الثلاثاء 8 إبريل 2025
كتاب الرأي

محمد بنصديق: من المطالبة بالمساواة إلى التفكك.. كيف ساهمت الحركات النسوية في تدمير الأسرة؟

محمد بنصديق: من المطالبة بالمساواة إلى التفكك.. كيف ساهمت الحركات النسوية في تدمير الأسرة؟ محمد بنصديق
مرحبا بكم في عصر التحرر النسوي، حيث يباع الوهم للمرأة تحت شعارات براقة، وتهدم الأسرة باسم المساواة، لقد نجحت الحركة النسوية وجمعيات حقوق المرأة – ببراعة – في تحرير المرأة من زوجها وأولادها وأسرتها وعائلتها، ومن نفسها في النهاية. فبعد أن كانت الأمومة قيمة مقدسة، والبيت مملكة المرأة، أصبحت المرأة الآن في نظر الحركة النسوية "سجينة المطبخ" و"ضحية الزواج" بفضل خطابها المسموم.

لقد استبدلت الحركات النسوية مفهوم الاستقرار الأسري بمفهوم "التحرر" الزائف، الذي ينتهي غالبا إلى غياب السعادة والطمأنينة. فهل هذا ما كنا نبحث عنه حقا؟

أولا: المساواة أم تخريب الأدوار؟
لطالما رفعت النسويات شعار "المساواة"، ولكن هل سألنا أنفسنا: هل كان هذا حقا ما يحتاجه المجتمع؟ بدلا من السعي نحو التكامل بين الرجل والمرأة، أصبحت الحركة النسوية تروج لفكرة أن الرجل مجرد "زائدة غير ضرورية" في حياة المرأة. فحتى في داخل الأسرة الزوج لم يعد شريكا، بل خصما يجب إسقاطه أو كائنا عديم الفائدة في ظل خطاب "أنا لا أحتاج رجلا". والأبناء، الذين كانوا ذات يوم مصدر براءة وحب، تحولوا إلى عبء يمنع المرأة من تحقيق ذاتها. بل وصل الأمر إلى أن البعض يؤجلون الإنجاب – أو يرفضونه – خوفا من فقدان الحرية. والمرأة نفسها، التي تضغط لتكون قوية مستقلة مثل الرجل، تلام عندما تشعر بالحنين إلى دور الأمومة، أليست هذه المفارقة الكبرى؟

ثانيا: عندما تصبح المعامل والمكاتب ملاذا والبيوت سجونا.
باسم التمكين الاقتصادي، تم بيع فكرة أن قيمة المرأة فقط في سوق العمل، وكأن سنوات التربية والتضحيات لا تساوي شيئا. والنتيجة؟ امرأة تستيقظ قبل الفجر، تترك أطفالها في الحضانة، تعمل 8 ساعات تحت ضغط، ثم تعود منهكة لتواجه أعمال المنزل المتراكمة، لكن كل ذلك يحدث تحت شعار التحرر.

في هذه الأثناء، أصبح الرجل الذي كان ينظر إليه باعتباره معيل للأسرة يتهم بـالتقاعس إذا لم يشارك في غسل الثياب، وإعداد الطعام، وتنظيف البيت، وتغيير حفاظات الأطفال ... بينما تنسب كل إنجازات المرأة إلى نفسها فقط.
ولكن، هل تحققنا حقا من الآثار السلبية لهذا كله؟ الأطفال الذين تربيهم المربيات أو الشاشات، ثم نتفاجأ بانتشار الأمراض النفسية وضعف الروابط الأسرية.

ثالثا: عندما تصبح النسوية استعمارا جديدا.
من الغريب أن تجد معظم شعارات حقوق المرأة المسلمة مكررة من الأجندة الغربية، دون أدنى محاولة لمراعاة الفوارق الثقافية والدينية مع الغرب، النسوية جاءت كنتيجة لتطور اجتماعي غربي، لكننا نحن نستوردها كـحل سحري، بينما نهمل مشاكلنا الحقيقية (مثل الفقر، البطالة، غياب العدالة). تشجع النساء على التمرد على الأزواج، لكن لا أحد يخبرهن أن 80% من المشاكل الزوجية تحل بالحوار، لا بالطلاق.

ثم تأتي الدراسات التي تصور اضطهاد المرأة في الإسلام، بينما تهمش الحقوق التي كفلها الدين (مثل التعلم، الميراث، النفقة، احترام الأمومة، الكرامة والحماية) – هل هذه هي النسوية التي نحتاجها؟

رابعا: عندما تتحول الأنوثة إلى مأساة.
نجحت الحركات النسوية في تحويل صورة الزوجة المخلصة إلى "الخانعة"، بينما تمدح تلك التي تترك زواجها لأتفه الأسباب، تحولت العلاقة بين الجنسين إلى معركة مستمرة، بدلا من أن تكون تعاونا وتكاملا. الرجل أصبح عدوا، والزواج مؤامرة ذكورية. وفي نفس الوقت، يفرض على المرأة معايير مستحيلة، بأن تكون أما مثالية، وزوجة جذابة، وموظفة ناجحة – وإلا فأنت فاشلة. مما يجعلها تميل إلى الوظيفة وتترك الأسرة. فهل هذا هو التحرر الذي نبحث عنه؟

خامسا: حين تكتشف المرأة متأخرة أن الأسرة كانت درعها الواقي.
غالبا لا تدرك المرأة قيمة الأسرة وأهميتها إلا عندما تصل إلى مرحلة الشيخوخة أو المرض. في هذه اللحظات الصعبة، قد تجد نفسها في حاجة ماسة إلى الدعم والمساعدة، لكنها تفاجأ بأنها لا تجد أحدا يمد يده لها. فعندما تكون مريضة أو بحاجة لرعاية، قد تتمنى أن تجد من يقدم لها الدعم، لكنها لا تجد سوى الوحدة. كما قد تتذكر عندما كانت صغيرة كيف كانت الأسرة هي حضنها، وكانت تلتف حولها بالحب والاهتمام. لكنها عندما تصل إلى مرحلة العجز أو المرض، تجد أن هذه الروابط تلاشت.

في مرحلة أخرى من الحياة، قد تكون المرأة قد تجاهلت أو أهملت مسؤولياتها تجاه أسرتها بسبب الانشغال بالعمل أو الحياة الاجتماعية، لتكتشف لاحقا أن تلك الروابط الأسرية التي كانت في البداية هي مصدر قوتها، أصبحت الآن غائبة. فتجد نفسها غير قادرة على الاستفادة من تلك العلاقة التي كانت يوما ما درعا يحميها. وبذلك، تأتي هذه اللحظات المتأخرة لتؤكد لها أن الأسرة هي أساس الاستقرار والدعم في الحياة، وأن غيابها أكبر ندم.

لا أحد ينكر أن المرأة بحاجة إلى حقوقها، ولكن هذا لا يعني أن نضحي بتوازن الأسرة وتكامل الأدوار. لا يجب أن يعني التحرر أننا نكسر كل شيء، العدل هو تقاسم الأدوار بين الزوجين، لا إلغاء دور أحدهما. الأسرة يجب أن تبقى هي الأساس، وليس ساحة تجارب للصراع.

الحرية الحقيقية هي أن تختاري ما يناسبك دون ضغط، عملك أو بيتك أو كليهما. أما التمكين الذي يتسبب في إرهاق المرأة وتفكيك الأسرة، فليس هو الحل.

فهل نصحو قبل أن يتحول "التمكين" إلى تدمير، و"المساواة" إلى فوضى؟
 
•  محمد بنصديق، نقابي وفاعل حقوقي.