Monday 1 September 2025
اقتصاد

الدريدي: القنب الهندي في المغرب.. قانون بلا عدالة وفلاحو الريف بين إهمال الدولة وطموحات التنمية

 
الدريدي: القنب الهندي في المغرب.. قانون بلا عدالة وفلاحو الريف بين إهمال الدولة وطموحات التنمية مولاي أحمد الدريدي
يغيب القانون رقم 13.21 المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي مصالح مزارعي الكيف الصغار في العدالة المجالية والقانونية والمادية والتجارية.  
حيث إن إجراءات تطبيق القانون الحالي لم تمكن هؤلاء الفلاحين من الاستفادة الحقيقية، فقط الوسطاء والمستثمرون الكبار هم من يستفيدون من نتائج هذا القانون. 
فقد تبين غياب رؤية تنموية شاملة تدمج الفلاحين في الأرباح المترتبة عن تطبيق القانون، كما جاء في مساطر التدبير المفروضة عبر الوكالة التي يشرف عليها عامل من وزارة الداخلية؛ فلم يستفد الفلاحون الفقراء من القيمة المضافة المترتبة عن سيرورة تطبيق القانون رقم 13.21. في حين أن دولًا أخرى اتخذت منحى مشابهًا في سن قوانين للاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، مع تجارب ناجحة تؤكد أهمية العدالة المجالية والاجتماعية لإنجاح المشروع.
كل من ناضلوا وترافعوا من أجل اعتماد القانون كانوا يريدون تحقيق تنمية مستدامة وشاملة تحسن أوضاع الفلاحين الصغار في مناطق زراعة الكيف خاصة في شمال المغرب ومنطقة الريف.  
قال جلالة الملك محمد السادس في خطاب عيد العرش لهذه السنة إن المغرب في سياق تقييم ما حققناه من مكاسب وما ينتظرنا من مشاريع وتحديات، مؤكداً:  
"لن أكون راضياً مهما بلغ مستوى التنمية الاقتصادية والبنيات التحتية، إذا لم تساهم بشكل ملموس في تحسين ظروف عيش المواطنين من كل الفئات الاجتماعية وفي جميع المناطق والجهات." 
لكن الواقع من الميدان يظهر أن الفلاح البسيط في الهامش محروم من الحقوق المفترض أن تكون في صلب المشروع. ويمكن القول إن هناك من يعرقل التنمية ويريد أن تبقى زراعة الكيف بعيدة عن الرؤية التي تهدف للتنمية المستدامة وإنصاف ساكنة وفلاحي الريف من الظلم والوصمة التي عانوا منها لعقود. 
في التشخيص الموضوعي للمشكلة، نلاحظ أن أداء الوكالة الوطنية لتقنين القنب الهندي باهت، وهناك انتقادات متزايدة لأدائها وللسياسات التي يديرها مديرها، وهو من أطر وزارة الداخلية، ما يزيد من حالة عدم الثقة عند الفلاحين الفقراء تجاه الوزارة وأطرها.  
الواقع اليوم يظهر أن الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المتعلقة بالقنب الهندي، ومعها مسؤولها الأول، تتلقى انتقادات شديدة من المستثمرين، الصناعيين، والأهم من ذلك من الفلاحين والتعاونيات، الذين يحظون بدعم خاص من الملك محمد السادس. 
في سابقة، نظم مزارعو الكيف يوم 5 غشت 2025 مسيرة احتجاجية شارك فيها أكثر من 200 فلاح على متن عشرات سيارات النقل المشترك رفعوا فيها شعار "لا تقنين بدون حقوق". 
برنامج الوكالة لسنة 2025 الذي قدم في اجتماع مجلس إدارتها في دجنبر 2024 جاء بدون رؤية واضحة، ونحن نقترب من نهاية السنة دون نتائج إيجابية تذكر. شكاوى الفلاحين خلال حصاد المنتوج كثيرة ومقلقة، وبعض الصناعات الدوائية تعبر عن امتعاضها في الكواليس دون أن تجرؤ على المجاهرة، في مشهد يعكس حجم الاختلال. 
