Sunday 27 April 2025
كتاب الرأي

سعيد بنيس: خطاب الإلتراس عنوان لانخراطهم فـي الصيرورة الاجتماعية والسياسية الوطنية

سعيد بنيس: خطاب الإلتراس عنوان لانخراطهم فـي الصيرورة الاجتماعية والسياسية الوطنية سعيد بنيس
‭ ‬إن‭ ‬دينامية‭ ‬الألتراس‭ ‬بالمغرب‭ ‬عرفت‭ ‬تحولا‭ ‬بارزا‭ ‬بعد‭ ‬سنة‭ ‬2016،‭ ‬وهو‭ ‬تاريخ‭ ‬صدور‭ ‬قانون‭ ‬المنع،‭ ‬حيث‭ ‬بعد‭ ‬عودتهم‭ ‬إلى‭ ‬الملاعب‭ ‬صار‭ ‬خطاب‭ ‬الألتراس‭ ‬خطابا‭ ‬احتجاجيّا؛‭ ‬فانتقلت‭ ‬معه‭ ‬حلبات‭ ‬الرياضة‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬لتمرين‭ ‬سياسي‭ ‬للشباب،‭ ‬وعنوانًا‭ ‬لانخراطهم‭ ‬في‭ ‬الصيرورة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬الوطنية‭. ‬تمَّ‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬وعاء‭ ‬الفضاء‭ ‬الرقمي‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬خصائص‭ ‬جيل‭ ‬الألتراس‭ ‬الذي‭ ‬يتميز‭ ‬بكونه‭ ‬جيلًا‭ ‬متصلًا‭ ‬يتعايش‭ ‬ويتفاعل‭ ‬أساسًا‭ ‬عبر‭ ‬بوابة‭ ‬الافتراضي‭ ‬لتعميق‭ ‬مرتكزات‭ ‬مواطنته‭ ‬التي‭ ‬أضحت‭ ‬مواطنة‭ ‬رقمية‭ ‬عمادها‭ ‬الرقابة‭ ‬والفضح‭ ‬والكشف،‭ ‬مما‭ ‬خلق‭ ‬معارضين‭ ‬جددًا‭ ‬نشؤوا‭ ‬خارج‭ ‬البنيات‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬المنظمة‭ ‬كالأحزاب‭ ‬والنقابات‭ ‬ومنظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬ويتميزون‭ ‬حصريًّا‭ ‬بخطاب‭ ‬احتجاجي‭ ‬مباشر‭ ‬وصدامي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬الذات‭ ‬الفردية‭ ‬والذات‭ ‬الجمعية‭ ‬ورافض‭ ‬لنصف‭ ‬الحلول‭ ‬ومناهض‭ ‬لـ‭ ‬«الحُكْرَة»‭ ‬والتهميش‭. ‬

إن‭ ‬التحول‭ ‬النسقي‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬نوعية‭ ‬وخطاب‭ ‬الاحتجاج‭ ‬لدى‭ ‬شريحة‭ ‬الألتراس‭ ‬قد‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬الشعور‭ ‬بالمظلومية‭ ‬كما‭ ‬تعبِّر‭ ‬عنه‭ ‬لازمة‭ ‬«فَ‭ ‬بْلادِي‭ ‬ظَلْمُونِي»‭. ‬وهذا‭ ‬النسق‭ ‬اعتمد‭ ‬حقولًا‭ ‬دلالية‭ ‬بعينها،‭ ‬مثل:‭ ‬عدم‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والممانعة‭ ‬والإصرار‭ ‬والصدامية‭ ‬الجماعية‭ ‬والمرافعة‭ ‬الشعبية‭ ‬والحرمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وفقدان‭ ‬الثقة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭. ‬فالخطاب‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬للألتراس‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المنظور‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬انسداد‭ ‬بنيوي‭ ‬قد‭ ‬يُسقط‭ ‬عقدة‭ ‬الخوف‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وإمكانية‭ ‬انفلات‭ ‬المجتمع‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬ويقابل‭ ‬هذا‭ ‬الانسداد‭ ‬بطريقة‭ ‬متناقضة‭ ‬تضخم‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الفاعلين‭ ‬«حكوميين‭ ‬أو‭ ‬مدنيين»‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬حاجيات‭ ‬ومتطلبات‭ ‬شباب‭ ‬الألتراس‭ ‬تظل‭ ‬دون‭ ‬إجابات‭ ‬مقنعة‭ ‬ولا‭ ‬تترجم‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع‭. ‬وكل‭ ‬هذه‭ ‬المظاهر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬نتاج‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬التحولات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتي‭ ‬أنتجت‭ ‬تعبيرات‭ ‬جديدة‭ ‬وخطابًا‭ ‬احتجاجيًّا‭ ‬مضادًّا‭ ‬في‭ ‬المغرب‭ ‬يجسده‭ ‬احتجاج‭ ‬الألتراس‭. ‬لهذا،‭ ‬ففرضية‭ ‬النفوذ‭ ‬الرمزي‭ ‬لخطاب‭ ‬الألتراس‭ ‬أو‭ ‬الهيمنة‭ ‬الرمزية‭ ‬لخطابهم‭ ‬تظل‭ ‬واردة‭.‬

وتبقى‭ ‬هذه‭ ‬الفرضية‭ ‬الأقرب‭ ‬للتحقق‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬وقع‭ ‬وفاعلية‭ ‬الخطاب‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬لشباب‭ ‬الألتراس‭ ‬وتأثير‭ ‬تدويل‭ ‬منطقه‭ ‬وعمقه‭ ‬التفاوضي‭ ‬على‭ ‬حكومات‭ ‬ودول‭ ‬بلدان‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬يمكن‭ ‬إذن‭ ‬استشراف‭ ‬أن‭ ‬الشعارات‭ ‬المتداولة‭ ‬في‭ ‬الملاعب‭ ‬ستتحول‭ ‬إلى‭ ‬لوازم‭ ‬تتكرر‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬بمفهوم‭ ‬«لايتموتيف»‭ ‬(Leitmotiv).‭ ‬فالمتن‭ ‬الاحتجاجي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مقتصرًا‭ ‬على‭ ‬شباب‭ ‬أو‭ ‬جمهور‭ ‬أو‭ ‬ألتراس‭ ‬فريق‭ ‬معين‭ ‬أو‭ ‬محصورًا‭ ‬في‭ ‬رقعة‭ ‬جغرافية‭ ‬بعينها،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬مشتركًا‭ ‬رمزيًّا‭ ‬عابرا‭ ‬للحدود‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفاعلات‭ ‬رمزية‭ ‬متحضرة‭ ‬تشكِّل‭ ‬فيها‭ ‬بلاغة‭ ‬الخطابات‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬أداة‭ ‬التحدي‭ ‬والتغيير‭.‬
 
سعيد بنيس، أستاذ العلوم الاجتماعية بجامعة محمد الخامس بالرباط