Thursday 7 August 2025
خارج الحدود

عدوى تزوير الشواهد الجامعية تنتقل إلى إسبانيا

 
عدوى تزوير الشواهد الجامعية تنتقل إلى إسبانيا وزير النقل الإسباني أوسكار بوينتي، ونويليا نونييث، النائبة الصاعدة في حزب الشعب الإسباني
في وقتٍ كان فيه الحديث عن تزوير الشهادات الجامعية في المغرب يُختزل في حالات فردية تُعالج غالبا بالصمت أو التواطؤ، جاءت الفضائح الأخيرة في إسبانيا لتكشف أن هذه "العدوى" تجاوزت الحدود، مهددة مصداقية النخبة السياسية في الديمقراطيات الأوروبية.

فمن المغرب إلى إسبانيا، تتشابه الممارسات، وتختلف فقط درجات الشفافية والمساءلة، في مشهد يثير تساؤلات جوهرية حول العلاقة بين النخب الحاكمة، والمعرفة، والمؤسسات الأكاديمية.


فضيحة مدوية تهز الطبقة السياسية في إسبانيا

بدأت شرارة الأزمة في 21 يوليوز 2025، عندما شكك وزير النقل الإسباني أوسكار بوينتي في صحة الشهادات الجامعية التي أعلنت عنها النائبة اليمينية الصاعدة نويليا نونييث، والتي زعمت في سيرتها الذاتية حصولها على ثلاث شهادات عليا في القانون والإدارة العامة وفقه اللغة الإنجليزية.

ومع تصاعد الضغوط الإعلامية والسياسية، أقرت نونييث بأنها لم تُكمل أيّا من تلك التكوينات الجامعية، ووصفت ما وقع بأنه "خطأ غير مقصود"، قبل أن تعلن استقالتها في اليوم التالي.

لكن القصّة لم تتوقف عند هذا الحدّ، بل تحولت إلى كرة ثلج أطاحت بعدة مسؤولين من أحزاب مختلفة، أبرزهم المسؤول الاشتراكي خوسيه ماريا أنخيل، وإغناسيو هيغيرو من اليمين، الذي تبين أنه ادعى حيازة دبلوم من جامعة لم تكن تقدم ذلك التخصّص أصلا.

الكاتب الإسباني خواكيم كول وصف ما يحدث بأنه "جنون الشهادات"، منتقدا بشدة ما سماه "سياسة المظاهر"، حيث تتحول السيرة الذاتية إلى حملة دعائية أكثر منها وثيقة موضوعية.


المغرب.. حين تصبح الشهادة مجرد واجهة

في المغرب، يختلف السياق، لكن الظاهرة موجودة بل ومزمنة. فخلال السنوات الأخيرة، ظهرت حالات عديدة لمسؤولين منتخبين وموظفين كبار أعلنوا عن شهادات مشكوك في صحتها أو صادرة عن مؤسسات غير معترف بها.

في 2022، مثلا، أثيرت قضية مسؤول جهوي حصل على "دكتوراه" من جامعة وهمية، واستفاد بها في الترقية وتوسيع صلاحياته، دون أن يُفتح أي تحقيق جدّي في الملف.

كما تداول الإعلام المحلي ومواقع التواصل الاجتماعي معلومات عن مرشحين للانتخابات صرّحوا بمستويات دراسية غير حقيقية، بعضهم بالكاد يجيد القراءة والكتابة، دون أن تعترض الأحزاب أو الهيئات التنظيمية.

ويُرجع عدد من المتابعين ذلك إلى غياب آليات فعالة للتحقق من المؤهلات، وضعف دور الصحافة الاستقصائية، وتواطؤ بعض الجامعات الخاصة التي تُنتج الشهادات "حسب الطلب".


بين المحاسبة والتواطؤ

ما يميز الحالة الإسبانية، رغم فداحتها، هو سرعة التفاعل الرسمي والشعبي معها. استقالات علنية، ضغط إعلامي قوي، دعوات لإصلاح المنظومة، وتعديلات فورية على السير الذاتية لبعض المسؤولين.

أما في المغرب، فغالبا ما تمر هذه التجاوزات في صمت، أو تُغلف بخطاب "النّية الحسنة" أو "عدم التدقيق"، دون أن تُطرح تساؤلات حول الأثر الأخلاقي والمؤسسي لمثل هذا السلوك.


نحو ترسيخ الشفافية الأكاديمية

إن تكرار هذه الحالات، في إسبانيا كما في المغرب، يفرض ضرورة وضع آليات وطنية صارمة لمراقبة وتدقيق الشهادات، خاصة تلك التي تُستخدم لولوج المناصب العامة أو تمثيل المواطنين.

وبحسب مراقبين، فالمطلوب ليس فقط التحقق من صحة الشهادات، بل إعادة الاعتبار للجامعة كفضاء للمعرفة، لا مجرد أداة للتسلق الاجتماعي. كما أن النخب السياسية مطالبة بتقديم نموذج في النزاهة العلمية قبل السياسية، فالذي يزوّر انتماءه للمعرفة، لن يكون صادقا مع مجتمعه، ولا مؤهلا لحمل أمانة الشأن العام.