أمام ما سبق ذكره، يتضح أن البداية الجادة لأي إصلاح يجب أن تكون بقول الحقيقة، دون مجاملة أو لغة خشب. الحقيقة أن تعيين مسؤول من وزارة الداخلية على رأس الوكالة لم يكن موفقًا لأسباب متعددة، إذ إن المقاربة الأمنية الصرفة تعيق التقدم في هذا المجال بسبب الإرث التاريخي للوزارة المرتبط بها.  
المقاربة الزجرية والأمنية التي أثبتت فشلها عالميًا لا يمكن أن تكون أساسًا لورشة تنموية وإنسانية بهذا الحجم.  
تكمن المشكلة في غياب مقاربة تنموية مندمجة، فالمساطر التي جاءت عن طريق وكالة العامل الكروج لتنفيد القانون رقم 13.21 بشأن الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي كانت محكومة بهاجس أمني مغيّبة لرؤية جلالة الملك الهادفة لتنمية عادلة.  
لذلك، تم التركيز على ضبط الزراعة، التحكم في مساحات الإنتاج، وضمان توافق الاستعمالات مع التزامات المغرب الدولية، دون خطة متكاملة تضمن مصالح الفلاحين وإدماجهم في سيرورة الربح التجاري والقيمة المضافة.  
كان من المفروض تمويل المزارعين بمشاريع صغيرة ومتوسطة قادرة على تثمين الإنتاج محليًا، ودعم تعاونيات محلية قوية، وتحفيز الشباب في هذه المناطق عبر برامج تشغيل مرتبطة بالتصنيع والتسويق.  
إلا أنه، وبينما ننتظر استجابات عقلانية وعلمية وواقعية، خرج السيد العامل بتصريح مفاده أن السيد محمد الكروج، مدير الوكالة الوطنية لتنظيم الأنشطة المرتبطة بالقنب الهندي، استجاب لرغبة بعض الشركات المغربية في فتح أسواق جديدة خارج تلك التي ركز عليها سابقًا.  
لكن من هي هذه الشركات؟ وما هي ارتباطاتها بالفلاحين الصغار؟ وهل شاركتهم في اقتراح هذه المبادرات؟!  
حسب معلومات متداولة في الكواليس بعيدًا عن الصحافة الوطنية، سيقود الكروج وفدًا يضم أكثر من عشرين منتجًا وشركة ناشطة في صناعة القنب الهندي إلى العاصمة الهولندية أمستردام، في مهمة عمل تهدف إلى كسر جمود القطاع وإعادة رسم خريطة تعاونه التجاري.  
قد تبدو هذه المبادرة جيدة، لكن على أي معيار تم اختيار الوفد؟ هل يضم خبراء مغاربة معروفين بجدارتهم، أم أن الكروج استعين بأصدقائه كما جرت العادة؟  
حسب مصادر صحفية مطلعة، جاءت فكرة التوجه للسوق الهولندية من شابين، المغربي والأجنبي، اللذين قدما المشروع للوكالة نيابة عن شركة مغربية تستثمر في القطاع.  
"جوهر المبادرة هو إنشاء شبكة من المقاهي على غرار النموذج الأوروبي، مع احترام قوانين صارمة تضمن الإطار القانوني والتنظيمي للنشاط."  
هل تم استشارة سكان الريف الذين لديهم مشاريع قد تدخل في مجالات فتح السوق السياحية التي تركز على السياحة الترفيهية المرتبطة بالكيف البلدي؟!  
اليوم، مع استجابة أعلى سلطة في البلاد، جلالة الملك محمد السادس، ولارتباط القضية الوطنية بالجهوية المتقدمة والحكم الذاتي في الصحراء، وارتباط مشكل الريف بالحكم الذاتي والجهوية الموسعة، يجب أن تبتعد وزارة الداخلية والكروج عن هذا الموضوع.  
الحل هو عقد مناظرة وطنية جامعة حول هذا الورش تجمع كل الفاعلين: فلاحين وتعاونيات، صناعات دوائية وتجميلية، خبراء، ممثلي المجتمع المدني، ومؤسسات الدولة.  
حتى نحقق تامغرابيت النموذجً المغربي المتقدم في التنمية والعدالة الترابية.