تحليل نقدي لتداعيات إدماج الحسابات المتقادمة في النظام البنكي المغربي
في سياق الجهود المبذولة لتعزيز الشفافية والصرامة في القطاع المالي، أطلق بنك المغرب قاعدة بيانات مركزية ترصد الوضعيات الائتمانية للزبناء، وخصوصًا تلك المرتبطة بالديون غير المؤداة. هذه الخطوة، التي كان يُفترض أن تكرّس مبدأ الثقة بين الفاعلين الماليين وتحفّز على سلوكيات مسؤولة في منح القروض، تحوّلت في التطبيق إلى سيف ذي حدّين، كاشفة عن ثغرات مؤسساتية عميقة، بل ومثيرة لتساؤلات قانونية وأخلاقية بشأن حماية حقوق المواطن.
فقد استغلت بعض المؤسسات البنكية هذه القاعدة لنفض الغبار عن حسابات متقادمة، يعود بعضها لأكثر من عشرين أو حتى أربعين سنة، وإدراجها ضمن تقارير الزبناء الجدد دون التمييز بين الديون المستحقة فعليًا وتلك التي سقطت بالتقادم أو نشأت في سياقات تنظيمية وقانونية مغايرة. وهو ما ترتب عنه حرمان آلاف المواطنين من ولوج التمويل البنكي، لا بسبب تعثر حديث، بل بسبب تركات مالية قديمة كان ينبغي أن تطوى، سواء قانونيًا أو أخلاقيًا.
الأمر لا يقف عند حدود التقادم، بل يمتد إلى ممارسات بنكية سابقة تنم عن هشاشة في الحكامة الداخلية. فقد درجت العديد من الأبناك على ترك الحسابات البنكية مفتوحة رغم توقف أصحابها عن التعامل معها، دون إغلاق قانوني أو إعلام فعّال، ما أدى إلى تراكم رسوم وفوائد وهمية تحوّلت لاحقًا إلى “ديون غير مسددة”. وفي حالات كثيرة، استُخدمت هذه الديون لتضخيم الأصول، في مخالفة صريحة لمبادئ المحاسبة الحصيفة، بل وتم تأشير بعضها من طرف مفتّشين ومراقبين خارجيين دون مساءلة فعلية.
اليوم، وبدل أن يضع بنك المغرب ضوابط واضحة وصارمة تحد من استغلال هذه القاعدة لأغراض ضغط أو انتقائية، فتح المجال أمام الأبناك لتعيد فرض سلطتها على الزبناء، مطالبة إياهم بتسوية وضعيات قديمة، بعضها غير مشروع من الناحية القانونية. إن ما يُفترض أن يكون آلية تنظيمية لتعزيز الانضباط المالي، تحوّل في الواقع إلى أداة تهديد تفتقر إلى التوازن بين حقوق المؤسسة وحقوق الفرد.
المفارقة المؤلمة أن العديد من هذه النزاعات لا تُعزى إلى تعثر مقصود من الزبناء، بقدر ما تعكس سوء تدبير من طرف الأبناك ذاتها، وتراخيًا رقابيًا من المؤسسة المركزية. فمن غير المقبول، في منظومة مالية حديثة، أن تبقى الحسابات النائمة دون معالجة لسنوات، أو أن تُعتمد بيانات غير محدثة كأساس للحكم على الجدارة الائتمانية لمواطنين يسعون إلى إعادة إدماجهم في الدورة الاقتصادية.
إن ما نعيشه اليوم هو لحظة فاصلة تتطلب مراجعة عميقة للمنظومة، ليس فقط تقنيًا أو محاسبيًا، بل أخلاقيًا ومؤسساتيًا. فإدماج التقادم في الاعتبار، وضمان آليات اعتراض فعّالة، والتمييز بين الديون الفعلية وتلك المتنازع حولها، أصبحت ضرورات ملحّة. وإلا فإن الثقة في النظام البنكي، وفي مؤسسات الرقابة ذاتها، ستبقى على المحك.
فقد استغلت بعض المؤسسات البنكية هذه القاعدة لنفض الغبار عن حسابات متقادمة، يعود بعضها لأكثر من عشرين أو حتى أربعين سنة، وإدراجها ضمن تقارير الزبناء الجدد دون التمييز بين الديون المستحقة فعليًا وتلك التي سقطت بالتقادم أو نشأت في سياقات تنظيمية وقانونية مغايرة. وهو ما ترتب عنه حرمان آلاف المواطنين من ولوج التمويل البنكي، لا بسبب تعثر حديث، بل بسبب تركات مالية قديمة كان ينبغي أن تطوى، سواء قانونيًا أو أخلاقيًا.
الأمر لا يقف عند حدود التقادم، بل يمتد إلى ممارسات بنكية سابقة تنم عن هشاشة في الحكامة الداخلية. فقد درجت العديد من الأبناك على ترك الحسابات البنكية مفتوحة رغم توقف أصحابها عن التعامل معها، دون إغلاق قانوني أو إعلام فعّال، ما أدى إلى تراكم رسوم وفوائد وهمية تحوّلت لاحقًا إلى “ديون غير مسددة”. وفي حالات كثيرة، استُخدمت هذه الديون لتضخيم الأصول، في مخالفة صريحة لمبادئ المحاسبة الحصيفة، بل وتم تأشير بعضها من طرف مفتّشين ومراقبين خارجيين دون مساءلة فعلية.
اليوم، وبدل أن يضع بنك المغرب ضوابط واضحة وصارمة تحد من استغلال هذه القاعدة لأغراض ضغط أو انتقائية، فتح المجال أمام الأبناك لتعيد فرض سلطتها على الزبناء، مطالبة إياهم بتسوية وضعيات قديمة، بعضها غير مشروع من الناحية القانونية. إن ما يُفترض أن يكون آلية تنظيمية لتعزيز الانضباط المالي، تحوّل في الواقع إلى أداة تهديد تفتقر إلى التوازن بين حقوق المؤسسة وحقوق الفرد.
المفارقة المؤلمة أن العديد من هذه النزاعات لا تُعزى إلى تعثر مقصود من الزبناء، بقدر ما تعكس سوء تدبير من طرف الأبناك ذاتها، وتراخيًا رقابيًا من المؤسسة المركزية. فمن غير المقبول، في منظومة مالية حديثة، أن تبقى الحسابات النائمة دون معالجة لسنوات، أو أن تُعتمد بيانات غير محدثة كأساس للحكم على الجدارة الائتمانية لمواطنين يسعون إلى إعادة إدماجهم في الدورة الاقتصادية.
إن ما نعيشه اليوم هو لحظة فاصلة تتطلب مراجعة عميقة للمنظومة، ليس فقط تقنيًا أو محاسبيًا، بل أخلاقيًا ومؤسساتيًا. فإدماج التقادم في الاعتبار، وضمان آليات اعتراض فعّالة، والتمييز بين الديون الفعلية وتلك المتنازع حولها، أصبحت ضرورات ملحّة. وإلا فإن الثقة في النظام البنكي، وفي مؤسسات الرقابة ذاتها، ستبقى على المحك.