السبت 19 إبريل 2025
سياسة

لماذا أصبحت الأغلبية الحكومية تلبس جلباب المعارضة؟

لماذا أصبحت الأغلبية الحكومية تلبس جلباب المعارضة؟ أمناء أحزاب الأغلبية الحكومية

خلال مراحل الحكومة الأولى التي قادها حزب العدالة والتنمية عقب المصادقة على دستور 2011، كان عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، يدافع عن حصيلة حكومته طيلة أيام الأسبوع، لكن في "الويكاند" كان له رأي آخر، حيث يتحدث عن "التماسيح والعفاريت" ويتحول إلى أشد المعارضين. مراقبون كثيرون كانوا يعتقدون أن هذا الأمر سيتوقف مع حكومة بنكيران، لكنه تجدد من جديد مع حكومة أخنوش، وخاصة مع الخرجات الأخيرة لنزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، حيث بدأت بعض الأصوات تتحدث عن قاموس جديد في ممارسة السياسة بالبلاد، وهو "المعارضة من داخل الحكومة". فهل هذا التحول في الحياة السياسية يعد تمرينًا ديمقراطيًا ويؤكد أن لكل حزب استقلاليته، وأن التحالف الحكومي لا يعني انصهار الأحزاب في بوتقة واحدة؟ أم أن الأمر يتعلق بـ"تشرميل" سياسي سيزيد من حدة العزوف عن الممارسة السياسية والمشاركة في الانتخابات، ويعمّق إشكاليات انعدام الثقة في الأحزاب؟

 

جمال كريمي بنشقرون، عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، أكد أن قضية المعارضة من داخل الحكومة مسألة حديثة وغريبة في العمل السياسي في بلادنا، لأن الأصل هو الانسجام الحكومي الذي لا بد أن يكون حاصلًا. وأضاف أن الأغلبية الحكومية عندما تتشكل، يجب أن تدافع عن البرنامج الحكومي الذي نالت على إثره ثقة البرلمان، وأن الأحزاب المشكلة لها ملتزمة بالخط السياسي حتى تعطي للسياسة معناها النبيل، وذلك من خلال الدفاع الجماعي عن ما تقوم به الحكومة من أعمال، دون أن تنتقد أطرافًا داخلها بعضها البعض، أو يتم التنكر أو التنصل من التزامات أو اتفاقات في هذا الاتجاه.

 

وقال بنشقرون: "ما نلاحظه يثير الشفقة والاشمئزاز، وبات غير مرغوب فيه، لأنه أضر بالحياة السياسية، ورفع منسوب انعدام الثقة في العمل السياسي والأحزاب السياسية، ويكرس العزوف السياسي والانتخابي. وهذا أمر خطير على العملية الديمقراطية برمتها، ويؤدي إلى الإخلال بالقواعد السياسية النبيلة، حيث من يقوم بالمعارضة يجب أن يحرص على ذلك، ومن يوجد في الأغلبية عليه أن يبقى في موقعه. هناك عمل أسبوعي للحكومة بشكل عادي، وفي نهاية الأسبوع تتم عملية التراشق".

 

وأوضح أن هناك فرقًا كبيرًا بين الولاية الحكومية التي ترأسها عبد الإله بنكيران وبين هذه الولاية، فالأولى كان فيها صراع سياسي واضح، وكان هناك تكتل لإبراز البديل استعدادًا للانتخابات، وكان النقاش مرتبطًا بالتموقعات السياسية بعد التحالف الحكومي الذي كان آنذاك مشكلًا بقيادة حزب العدالة والتنمية لأول مرة في التاريخ. أما اليوم، فهناك سباق محموم بين الأحزاب الثلاثة لمعرفة من سيترأس حكومة "المونديال"، وأمام غياب سياسة اجتماعية واقتصادية منتجة ومقنعة للرأي العام، يسعى كل حزب في التحالف الحكومي إلى الخروج بخطاب معارض، ويُظهر أنه غير راضٍ، مع أنه يتحمل المسؤولية هو الآخر، وذلك من أجل دغدغة مشاعر الناخبين واستمالتهم إلى جانبه في إطار الصراع الثلاثي لرئاسة حكومة "المونديال".

 

بدوره، أكد عبد اللطيف مستكفي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق بالبيضاء، أن المعارضة من داخل الأغلبية تحصيل حاصل لمجموعة من العوامل البنيوية، التي تكمن في تراجع الأحزاب السياسية بالمفهوم التقليدي الذي نعرفه (أحزاب ذات مواقف، أحزاب ذات آراء). فهذه الأحزاب، وفق قوله، كانت تمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة تمكّنها من ممارسة المعارضة بتوازن، سواء داخل المؤسسات الدستورية (البرلمان)، أو من خلال الاحتجاجات أو مؤتمراتها أو العمل النقابي... وكان هناك نوع من التماهي بين المد الجماهيري والتوجه الراديكالي لأحزاب المعارضة آنذاك.

