التغير المناخي، وأزمات الطاقة والغذاء، والفجوة الرقمية، حيث تطرح بكين نفسها وسيطاً بين مصالح الجنوب العالمي وضرورة إصلاح النظام الدولي القائم.
من المرجح أن تلقى المبادرة ترحيباً من عدد من دول الجنوب التي تبحث عن بدائل للتوازن في النظام العالمي، في حين قد تواجه تحفظات من القوى الغربية التي تنظر بعين الريبة لأي تحركات صينية على الساحة الدولية، خصوصاً في ما يتعلق بدور الأمم المتحدة والحوكمة الرقمية والأمن السيبراني.