تشهد عدة مناطق جزائرية، وعلى رأسها منطقة القبائل والعاصمة وهران، تناميًا مقلقًا في انتشار المخدرات والمؤثرات العقلية، ما يثير تحذيرات جدية بشأن تداعيات اجتماعية وصحية متسارعة.
وقد أكدت تقارير من هيئات مدنية وطبية في الجزائر أن حجم انتشار هذه الآفة بلغ مستويات غير مسبوقة، وسط عجز واضح من المؤسسات الصحية عن مواكبة الوضع، خاصة مع توفر هذه المواد حتى في المناطق الريفية البعيدة.
اتهامات بالاستغلال السياسي للأزمة
ما يزيد الوضع تعقيدًا هو اتهام دوائر محلية وبعض الضباط المتقاعدين لما وصفوه بـ"تواطؤ ضمني" من جهات أمنية واستخباراتية في تسهيل حركة هذه المواد. ويرى مراقبون أن الأمر يتعدى الإهمال، بل يدخل في إطار استراتيجية محسوبة تهدف إلى إنهاك فئة الشباب وشل قدرتها على الاحتجاج، خصوصًا بعد الحراك الشعبي الكبير الذي عرفته البلاد عام 2019.
هذه الادعاءات، إن صحت، تكشف عن خلل في موازين السلطة داخل النظام الجزائري، حيث يظهر الرئيس عبد المجيد تبون في موقع محدود التأثير، مقابل نفوذ واسع للجنرال سعيد شنقريحة، قائد أركان الجيش، الذي يُعتقد أنه يمتلك الكلمة الفصل في القرارات السيادية، مما يكرّس صورة النظام العسكري المقنّع بواجهة مدنية.
الأمازيغ في مرمى الاتهام
في منطقة القبائل، حيث يُعرف المجتمع المحلي بنزعة سياسية قوية ومطالب ثقافية وهوياتية بارزة، ترى حركات أمازيغية - وعلى رأسها حركة “الماك” - أن تفشي المخدرات ليس مجرد خطر اجتماعي، بل هو وسيلة لإخضاع هذه المنطقة وتفريغها من طاقتها السياسية. وعبّر أحد النشطاء في تيزي وزو عن هذا الرأي قائلاً: "حين يفقد الناس وعيهم، يصبح التحكم فيهم أسهل".
أزمة تتجاوز الجوانب الصحية
تقرير استخباراتي داخلي نبّه إلى أن تفاقم الإدمان يشكل تهديدًا حقيقيًا على مستقبل الشباب والوحدة الاجتماعية في الجزائر. ومع ارتفاع نسب البطالة، وتضاؤل فرص التغيير السياسي، يجد كثير من الشباب أنفسهم أسرى لهذه المواد المدمرة، فيما تبدو بعض دوائر السلطة مستفيدة من هذا الانحدار العام في الوعي والمقاومة المجتمعية.
أزمة بنيوية في الدولة
المشهد العام في الجزائر اليوم يعكس أزمة عميقة تتداخل فيها الاعتبارات السياسية بالأبعاد الاجتماعية والصحية، وسط سلطة عسكرية تتغلغل في مؤسسات الدولة، ورئاسة تبدو محدودة النفوذ. وفي خضم هذا الصراع، يظل جيل كامل مهددًا بالضياع، بين مطرقة الإدمان وسندان الاستغلال السياسي.
