الاثنين 31 مارس 2025
مجتمع

الدار البيضاء.. اللقاء التشاوري الثالث للفعاليات المدنية يناقش ورش الحماية الاجتماعية

الدار البيضاء.. اللقاء التشاوري الثالث للفعاليات المدنية يناقش ورش الحماية الاجتماعية جانب من اللقاء
انطلقت فعاليات اللقاء التشاوري الثالث الذي نظمته جمعية "مبادرات تكوين ومرافقة فاعلين القرب" (IFAAP) بالتعاون مع المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، بالدار البيضاء، يوم 23 مارس 2025، في إطار برنامج حياة كريمة وشغل لائق 2022- 2026 بمشاركة 75 فاعلًا مدنيًا وحقوقيًا وأكاديميًا، مع حضور نسائي لافت. كما ضمّ اللقاء ممثلين عن فعاليات مدنية تنشط على مستوى مقاطعات متعددة في إطار ديناميات محلية، بالإضافة إلى صحفيين ونقابيين وشخصيات سياسية ومدنية أخرى.
 
افتتح رئيس الجمعية اللقاء بكلمة ترحيبية، عبّر فيها بالحضور المتنوع، وأكد على أهمية التعاون مع الفعاليات المدنية الأخرى، ممثلة في المرصد المغربي للحماية الاجتماعية والاتحاد المغربي للشغل (UMT)، من أجل تحقيق التكامل بين الرؤى الحقوقية والمهنية في مناقشة قضايا الحماية الاجتماعية.

وفي كلمته التأطيرية، استعرض رئيس الجمعية السياق العام للقاء، موضحًا أنه يأتي استكمالًا لسلسلة من اللقاءات التشاورية التي أطلقتها جمعية IFAAP منذ عام 2022، بهدف خلق فضاء تشاركي لتحليل التحديات المجتمعية واقتراح حلول عملية لها. 

من جهته استهل العربي حبشي، الخبير في السياسات الاجتماعية وممثل الاتحاد المغربي للشغل، مداخلته بالتطرق إلى السياق الوطني الذي يعيشه المغرب، حيث أوضح أن البلاد تواجه أزمات بنيوية متعددة. فالبطالة في ارتفاع مستمر، حيث وصلت إلى 13.6%، أي ما يعادل 1.68 مليون عاطل، مع تفاقم هذه المشكلة بين الشباب وحاملي الشهادات. كما أن التضخم بلغ نسبة 5.8%، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف المعيشة وتآكل القدرة الشرائية للأسر. بالإضافة إلى ذلك، يعمل 60% من القوى العاملة في الاقتصاد غير المهيكل، مما يعيق إدماجهم في منظومة الضمان الاجتماعي. ولا ننسى تداعيات الجفاف التي أثرت بشكل كبير على الأسر، خاصة في المناطق الفقيرة. وأكد السيد حبشي أن هذه الأزمات جعلت من الحماية الاجتماعية ركيزة أساسية لتحقيق التماسك الاجتماعي، مشيرًا إلى أن المادة 31 من دستور 2011 تلزم الدولة بتعميم الحماية الاجتماعية، في حين يسعى القانون الإطار 09.21 (2021) إلى توسيع التغطية الصحية، والتعويضات العائلية، والدعم المباشر للأسر الهشة.
 
ذثم انتقل حبشي إلى الحديث عن التحديات الرئيسية التي تواجه تعميم الحماية الاجتماعية في المغرب، والتي من أبرزها صعوبة إدماج 10 ملايين عامل غير نظامي في منظومة الضمان الاجتماعي، لعملهم دون عقود أو ضمانات اجتماعية. كما أشار إلى خلل آلية الاستهداف، حيث أن اعتماد السجل الاجتماعي الموحد (9.7 مليون مسجل) أدى إلى استبعاد 30% من الأسر الهشة، بسبب اعتماد النظام التصريحي لتحديد الدخل. وتطرق أيضًا إلى هشاشة التمويل، حيث تم تخفيض دعم صندوق المقاصة من 9 مليارات درهم (2023) إلى 4.6 مليارات (2024)، مما أثر سلبًا على الطبقة المتوسطة التي تعتمد على الدعم الحكومي. ولم يغفل الحديث عن تشتت الحكامة، حيث تتعدد المؤسسات المتدخلة دون تنسيق فعال، مع غياب مشاركة المجتمع المدني في صنع القرار. وأشار كذلك إلى تأثير التضخم، حيث أن ارتفاع تكلفة المعيشة جعل الدعم المباشر (500 درهم شهريًا) غير كافٍ لـ4 ملايين أسرة مستفيدة. وأخيرًا، تحدث عن التأثير الدولي، حيث أن شروط البنك الدولي (تمويل 750 مليون دولار) ربطت الإصلاحات بتخفيض العجز، مما عمّق الفجوات الاجتماعية وأضعف شبكات الأمان الاجتماعي.
 
