لا حديث في الجزائر هذه الأيام سوى عن غياب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن الساحة، وعن غياب أي تبرير رسمي لهذا الغياب. وهو ما أفسح المجال لتناسل الشائعات حول ما يحضّره سعيد شنقريحة لفترة ما بعد تبون، إن كتب له عمر لذلك.
وهكذا بدأت قنوات إعلامية تلفزيونية كانت إلى حدود الأمس القريب ناطقة باسم الرئيس، تتحول إلى منتقدة للوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، بطبيعة الحال بتوجيه من المؤسسة العسكرية، الحاكم الفعلي في الجزائر. كما خرجت أحزاب سياسية إلى العلن، منها حزب جيل جديد والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي منع النظام الجزائري تجمعاً كان يعتزم تنظيمه أمام المقر التاريخي لمؤتمر الصومام، الذي جمع القادة التاريخيين للثورة الجزائرية، وهو نفس المؤتمر الذي لم يمنعه الاستعمار الفرنسي.
هذه التحولات في نهج العسكر توحي بأن شيئاً ما يُطبَخ لترتيب مشهد سياسي قديم بوجوه ربما جديدة، لكنها لن تغيّر شيئاً في جوهر الأمر، بل ستؤبّد نظاماً يعرف جيداً متى يتخلص من كل من انتهت مهمته، ومن ضمنهم الرئيس عبد المجيد تبون. ولا داعي للتذكير بكيفية تخلص نفس النظام، إبان الاستقلال، من يوسف بن خدة، أول رئيس للحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، ثم من أحمد بن بلة في بداية الستينيات بعد أن انقلب عليه هواري بومدين. كما أجبر الشاذلي بن جديد على الاستقالة بعد اعتراضه على توقيف المسار الانتخابي، حين كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى السلطة.
ثم جيء بمحمد بوضياف، الذي كان مستقراً في المغرب، ونُصّب رئيساً للجمهورية في بداية التسعينيات، ليُغتال بعد ستة أشهر على يد الطغمة العسكرية. تلاه الأمين زروال، الذي أجبر هو الآخر على الاستقالة نتيجة صراع الأجنحة داخل المؤسسة العسكرية.
وكما قالت لويزة حنون، زعيمة حزب العمال: "نتمناو برك ما يجيبوش رئيس من الأرشيف"، وهو ما حدث فعلاً مع عبد العزيز بوتفليقة، الذي استمر فترة طويلة في رئاسة الجزائر، إلى أن ثار الشعب ضده في حراك استغله العسكر لبسط نفوذهم أكثر، عبر التحكم في المشهد الإعلامي والسياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، وعبر تضييق متزايد على الحريات العامة تحت ذريعة الخطر الخارجي.
فإلى أين تتجه الجزائر؟
فإلى أين تتجه الجزائر؟