 

وقال المستكفي: "ما يُلاحظ حاليًا هو تراجع دور الأحزاب السياسية في أداء مهمتها بسبب عامل الشيخوخة، وصراع الأجيال، والمكوث في الكراسي، وهو ما أدى إلى انعكاسات على مستوى المعارضة. وأصبحت الممارسة السياسية تتميز بلغة الأرقام، والثلاثية المشكلة من أحزاب الأحرار والاستقلال والبام جاءت على حساب الأحزاب المعارضة. ويتحدث جورج لافو عن الوظيفة المنبرية، حيث أصبح الحديث فقط هو الوظيفة، وليس هناك دور فعلي من أجل الضغط على الأغلبية للرضوخ لمطالبها أو تعديل بعض النصوص القانونية".

 

وأضاف الأستاذ الجامعي أن خروج بعض الأصوات السياسية من داخل الأغلبية يؤوله البعض بالحملة الانتخابية السابقة لأوانها، على اعتبار أن الولاية الحالية على وشك نهايتها، وهناك من يقول إن في إطار التحالف الثلاثي تظهر بعض الأمور التي لا يستفيد منها بعض الأطراف السياسية، ويبدو أن حزب الاستقلال يتعرض لبعض التهميش داخل التحالف، ما يدفعه إلى القيام بهذه الخرجات، كما هو الحال بالنسبة للدعم المقدم لبعض مستوردي الأغنام، خاصة أن الحديث يدور حول مبالغ تتجاوز 10 ملايير من ميزانية الدولة.

 

ودعا إلى إعادة التفكير في العمل الحزبي ومؤسسة الأحزاب السياسية حتى تتمكن من القيام بدورها الأساسي، وأهمه هو دور الوساطة وتأطير المواطنين، دون نسيان بعض أنماط المعارضة التي تخرج من خارج الأحزاب السياسية، والتي نجدها في مواقع التواصل الاجتماعي.

 

من جانبه، أكد يوسف بونوال، قيادي بحزب الحركة الشعبية، أننا أصبحنا نلاحظ داخل الحقل السياسي بالمغرب بعض الممارسات الدخيلة والغريبة على العمل السياسي من بعض الفاعلين، مما أثار كثيرًا من النقاش المصحوب بالذهول والاستغراب. وقال: "في اعتقادي، عندما يلبس مكون أساسي من الحكومة جبة المعارض الشرس، وهو الذي يساهم في تسيير الشأن العام بأغلبية عددية مريحة ومهيمنة على مستوى المجالس الإقليمية والجهوية، فإنه يؤدي - وأعتقد أنه عن غير قصد - إلى بروز بعض الظواهر المسيئة للممارسة السياسية التي تعاني أصلًا من التبخيس والنفور واللا ثقة داخل المجتمع المغربي".

 

وأكد أن هذه الممارسات تفتح بابًا واسعًا وخطيرًا لاستنتاجات يمكن تلخيصها في ثلاث مستويات: أولًا، ممارسة المعارضة من داخل الأغلبية هو إقرار ضمني بفشل البرنامج الحكومي، خصوصًا عندما لا تكون هناك آليات للتصحيح والتصويب بعد هذا التصريح. ثانيًا، المغاربة عندما يستمعون لهكذا خطاب، فإنهم سيصابون بالدهشة والملل وفقدان المزيد من الثقة في الحزبيين والسياسيين. ثالثًا، كثير من خطابات الملك محمد السادس أعطت إشارات قوية وتوجيهات لضرورة إسهام الجميع في تخليق العمل السياسي وإرجاع الثقة، وآخرها الرسالة الملكية بمناسبة الذكرى الستين لأول برلمان بالمملكة، التي أكدت على إحداث مدونة أخلاقيات بقوة القانون.

 

وقال: "تبني لغة المعارض من منبر الأغلبية الحكومية هو تشكيك في ذكاء المغاربة، ويضع كثيرًا من الحطب في نار تلتهم ما تبقى من حبل الثقة في العمل السياسي المؤسساتي". وأضاف: "يمكن أن نتساءل عن توقيت هذه الخرجات ونحن على بعد سنة من بداية التسخينات الانتخابية، وهذا في اعتقادي يكشف عن النيات الحقيقية حيث تطفو الحزبية وتتغلب، في سباق شعاره: أنا الأول، أنا من سيقود حكومة المونديال. حماس قد يكون مشروعًا، نعم، ولكن الظروف الحالية لا تسمح بتبني هذا الخطاب، خصوصًا أن هذه الحكومة لم تصرح بحصيلتها أمام الشعب المغربي، رغم وجود مؤشرات غير مطمئنة مثل ضرب القدرة الشرائية، وتفاقم البطالة، وغياب الأمن الغذائي".

 

هل ما تقوم به بعض أحزاب الأغلبية من داخل الحكومة له علاقة بضعف المعارضة، خصوصًا أن صوت هذه الأخيرة يبدو باهتًا في القضايا المثيرة للجدل؟

 

عبد اللطيف المستكفي، الأستاذ الجامعي، أبرز أن الباحث وليام زارتمان يؤكد على دور المعارضة السياسية في الأنظمة الديمقراطية كآلية أساسية في تكريس التناوب السياسي، بمعنى حلول المعارضة محل الأغلبية، ولهذا علاقة بمسألة مغيبة في العملية السياسية المغربية، وهي العقاب الانتخابي.