ورغم هذه التحديات، أشار حبشي إلى بعض الإنجازات المحققة في مجال الحماية الاجتماعية، مثل التأمين الإجباري عن المرض AMO تضامن، الذي شمل 11.1 مليون شخص هش بحلول 2024، ووفر لهم تغطية صحية مجانية في المؤسسات العمومية. كما تحدث عن إنجاز السجلات الوطنية، وتخصيص 40 مليار درهم لتمويل برامج الحماية الاجتماعية حتى 2026.
 
وفي ختام مداخلته، تناول حبشي الاختلالات البنيوية التي تعيق تعميم الحماية الاجتماعية، ومن أبرزها غياب الحماية من البطالة وعدم مراعاة النوع الاجتماعي في البرامج، وتضخم التشريعات وتأخر إصدار النصوص التطبيقية، وضعف توزيع الأدوار بين الجهات الفاعلة وغياب الشفافية في تدبير الصناديق، وتحميل الأسر 50% من تكاليف الصحة مقابل تراجع جودة الخدمات العمومية.
 
وشهد اللقاء نقاشًا مستفيضًا وغنيًا، عكس تنوع الخبرات والاهتمامات. وقد أكد الحضور بالإجماع على التناقض الصارخ بين الطموح الدستوري، الذي تجسده المادة 31، والواقع الميداني الذي يشهد تهميش فئات واسعة من المجتمع، كالعمال غير النظاميين الذين يشكلون شريحة واسعة من القوى العاملة، والنساء اللواتي يواجهن تحديات مضاعفة في سوق العمل وفي الاستفادة من خدمات الحماية الاجتماعية، وكبار السن الذين يعانون من هشاشة متزايدة في ظل غياب آليات دعم فعالة. وشددوا على ضرورة تبني رؤية استراتيجية متكاملة تعيد التوازن بين الحقوق الاجتماعية والضغوط الاقتصادية، مع وضع المواطن في صلب السياسات، واعتباره محورًا أساسيًا في أي عملية تنموية.
 
وفي إطار النقد المنهجي، تم التطرق إلى عدة نقاط جوهرية، منها التشخيص غير الشامل الذي تعتمده الحكومة، والذي يركز بشكل مفرط على المؤشرات الكمية، مثل عدد المستفيدين، دون إيلاء اهتمام كافٍ لتقييم أثر البرامج على جودة الحياة، ومدى مساهمتها في تحقيق التنمية المستدامة. كما تم انتقاد إقصاء المجتمع المدني، وغياب مشاركة الجماعات الترابية في تصميم السياسات، مما يفقدها القدرة على الاستجابة للاحتياجات المحلية المتنوعة. وتمت الإشارة إلى تبعية المعايير الدولية، حيث أن تبني توصيات البنك الدولي، مثل التقشف، يزيد من معدلات الفقر بدلًا من تخفيفها، ويؤدي إلى تآكل شبكات الأمان الاجتماعي.
 
