Saturday 31 May 2025
مجتمع

عائشة واسمين: هل المؤسسات المخول لها النظر في قضايا الفساد محصنة من كل اختراق أو ابتزاز؟

عائشة واسمين: هل المؤسسات المخول لها النظر في قضايا الفساد محصنة من كل اختراق أو ابتزاز؟ عائشة واسمين، أستاذة جامعية، جامعة محمد الخامس، الرباط
إن‭ ‬استشراء‭ ‬الفساد‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬بشري‭ ‬هو‭ ‬ظاهرة‭ ‬طبيعية‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬إعمال‭ ‬المسؤولية‭ ‬والمحاسبة‭. ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الفساد‭ ‬حاضرا‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬مجتمعية‭ ‬حيوية‭ ‬ولا‭ ‬يطال‭ ‬الجامعة،‭ ‬لأن‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬ليست‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬محيطها‭ ‬السوسيو-الاقتصادي‭. ‬ألم‭ ‬يتم‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬أول‭ ‬إصلاح‭ ‬جامعي‭ ‬-مع‭ ‬بداية‭ ‬الألفية‭ ‬الثالثة-‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬انفتاح‭ ‬الجامعة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المحيط‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تحصينه‭ ‬بالشكل‭ ‬الكافي‭ ‬وربطه‭ ‬فعليا‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬والمحاسبة‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬معه‭ ‬-بأي‭ ‬شكل‭ ‬كان-‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬انزلاقات‭ ‬محتملة؟
‮ ‬
أي‭ ‬انزلاقات‭ ‬وأية‭ ‬أخطاء؟‮ ‬
أخطاء‭ ‬وتجاوزات‭ ‬تواجه‭ ‬بحملات‭ ‬وكلمات‭ ‬الأخطاء‭ ‬أو‭ ‬التجاوزات‭ ‬أو‭ ‬الانزلاقات‭ ‬-أكانت‭ ‬صغيرة‭ ‬أو‭ ‬كبيرة-‭ ‬هي‭ ‬واردة‭ ‬وتحدث‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مجال‭ ‬حيوي‭ ‬ولكن‭ ‬يجب‭ ‬احتواءها‭ ‬ومعالجتها‭ ‬داخليا‭ ‬دون‭ ‬التشهير‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬حدوثها،‭ ‬يتم‭ ‬استشرافها‭ ‬ومنع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬الخلل‭ ‬أو‭ ‬الاختلال‭.‬‮ ‬‭ ‬التصرف‭ ‬بهذه‭ ‬الطريقة‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬حماية‭ ‬للقطاع‭ ‬دون‭ ‬السماح‭ ‬لأطراف‭ ‬خارجية‭ ‬التدخل‭ ‬فيه‭ ‬وتضخيمه‭ ‬وإخراجه‭ ‬عن‭ ‬سياقه‭. ‬وبدل‭ ‬حصر‭ ‬المشكل‭ ‬في‭ ‬بدايته‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الشخص‭ ‬أو‭ ‬المؤسسة‭ ‬المسؤولة‭ ‬عن‭ ‬ارتكابه،‭ ‬يتم‭ ‬توسيع‭ ‬نطاقه‭ ‬وإعطائه‭ ‬حجما‭ ‬وبعدا‭ ‬أكبر‭ ‬يطال‭ ‬كل‭ ‬القطاع‭ ‬الجامعي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬سرعة‭ ‬التداول‭ ‬وكثرة‭ ‬التحاليل‭ ‬التي‭ ‬تجانب‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬الصواب‭. ‬هكذا‭ ‬تصبح‭ ‬الاتهامات‭ ‬غير‭ ‬مقتصرة‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬مرتكب‭ ‬فعل‭ ‬التلاعب‭ ‬(مثل‭ ‬الاتجار‭ ‬في‭ ‬الدبلومات‭ ‬الجامعية)‭ ‬والمؤسسة‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬توقيع‭ ‬الشواهد‭ ‬يمر‭ ‬عبرها‭ ‬وبالتالي‭ ‬هي‭ ‬تشترك‭ ‬في‭ ‬المسؤولية‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تمارس‭ ‬الرقابة‭ ‬الكافية‭ ‬كما‭ ‬تنص‭ ‬عليها‭ ‬القوانين‭ ‬والمعايير‭ ‬طبقا‭ ‬لدفتر‭ ‬الضوابط‭ ‬البيداغوجية‭ ‬لسلك‭ ‬الماستر‭ ‬ومراعاة‭ ‬لأخلاقيات‭ ‬العمل‭ ‬الجامعي،‭ ‬بل‭ ‬يتم‭ ‬توجيه‭ ‬الاتهامات‭ ‬المجانية‭ ‬إلى‭ ‬الجامعة‭ ‬المغربية،‭ ‬فهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬تجني‭ ‬وعمل‭ ‬غير‭ ‬موضوعي‭ ‬وغير‭ ‬بريء‭.‬‮ ‬‭ ‬زد‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الحملة‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬وبقوة‭ ‬مع‭ ‬الإعلان‭ ‬عما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬الماستر‭ ‬المعني‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬أقول‭ ‬بيع‭ ‬وشراء‭ ‬مادام‭ ‬القضاء‭ ‬ينظر‭ ‬في‭ ‬الأمر‭.‬
‮ ‬
حملات‭ ‬وأهداف‭ ‬غير‭ ‬مبرّرة‮ ‬
إن‭ ‬الحملة‭ ‬الإعلامية‭ ‬-مرئية‭ ‬ومكتوبة-‭ ‬والكلمات‭ ‬المستعملة‭ ‬غير‭ ‬بريئة‭ ‬ولها‭ ‬أهداف‭ ‬غير‭ ‬مبررة،‭ ‬فحين‭ ‬نقول‭ ‬بيع‭ ‬الشواهد‭ ‬الجامعية‭ ‬دون‭ ‬حصرها‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬معينة،‭ ‬فهذا‭ ‬في‭ ‬حد‭ ‬ذاته‭ ‬ضرب‭ ‬في‭ ‬مصداقية‭ ‬الجامعة‭ ‬المغربية‭ ‬ونسف‭ ‬كل‭ ‬الإنجازات‭ ‬والتي‭ ‬يرجع‭ ‬الفضل‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأساتذة‭ ‬الأكفاء‭ ‬الذين ضحوا بكل‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الجامعة‭ ‬العمومية‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬مستواها‭ ‬وتكوين‭ ‬العقول‭ ‬اليافعة‭ ‬المتعطشة‭ ‬للعلم‭ ‬والمعرفة‭. ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬تحجيم‭ ‬دور‭ ‬الجامعة‭ ‬في‭ ‬لحظة‮ ‬يأس‭ ‬وإحباط‭ ‬للمدافعين‭ ‬عن‭ ‬الجامعة‭ ‬العمومية‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬اقتناص‭ ‬الفرص‭ ‬للنيل‭ ‬منها‭ ‬ممن‭ ‬يرون‭ ‬أنها‭ ‬صارت‭ ‬عبئا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ابتلعت‭ ‬التفاهة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬جاد‭ ‬وهادف‭. ‬وصار‭ ‬الاستثمار‭ ‬مباحا‭ ‬ولا‭ ‬حدود‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬طال‭ ‬الأمن‭ ‬التعليمي،‭ ‬فلا‭ ‬المدرسة‭ ‬الابتدائية‭ ‬ولا‭ ‬الثانوية‭ ‬ولا‭ ‬الجامعة‭ ‬نجت‭ ‬منه،‭ ‬وكان‭ ‬المطلب‭ ‬الملح‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬هو‭ ‬إصلاح‭ ‬المدرسة‭ ‬والجامعة‭. ‬أكيد‭ ‬توالت‭ ‬الإصلاحات‭ ‬وضخت‭ ‬الأموال‭ ‬الهائلة‭ ‬لإنجاحها‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬الفشل‭ ‬سيد‭ ‬الميدان‭ ‬يتم‭ ‬الإعلان‭ ‬عنه‭ ‬بعبارات‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬معناه‭ ‬الحقيقي‭ ‬ويتم‭ ‬إرفاقه‭ ‬بوعود‭ ‬جديدة‭ ‬بإصلاح‭ ‬سريع‭ ‬أو‭ ‬إصلاح‭ ‬الإصلاح‭. ‬هكذا‭ ‬عشنا‭ ‬حقبا‭ ‬زمنية‭ ‬ننتقل‭ ‬من‭ ‬إصلاح‭ ‬إلى‭ ‬أخر‭ ‬دون‭ ‬التوقف‭ ‬لحظة‭ ‬لمعرفة‭ ‬نواقص‭ ‬الإصلاح‭ ‬المراد‭ ‬الخروج‭ ‬منه‭.‬
‮ ‬
استعصاء‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الفساد‮ ‬
من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬الحضور‭ ‬القوي‭ ‬لكل‭ ‬المؤسسات‭ ‬المخول‭ ‬لها‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الفساد من‭ ‬نيابة‭ ‬عامة‭ ‬ومجلس‭ ‬أعلى‭ ‬للحسابات‭ ‬وهيئة‭ ‬وطنية‭ ‬للوقاية‭ ‬من‭ ‬الرشوة‭ ‬ومفتشيات‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القطاعات،‮ ‬لم‭ ‬ينفع‭ ‬في‭ ‬تطويق‭ ‬الفساد‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬عليه‭. ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬طرحةه‭ ‬هنا‭ ‬وبكل‭ ‬شجاعة‭ ‬هل‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬محصنة‭ ‬بشكل‭ ‬قوي‭ ‬يقيها‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬اختراق‭ ‬أو‭ ‬ابتزاز‭ ‬أو‭ ‬إغراء‭.‬‮ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬استعصاء‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الفساد‭ ‬يطرح‭ ‬بقوة‭ ‬إشكاليات‭ ‬العقليات‭ ‬السائدة‭ ‬وعجز‭ ‬المؤسسات‭ ‬القانونية‭ ‬للتصدي‭ ‬بحزم‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬له‭ ‬صلة‭ ‬بالفساد‭ ‬كيفما‭ ‬كان‭ ‬نوعه‭ ‬ومصدره‭.‬
‮ ‬
ولا‭ ‬يمكن‭ ‬اتهام‭ ‬المجتمع‭ ‬المغربي‭ ‬بالفساد‭ ‬أو‭ ‬القول‭ ‬أن الفساد‭ ‬أصبح‭ ‬الركيزة‭ ‬الخامسة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬هذا‭ ‬تجنّي‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬وصف‭ ‬حالة‭ ‬فرضتها‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المعطيات‭ ‬إن‭ ‬توفرت‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬لإزالتها‭ ‬فستصبح‭ ‬في‭ ‬خبر‭ ‬كان‭.‬‮  ‬في‭ ‬الحقيقة‭ ‬كل‭ ‬مجتمع‭ ‬بشري‭ ‬هو‭ ‬وليد‭ ‬صناعات‭ ‬وسلوك‭ ‬منتخبيه‭ ‬ومؤسساتيه‭ ‬المحلية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬أنها‭ ‬تسهر،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬أمنه‭ ‬الإنساني،‭ ‬بل‭ ‬أيضا‭ ‬توفير‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الأمن‭ ‬المرتبطة‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬الغذائي‭ ‬إلى‭ ‬الصحي‭ ‬إلى‭ ‬التعليمي‭. ‬فكيف‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬البلد‭ ‬(مدن- بنيات‭ ‬تحتية- قطارات‭ ‬فائقة‭ ‬السرعة‭...‬)‭ ‬ونهمل‭ ‬الأهم‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬العنصر‭ ‬البشري‭ ‬رأسمال‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬متقدمة‭. ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬وضع‭ ‬الجامعة‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬قفص‭ ‬الاتهام‭ ‬وتحميلها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬طاقتها،‭ ‬فالمشكل‭ ‬لا‭ ‬يحل‭ ‬بتهويل‭ ‬الأمر،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬بهدوء‭ ‬وتأني‭ ‬وجدية‭ ‬في‭ ‬الحلول‭ ‬التي‭ ‬تحصن‭ ‬الصرح‭ ‬الجامعي‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تجاوزات‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬بسيطة‭. ‬بخلاف‭ ‬ذلك،‭ ‬سيتم‭ ‬الحكم على‭ ‬أجيال‭ ‬مستقبلية‭ ‬بالفراغ‭ ‬الفكري‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬آلي‭ ‬وتقني‭ ‬وآنذاك‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إعادة‭ ‬عقارب‭ ‬الساعة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭. ‬الجامعة‭ ‬-إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬المدرسة-‭ ‬هي‭ ‬عمود‭ ‬رقيّ‭ ‬أي‭ ‬مجتمع‭ ‬بشري،‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬الركائز‭ ‬الأساسية‭ ‬-إلى‭ ‬جانب‭ ‬الصحة-‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬المواطن‭ ‬الصالح‭ ‬الخالي‭ ‬من‭ ‬آفات‭ ‬الفساد‭ ‬والمحسوبية‭ ‬والغشّ،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬دولة‭ ‬القانون‭ ‬والمؤسسات‭.‬