Monday 2 June 2025
مجتمع

محمد الحيرش: في ضرورة عقد ندوة نقابية وطنية عاجلة حول "تخليق الجامعة والبحث العلمي" 

محمد الحيرش: في ضرورة عقد ندوة نقابية وطنية عاجلة حول "تخليق الجامعة والبحث العلمي"  محمد الحيرش
رسالة إلى الإخوة في المكتب الوطني واللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي 
 الأخ الكاتب العام 
 تحية واحتراما
 
 منذ أكثر من عشر سنوات  كان أحد موتمرات النقابة الوطنية للتعليم العالي قد صادق في جلسته الختامية على توصية تقضي بتنظيم ندوة وطنية حول "أخلاقيات المنظومة الجامعية والبحث العلمي". 
 
للأسف لم تُفعِّل النقابةُ التوصيةَ على الرغم من النداءات المتكررة في أكثر من موقع جامعي بضرورة إيلاء مسألة الأخلاقيات أهمية قصوى في التدبير والتكوين والبحث، لما باتت تعرفه المنظومة الجامعية عموما من تحولات كمية ونوعية متسارعة. 
 
أتذكر في هذا الخصوص أن الموضوع أُثير سنة 2012 بآداب تطوان في اجتماع نقابي جهوي أشرف عليه أعضاء من المكتب الوطني. لكن ما فهمه الحاضرون حينئذ من الردِّ هو أن الأمر لم يكن من أولويات النقابة، ولا مسطَّرا في جدول أعمالها. بل لاحظت شخصيا كما لو أن إثارة الموضوع كانت محرجة للزملاء الذين أطروا الاجتماع من المكتب الوطني ...
غير أن ما هو مؤكد حتى اليوم، الأخ الكاتب العام، أن التوصية ظلت حبرا على ورق دون معرفة أسباب عدم التفعيل، ولا مسوغاته المباشرة وغير المباشرة.

 
أكثر من هذا، وبالنظر إلى بروز بعض السلوكات والتجاوزات غير القانونية هنا أو هناك والتي جرى التنديد بها في بلاغات الجموع العامة للأساتذة بعدد من المؤسسات، فإن الأجهزة الوطنية للنقابة ظلت تراقب الوضع دون أن تُقدِمَ على اقتراح مبادرات فعالة  تسهم في التخليق والتنبيه إلى خطورة ما قد يترتب على مثل تلك التجاوزات.
 
بالطبع الأخ الكاتب العام لا يمكن إرجاع أيِّ مسؤولية للنقابة في الانزلاقات التي وقعت سابقا وتناولتها مجموعة من المنابر الإعلامية، أو في تلك التي هي حاليا موضوع متابعة قضائية.
 
لكن مع ذلك يتعين التذكير بأن الدور التقليدي الذي ظلت النقابة الوطنية للتعليم العالي تضطلع به دوما هو ذاك المتمثِّل في كونها قوة اقتراحية فاعلة، وصوتا إصلاحيا مؤثرا ومسموعا من قبل الجهات الوصية على التعليم العالي والبحث العلمي في بلادنا.
 
لهذا ما كان حريا بنقابة مناضلة أن تتخلف عن مهامها التأطيرية في التحذير مما حدث أو مما يمكن أن يحدث من تجاوزات، وذلك باقتراح حلول عملية على المسؤولين الوطنيين والمحليين مؤدية إلى درء كل ما من شأنه المساس بأخلاقيات الحياة الجامعية وتشويهها. وإذا ما لوحظ عندئذ من تماطل أو تعطيل لاقتراحات النقابة، فستبقى المسؤولية الكاملة على الجهات الحكومية التي لم تتفاعل مع اقتراحات النقابة، ولم تنزلها بشكل أو بآخر في أرض الواقع.   
 
 لقد بات ملحا في ظرفنا الحالي التعجيل بتفعيل التوصية المذكورة وتحقيق المراد منها برؤية متجددة تأخذ في الحسبان ما آلت إليه الجامعة من تحولات في المهام والوظائف، ومن تغيرات في مواردها المالية والبشرية. إذ لا يُعقل أن تظل النقابة متأخرة عن معالجة الوضع في الوقت الذي بادر المجلس الأعلى للتعليم يوم 20 ماي الجاري إلى مناقشة الموضوع بالتركيز على وجوب إيجاد الآليات القانونية والتخليقية الكفيلة بتحصين تعليمنا العالي، والإعلاء فيه من قيم النزاهة وتعزيز "ثقافة الاستحقاق والكفاءة والمسؤولية المجتمعية".
 
ولو تأتى لهذه الندوة الوطنية أن تنعقد، فإن السبيل إلى نجاحها هو أن تسبقها ندوات جهوية على صعيد كل جامعة  حتى تقف النقابة على الواقع الحقيقي كما تعيشه كافة المكونات الجامعية من أساتذة باحثين وطلبة وإداريين.
 
وليس من شك في أن ندوة موسَّعة بهذا الشكل والحجم ستبعث على الأقل حافزا من التعبئة والحماس لانخراط الجميع في نقاش جاد بقدر ما يراهن على المستقبل، يأخذ  على عاتقه أيضا مسؤولية تشخيص الاختلالات الآنية، ومعالجتها بالتزام وفعالية...
 
لكل ما سبق وغيره يرجى منكم الأخ الكاتب العام، ومن كافة الإخوة في المكتب الوطني واللجنة الإدارية أن تضطلعوا في أقرب الآجال بمسؤولياتكم لعقد ندوة الأخلاقيات الموصى بها منذ سنوات، وأن تعملوا بجد من أجل  تعميم الوعي في أوساط مجتمعنا المدني ولدى الرأي العام الوطني  بأن الجامعة فضاء عمومي يتطلب تظافر جهود الجميع من أجل تحصينه وتخليقه من كل انزلاق. فوزن المجتمعات في سلَّم النهوض والتقدم يُقدَّر بمنزلة جامعاتها ومكانة نخبها البحثية والعلمية. ذلك لأن طبيعة النقاش الذي انفجر بعد نازلة الشهادات المزورة، وما صاحبه عند البعض من تعميم آثم على معظم الجسم الجامعي المغربي، أو عند البعض الآخر من تهريب وتحريف لمقاصده النقدية النبيلة،  كل هذا يقتضي من مختلف الأطراف أن تأخذ منه ما يلزم من دروس وعِبر. فقد تعصف تجاوزات محدودة ومعزولة بالمكتسبات التاريخية  للجامعة المغربية في بناء الأجيال؛ بل قد يفضي التراخي في المعالجة والتهاون في التقويم إلى التأثير السلبي في الجامعة بما يضر بسمعة العاملين فيها، وبما يغذي نقاشا عاما سائبا لا عقل له ولا ضوابط . 
مع تحيتي وتقديري...
محمد الحيرش، عضو سابق باللجنة الإدارية للنقابة الوطنية للتعليم العالي