 

وأضاف أن المعارضة في المغرب كانت تمارس من قبل أحزاب الكتلة الوطنية، وبعد ذلك الكتلة الديمقراطية، من خلال الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي وحزب الاستقلال. وقد أدخل حزب العدالة والتنمية مفهومين جديدين وهما "المعارضة الناصحة" و"المساعدة النقدية"، إضافة إلى المعارضة غير المؤسسية التي أشار إليها المرحوم عبد الرحمن اليوسفي بـ"جيوب المقاومة"، وعبد الإله بنكيران بـ"التماسيح والعفاريت".

 

وبالنسبة لقيادي الحركة الشعبية، أوضح أنه لا بد من التذكير بأن للمعارضة داخل البرلمان مهام رئيسية، منها اقتراح سياسات بديلة عن السياسات الحكومية، واستعمال الآليات الرقابية التي منحها الدستور لضمان المحاسبة، كما أنها شريكة في الصناعة التشريعية لتجويد القوانين التي تساهم في إيجاد حلول لتحديات التنمية.

 

وأكد أن الفصل 10 من دستور 2011 يضمن للمعارضة حرية الرأي والتعبير والاجتماع والمشاركة الفعلية في مساطر التشريع، وفي مراقبة العمل الحكومي، عن طريق ملتمس الرقابة، والمساءلة، والأسئلة الشفوية، واللجان النيابية لتقصي الحقائق.

 

وقال: "في اعتقادي، وخصوصًا بالنسبة لحزب الحركة الشعبية، فإن عمل الفريقين الحركيين بالبرلمان مهم ومسؤول، دافعه الإصلاح والوضوح. معارضة مواطنة تنتصر للتشريعات التي تخدم العباد والبلاد، بعيدًا عن منطق المعارضة من أجل المعارضة. معارضة تنتصر للوطن. لكن للأسف، هذه الحكومة تستقوي بأغلبية عددية، جعلت الأغلبية البرلمانية تابعة للأغلبية الحكومية، وهذا يشكل تراجعًا خطيرًا عن مبدأ فصل السلط".

 

وأضاف: "عندما تتجاهل الحكومة وأغلبيتها البرلمانية اقتراحات المعارضة، فإنها تفرغ العمل البرلماني من تلك الطاقة الإيجابية التي ترفع لواء الوطن فوق المصالح الحزبية الضيقة".

 

جمال كريمي بنشقرون أكد أن هناك أطيافًا كثيرة في المعارضة، سواء على المستوى البرلماني أو السياسي، وغياب وحدة في التوجه السياسي عمومًا، رغم وجود مبادرات مشتركة تُعتبر خطوة حسنة.

 

وأضاف أن حزب التقدم والاشتراكية يمارس معارضة قوية، ويقدم بدائل وأفكارًا من شأنها أن تدفع بالبلاد إلى الأمام.

 

وقال: "لا يمكن اعتبار الأساليب التي تعتمدها الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية نوعًا من المعارضة، لأن ذلك يعد تطفلًا على دور دستوري مخصص للمعارضة. فالمعارضة دورها انتقاد الحكومة وتقديم البدائل، أما ما يحدث الآن، فهو يسيء للأغلبية الحكومية والمشهد السياسي والحزبي، ويدفع إلى التساؤل: هل هؤلاء السياسيون واعون بخطورة أعمالهم، أم أنهم يحاولون ذر الرماد في العيون ويستبلدون الشعب والناخبين باعتبار أنهم أذكياء والآخرين أغبياء؟"

 

وأكد أن من يتحمل المسؤولية عليه أن يتحملها حتى النهاية، ويقدم الحصيلة والحساب، وينتظر إما العقاب أو الإنصاف. وأن القول بتحقيق إنجازات في 2026 لا معنى له، إذا لم تُنجز الآن، ما دامت الحكومة تملك كل الصلاحيات، وبأغلبية مريحة. وكان من المفترض أن تكون هذه الحكومة أقوى، لكنها باتت حكومة تضر نفسها ووطنها، وتقدم صورة مشوهة، حيث يسعى بعض أطرافها إلى تنمية ثرواتهم على حساب بسطاء الوطن، ويكرسون سياسة "إغناء الغني وإفقار الفقير" في ظل شعار "الدولة الاجتماعية". فلا يعقل أن تخصص الحكومة دعمًا لاستيراد الأغنام، ثم تنتقد هذه الخطوة لاحقًا. فقد كان الأجدر التدخل لوقف هذه السياسة في وقتها. حينما كان حزب التقدم والاشتراكية في الحكومة، كان ينبه إلى الخلل، سواء من داخل الحكومة أو من خلال مهرجانات تواصلية تعتمد سياسة القرب، وتستمع إلى المواطنين وتقدم حلولًا واقعية لمشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية.