الأحد 13 إبريل 2025
سياسة

حسن عبد الخالق: أمريكا تعزز الدعم الدولي لسيادة المغرب على صحرائه.. الجزائر بين الحكم الذاتي أو ملاحقة الأوهام

حسن عبد الخالق: أمريكا تعزز الدعم الدولي لسيادة المغرب على صحرائه.. الجزائر بين الحكم الذاتي أو ملاحقة الأوهام حسن عبد الخالق
عرفت قضية الوحدة الترابية أخيرا زخما كبيرا أربك النظام الجزائري، بتجديد الولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء 8 أبريل 2025 ، في اللقاء الذي جمع وزير خارجيتها ماركو روبيو بنظيره المغربي ناصر بوريطة، تأكيد "دعمها مقترح الحكم الذاتي الجدي وذي المصداقية والواقعي كأساس وحيد لحل عادل ودائم لهذا النزاع وبأنها لا تزال تؤمن بأن حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد ذو الجدوى".

وارتفع منسوب ارتباك النظام أكثر بإعلان المسؤول الأمريكي أن "الرئيس دونالد ترامب يحث الأطراف على الانخراط في محادثات من دون تأخير على أساس المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الإطار الوحيد للتفاوض على حل مقبول من الأطراف"، مشيرا إلى أن " الولايات المتحدة ستعمل على تسهيل إحراز تقدم نحو هذا الهدف".

سقوط حسابات النظام الجزائري
وبهذا الموقف الأمريكي المتجدد الذي عززته في السنوات الأخيرة دينامية دعم الكثير من الدول مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، سقطت حسابات النظام الجزائري الذي راهن على بذل كل ما في جعبته من مخططات لتقويض المد الدولي الداعم لوحدة المغربية الترابية، آخرها دخوله في اختبار قوة خاسر مع فرنسا ،عقب إعلانها في نهاية شهر يوليوز الماضي أن" حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية" وأن "مخطط الكم الذاتي يشكل، من الآن فصاعدا، الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي، عادل، مستدام، ومتفاوض بشأنه، طبقا لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة " و"اعترام فرنسا التحرك في انسجام مع هذا الموقف على المستويين الوطني والدولي".
ويشعر النظام الجزائري بضيق هامش المناورة أمامه، إزاء موقف إدارة ترامب وهو الذي استمرأ في السنوات الماضية عرقلة كل توجه جدي لطي النزاع المفتعل لا يلبي هدفه في تفتيت الأرض المغربية، مفضلا "اللاحل"،في انتظار تطورات قد تخدم أجندته.

عراقيل في المنتظمين الإفريقي والأممي
وسعى النظام الجزائري منذ افتعاله النزاع الإقليمي حول الصحراء قبل حوالي نصف قرن، إلى معاكسة كل توجه دولي جدي لحل هذا النزاع، يراعي حق المغرب في سيادته على المنطقة، بإجهازه على مبادرة قمة نيروبي الإفريقية في يونيو 1981، لتنظيم الاستفتاء في الصحراء،بسطوه على الشرعية وإقحامه في نونبر 1984 الجمهورية الوهمية في حظيرة منظمة الوحدة الإفريقية ،ضدا على ميثاقها،مما حدا بالمغرب إلى الانسحاب من المنظمة وعدم اعترافه بقراراتها ،بعدما تحولت ،بفعل المؤامرة الجزائرية إلى حكم وطرف.
وتواصل نهج النظام المعادي لوحدة المغرب الترابية، بانتقال ملف النزاع المفتعل إلى أروقة الأمم المتحدة، التي وضعت مخطط التسوية في 1990، لتنظيم الاستفتاء ، على أساس تحديد هوية المؤهلين للمشاركة فيه .وتعرض مسلسل تحديد الهوية من 1993 إلى 1999،للتخريب على يد النظام الجزائري ،الذي حاول من خلال انفصاليي البوليساريو حرمان ثلثي سكان الصحراء من المشاركة في الاستفتاء، لتستخلص الأمم المتحدة في تقارير أمينها العام ومبعوثه الشخصي أنه يصعب تنظيم استفتاء بناء على تحديد الهوية ويدعو مجلس الأمن في قراره 1309 في سنة 2000 إلى البحث عن حل سياسي للنزاع المفتعل. وقدم المبعوث الأممي جيمس بيكر لاحقا خطة الاتفاق الإطار، لتنفيذ تسوية النزاع، وافق عليها المغرب من حيث المبدإ، لكن النظام الجزائري رفضها ،زاعما أنها ضد مبدإ الحق في تقرير المصير.

تقرير المصير يافطة لتحقيق أطماع الجزائر
ولأنه يستخدم هذا المبدأ مجرد يافطة لمحاولة تحقيق أطماعه في تفتيت وحدة المغرب الترابية ومحاصرته وإيجاد منفذ له على المحيط الأطلسي، افتضح أمر هذا النظام في شخص الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي قدم في نونبر 2001 للمبعوث الأممي بيكر اقتراحا بتقسيم المنطقة ،رفضه المغرب وتجاهلته الأمم المتحدة، التي واصلت في قرارات مجلس الأمن حث الأطراف على البحث عن حل سياسي للنزاع الإقليمي.
واستجابة لدعوات الأمم المتحدة ، قدم المغرب لأمينها العام في 11 أبريل 2007 مبادرة الحكم الذاتي الذي يمكن سكان المنطقة من تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية ،في إطار السيادة الوطنية ،علما أن هذه المبادرة تنص في مادتها 27 على أن" یكون نظام الحكم الذاتي للجھة موضوع تفاوض، ویطرح على السكان المعنیین بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة دیمقراطیة. ویعد ھذا الاستفتاء، طبقاً للشرعیة الدولیة ومیثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعیة العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن ھؤلاء السكان، لحقھم في تقریر المصیر".

محاولات فاشلة لإقبار الحكم الذاتي
وحاول النظام الجزائري بدون جدوى طوال 18 سنة إقبار هذه المبادرة ،التي حرص مجلس الأمن في كل قراراته الصادرة منذ 2007 على الإشادة بها بصفتها جدية وذات مصداقية على طريق إيجاد حل سياسي وواقعي للنزاع المفتعل وعزز المجلس في قراره 2756 الصادر في نهاية أكتوبر الماضي إشادته بالمبادرة وبالزخم المواكب لها،بأن حدد مرجعياته في التعامل مع النزاع في القرارات الصادرة عنه منذ سنة 2007،متجاهلا ما سبقها من قرارات كان النظام الجزائري يتذرع بها منذ 1990،لترويج أطروحته المعادية لوحدة المغرب الترابية.
وفي ظل هذه الدينامية، جاء موقف الولايات المتحدة الأمريكية المتجدد في دعمها سيادة المغرب على صحرائه و حثها الأطراف وضمنها الجزائر على الشروع بدون تأخير في محادثات حول الحكم الذاتي ولا شيء غيره لإنهاء النزاع المفتعل الذي طال حوالي نصف قرن، منسجما مع قرارات مجلس الأمن والقانون الدولي، على خلاف ما زعمته الجزائر في بيان وزارة خارجيتها ،الذي ردت فيه على موقف واشطن ،متذرعة مجددا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 بشأن حق تقرير المصير.

تحريف قرارات ومبادئ الأمم المتحدة
وفي مواصلة مسعاها الفاشل لتفتيت وحدة المغرب الترابية،حاولت الجزائر منذ عقود بدون جدوى جرالمجتمع الدولي إلى تبني مقاربتها القائمة على تحريف مبادئ وقرارات الأمم المتحدة، بتمسكها باستفتاء تقرير المصير،المبني على عملية تحديد الهوية،الذي اعترفت الأمم المتحدة بصعوبة تنظيمه في الصحراء ،داعية إلى البحث عن حل سياسي للنزاع،علما أن آلية الاستفتاء لم ترد في القرارات 1514، و 1541 و 2625، للجمعية العامة الأممية.
وأسقط الموقف الأمريكي رهان النظام العسكري الجزائري ،من خلال سفيره في واشنطن صبري بوقادوم ،على إمكانية الحد من دعم واشنطن لمشروعية الموقف المغربي ،بإغرائها بأن التعاون مع الجزائر في الاستخبارات وصفقات الأسلحة والمعادن النادرة وغيرها من القطاعات وفي منطقة الساحل"حده الأقصى هو السماء"،متجاهلا أن انكسار أطروحته أمام مد الدعم الدولي الداعم لوحدة المغرب الترابية،ناتج على واقع جيوسياسي صلب قوامه أن المغرب دولة محورية في المنطقة ،تخدم ،بتنوع شراكاتها وحرصها على الدفاع عن مصالح القارة الإفريقية ،أوفاق السلم والتنمية والاستقرار، مما جعلها مخاطبا ذا مصداقية لدى معظم الدول.
وتزامن تجديد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على صحرائه، مع تزايد عزلة النظام الجزائري وتآكل نزعته للهيمنة على دول الجوار، بالأزمة المتفاقمة في علاقاته مع مالي، التي اتهمته بدعم الإرهاب ضد أمنها الوطني وسوء علاقاته مع النيجر وبوركينا فاسو وقيادة الشرق الليبي.
لقد أصبحت مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء ضمن السيادة المغربية حقيقة دولية. ومن المرتقب أن يتجسد الموقف الأمريكي في مبادرات في اتجاه الأطراف المعنية ومجلس الأمن،للدفع بتكريس مبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا ونهائيا للنزاع المفتعل، مما يضع النظام الجزائري أمام مسؤولية المساهمة في الحل واحترامه وحدة المغرب الترابية لفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين والمنطقة أو ملاحقة الأوهام ،كما حدث طيلة نصف قرن.

 


*حسن عبد الخالق، سفير سابق