Friday 27 June 2025
فن وثقافة

بنسعيد الركيبي: المخيمات الصيفية.. حين يتحول الفعل التربوي إلى تراث لامادي

بنسعيد الركيبي: المخيمات الصيفية.. حين يتحول الفعل التربوي إلى تراث لامادي بنسعيد الركيبي والمرحوم أحمد بنسودة كاتب الدولة في الشبيبة والرياضة في زيارة للمخيمات الصيفية بالأطلس المتوسط 1956
ليست المخيمات الصيفية مجرد فضاءات للترفيه أو فترات للاستراحة بين موسمين دراسيين، بل هي عالم تربوي قائم الذات ينتج طقوسه ويبني ذاكرته ويجذر قيمه في نفوس أجيال متعاقبة. وإذا كانت منظمة اليونسكو قد اعتمدت مفهوم التراث الثقافي اللامادي للإشارة إلى كل ما هو غير ملموس من ممارسات ومهارات وتقاليد متوارثة، فإن المخيمات الصيفية بمنطقها ومرجعياتها تستحق أن تدرج ضمن هذا الإطار. لا باعتبارها نشاط موسمي، وإنما بصفتها مدرسة للحياة.

فمنذ نشأتها الأولى ارتبطت المخيمات بروح التطوع والتنشئة الجماعية. وكانت فضاء للعيش المشترك، يسهم فيه المجتمع المدني والدولة. ويبني فيه الأطفال والشباب علاقاتهم الاجتماعية في بيئة تحكمها روح التعاون والاعتماد على النفس والقبول بالاختلاف والتنوع.

وقد ظلت هذه القيم تنقل شفهيا وعمليا من جيل إلى آخر في ما يشبه التقاليد التربوية اللامادية، من الأناشيد إلى الطقوس الجماعية للأكل والسهر والنظافة ومن شعارات الفصائل إلى تنظيم الألعاب الكبرى. ففي المخيمات يمارس الانضباط دون قهر، وتبنى المسؤولية دون تلقين. ما يجعل من الحياة اليومية داخله تمرينا عمليا على القيم، مثل الاحترام والنظافة والانضباط والتعاون والحوار والقيادة وحسن الإنصات. وهي ليست مفاهيم مجردة بل تكتسب من خلال الممارسة المتكررة فتتحول إلى مهارات حياتية تختزنها ذاكرة الطفل.

وإذا كان مفهوم التراث اللامادي يضم الرقصات والأهازيج والحرف التقليدية، فما الذي يمنع من اعتبار المخيم بما يحمله من طقوس وأنماط عيش جماعي تراثا تربويا، ذا حمولة ثقافية. أليست التجربة المخيمية في حد ذاتها ذاكرة حية تنتقل عبر الأجيال وتعبر عن خصوصية مجتمع بأكمله في تربية أطفاله خارج أسوار المدرسة؟ إن الخطر الأكبر على هذا التراث التربوي لا يأتي من العولمة فقط، بل أيضا من تفكيك المنظومة المخيمية ذاتها، ومن اختزال المخيم في خدمات لوجستيكية وإقامات للاستجمام والراحة.

إننا اليوم بحاجة إلى استعادة المخيم بوصفه فعلا تربويا له فلسفته ومقوماته وبوصفه تراثا لاماديا، يسهم في بناء شخصية الطفل والمواطن تماما كما تسهم العادات والتقاليد في تشكيل هوية الشعوب. وإن الدفاع عن التخييم التربوي يجب أن ينطلق من قناعتين : الأولى أنه حق للأطفال في الترفيه والتعلم. والثانية أنه رصيد جماعي من القيم والمعارف والممارسات التي راكمها الفعل التربوي الجمعوي لعقود.

فعلى الدولة ان تعمل على تثمين هذا الثرات اللامادي وتوثيقه وتطويره، لا باعتباره ماضيا جميلا بل كرافعة تساهم في بناء أجيال مغرب المستقبل.