أما في إطار النقد التقني، فقد تم تسليط الضوء على الاستهداف المعيب، حيث أن النظام التصريحي لتحديد الدخل يستبعد العمال اليوميين غير القادرين على إثبات دخولهم، مما يتركهم خارج دائرة الحماية الاجتماعية. وتمت الإشارة إلى التمويل المهدور، حيث أن الاعتماد على القروض الدولية يهدد السيادة المالية ويفرض سياسات غير أخلاقية، ويؤدي إلى تراكم الديون وتضييق الخيارات المتاحة للدولة. كما تم انتقاد تفكك القطاع الصحي، حيث أن خصخصة الخدمات الصحية أفقدت النظام العمومي جاذبيته، وأدت إلى تدهور جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
 
وقد تم تقديم مجموعة من المقترحات التحسينية، منها إعادة هندسة الاستهداف باعتماد منهجية "الفقر متعدد الأبعاد"، التي تأخذ بعين الاعتبار مختلف جوانب الفقر، مثل الدخل والصحة والتعليم والسكن، وتعزيز الرقابة بإلزام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنشر تقارير مالية مفصلة تخضع لمراجعة المجلس الأعلى للحسابات، لضمان الشفافية والمساءلة، ودمج النوع الاجتماعي بتصميم مؤشرات جندرية لقياس استفادة النساء من برامج الحماية الاجتماعية، وتوسيع برامج رعاية الأطفال لتخفيف العبء عن الأمهات، وإصلاح الصحة العمومية بربط تمويل المستشفيات بمعايير الجودة، وإعادة توزيع الأطباء بين الجهات لضمان العدالة في الحصول على الخدمات الصحية.
 
في مداخلة ملهمة، سلط  كمال لحبيب، ممثل المرصد المغربي للحماية الاجتماعية، الضوء على الدور الحيوي الذي يضطلع به الفعل المدني في تحقيق التغيير المنشود، مشددًا على أن هذا الدور لا يمكن أن يؤتي ثماره إلا من خلال تعبئة قاعدية واعية ومسؤولة. وأوضح أن الفاعلين المدنيين مطالبون بفهم معمق للملفات المطروحة، والتمكن من أدوات التوعية والتعبئة والترافع، بما يمكنهم من إحداث تأثير ملموس على أرض الواقع.
 
وأكد لحبيب أن تكريس روح العمل الجماعي والابتعاد عن النزعات الفردية يشكلان ركيزة أساسية للاستجابة الفعالة للتطلعات المجتمعية في مجال الحماية الاجتماعية. كما حذر من مخاطر الاكتفاء بدور المتفرج أو الناقد السلبي، حيث لا يؤدي ذلك سوى إلى تعقيد التحديات بدلاً من الإسهام في إيجاد حلول مبتكرة وناجعة.
 
ورغم إقراره بجرأة المداخلات التي قدمها المشاركون، والتي تعكس بوضوح معاناة الواقع المعيش، دعا السيد لحبيب إلى ضرورة الانتقال من التشخيص إلى الفعل، من خلال عمل منظم يستند إلى برامج عملية قابلة للتنفيذ. وأبرز أن أي خارطة طريق ناجحة يجب أن تستند إلى تشخيص دقيق للواقع، وإلى مخططات عمل طموحة لكن واقعية، مع الحرص على إشراك جميع الفاعلين المعنيين، سواء كانوا مؤسسات حكومية، منظمات مجتمع مدني، أو فاعلين اقتصاديين واجتماعيين.
 
وفي ختام مداخلته، شدد السيد لحبيب على أن "لا يوجد غريم في التنمية، بل يوجد حلفاء"، مؤكدًا أن قدرة الفاعل المدني على الإقناع والتفاوض تظل الوسيلة الأنجع لمواجهة التحديات وتحقيق الأهداف المنشودة.
 
كما قدم لحبيب مجموعة من التوصيات التي اعتبرها بمثابة خارطة طريق لتعزيز دور المجتمع المدني في تحقيق الحماية الاجتماعية، حيث ركزت توصياته على المحاور التالية:
 - تعزيز الأدوار الترافعية للمجتمع المدني
- تنظيم حملات ضغط فعالة تدفع صناع القرار إلى تبني سياسات حماية اجتماعية عادلة وشاملة.
- رفع مستوى الوعي لدى المواطنين بحقوقهم الاجتماعية، وتعزيز ثقافة المشاركة الفاعلة في القضايا المجتمعية.
- إعداد دراسات وأبحاث معمقة حول قضايا الحماية الاجتماعية، وتقديم توصيات تستند إلى أدلة واقعية وبيانات دقيقة.
- المساهمة في تطوير الإطار التشريعي
- تقديم مقترحات وتعديلات قانونية مبنية على احتياجات المواطنين وتجاربهم الفعلية.
- الدفع نحو تبني قوانين تضمن حقوق الفئات الهشة، وتوفر حماية اجتماعية شاملة وفعالة.
- تحسين الحكامة والرقابة الشعبية
- مراقبة أداء المؤسسات المعنية بالحماية الاجتماعية، وضمان شفافيتها من خلال إصدار تقارير دورية ونشر المعلومات للمواطنين.
- تعزيز دور المجتمع المدني في ضمان التنسيق الفعال بين مختلف الفاعلين، وإشراكه في صنع القرار.
- تعزيز الصحة العمومية
- نشر الوعي حول أهمية الصحة العمومية وسبل الاستفادة من خدماتها.
- إجراء جرد خرائطي للقطاع الصحي في الأحياء، بما يمكن من تحديد مواطن الضعف والمطالبة بتحسين البنية التحتية والخدمات الصحية.
- دمج الفئات الهشة في السياسات العامة
- إعداد دراسات معمقة حول احتياجات الفئات الهشة، واقتراح برامج تلبي متطلباتهم.
- الضغط من أجل تصميم وتنفيذ سياسات وبرامج تراعي خصوصيات هذه الفئات، وتسهم في تمكينهم اقتصاديًا واجتماعيًا.

 
من جهته قدم حسن ضفير، المنسق العام للجمعية خلاصة شاملة لأهم ما تم تداوله في اللقاء. وأكد أن ثراء النقاش وتنوع المداخلات يصعب معه تقديم تلخيص نهائي، لكنه شدد على ضرورة استخلاص أهم النقاط التي طرحها المشاركون، سواء من المنصة أو من الحضور. وأكد أن برنامج العمل مع الديناميات المحلية سيستفيد بشكل كبير من هذه المعطيات القيمة، مؤكدًا أن العمل الجماعي يبقى هو السبيل الأمثل لتحقيق التغيير المنشود.
 
وفيما يتعلق بتعزيز الإرادة السياسية، أكد ضفير على الدور المحوري الذي يمكن أن يلعبه الفاعل الجمعوي في هذا المجال، من خلال تنظيم حملات ترافعية للضغط على صناع القرار لتبني سياسات حماية اجتماعية شاملة وعادلة، ونشر الوعي بأهمية الحماية الاجتماعية وحقوق المواطنين، وإجراء دراسات وأبحاث لتقديم توصيات مدعومة بالأدلة.
أما في مجال تحسين الحكامة، فقد تم التأكيد على قدرة المجتمع المدني على تعزيز الرقابة الشعبية من خلال مراقبة أداء المؤسسات المعنية بالحماية الاجتماعية، وضمان شفافية عملها، ونشر التقارير والمعلومات للمواطنين، مما يساهم في مشاركة مدنية فعالة في وضع السياسات والبرامج، ويعزز المطالبة بآليات تنسيق فعالة بين المؤسسات.

 
وبخصوص تعزيز الصحة العمومية، فقد تم التشديد على أهمية مساهمة المجتمع المدني في نشر الوعي بأهمية الخدمات الصحية العمومية، وإجراء دراسات ميدانية للقطاع الطبي في الأحياء، مما يدعم المطالبة بتحسين البنية التحتية للمؤسسات الصحية وتوفير الموارد اللازمة لتقديم خدمات عالية الجودة.
 
وفيما يخص دمج الفئات الهشة، فقد تم التأكيد على الدور المحوري للمجتمع المدني في إجراء دراسات حول احتياجات هذه الفئات، وتقديم مقترحات لبرامج تلبي هذه الاحتياجات، والمطالبة بتصميم برامج خاصة تراعي خصوصياتهم.
 
واختتم العربي الزاهدي، رئيس جمعية IFAAP، فعاليات اللقاء التشاوري الثالث، مؤكدًا على الأهمية القصوى لتعزيز العمل المشترك وتكثيف جهود الديناميات المحلية في مختلف أحياء الدار البيضاء. وشدد على أن العمل التشاركي المنفتح، الذي يستشرف المستقبل، هو السبيل الأمثل لتحقيق التغيير الإيجابي المنشود في مجال الحماية الاجتماعية.