ما أغرب هذه الحالة (!!!) فبمجرد ما ينخرط الباحثون والدارسون، المنتمون لمختلِفِ مجالات علم الاجتماع، في دراسة الظواهر الاجتماعية والسلوكية لدى الأفراد والجماعات من مختلِف الشعوب والأمم، يُلفي هؤلاء الباحثون والدارسون أنفسهم بإزاء ظواهر فريدة لا يوجد لها مثيل في كل ما أستكشفه علماء الاجتماع على امتداد تاريخ هذا العلم الإنساني، منذ بشّر به عبد الرحمن بن خلدون (بين 1332 و1409للميلاد)، ثم بعده بنحو خمسين وأربعمائة سنة (450) كل من "أوغيست كونت" و"دور كايم" (بين 1798 و1807)، اللذان نسب المؤرخون الغربيون إليهما اكتشاف علم الاجتماع ظلماً وعدواناً!!
كنت أقول إن الباحثين والدارسين يجدون أنفسهم أمام ظواهر في غاية الغرابة لا تنشأ ولا تفرّخ إلى عند جارتنا الشرقية، التي يبدو أن رَحِمها يعاني من خصوبة مفرطة في إنتاج كل أشكل المسخ في الفهم والقول والسلوك!!
الذي ينبغي أن نقف عليه، جميعاً، هو أن كل الظواهر الاجتماعية غير السليمة والمَرَضية والسلبية يمكن أن يجد لها الأخصائيون علاجاً بطريقة أو بأخرى، ماعدا الظاهرة الناشئة في المشاتل الجزائرية... كيف ذلك؟..
هذا بالذات هو السبب في عودتي من جديد إلى موضوع بتّ أكن له كل الاستهجان لأنني بمجرد استحضاره يثير في شخصي المتواضع ضرباً من المشاعر يصعب تحديد جوهره، إذ هو خليط بين السخرية والرثاء والقرف والاشمئزاز
وكذلك شيء من الذهول المشرئِبّ إلى مرتبة الانبهار... وإليكم السبب في هذه الواقعة:
منذ بدء شهر رمضان، شرعت المملكة العربية السعودية في استقبال جحافل المعتمرين من كل أنحاء المعمورة، ومن بين هؤلاء، بطبيعة الحال، معتمرون من الجزائر... وهذا أمر طبيعي إلى أن يثبت عَكْسُه.
غير أن الذي يستحيل أن يكون طبيعياً ويصعب بالتالي وصفُه بالأمر الطبيعي، هو ذلك السلوك المتجذّر في عمق الشخصية الجزائرية، والذي يجعل حجاج ومعتمري ذلك البلد يشكّلون نشازاً بين كل زوار البيت العتيق، لأنهم بدايةً، درجوا على استبدال التلبية أثناء الطواف بالكعبة، وما يصاحبها من الأدعية، بشعارات مضحكة مبكية، مثل "وان تو ثري فيفا لَلْجيري"، وأدعية من قبيل "اللهم انصر الجزائر"... "اللهم ارحم الجزائر"... "اللهم أعن الجزائر"... "اللهم اجعل راية الجزائر الخضراء بهيّة خفاقة"... وأيضاً: "اللهم احفظ عمي تبون"... "اللهم انصر عمي تبون"... وكل ذلك وجميعُهم يلوّحون حول الكعبة بالأعلام الجزائرية والناس من حولهم يُلَبّون ويكبّرون... وبذلك يشكل جزائريو الحج والعمرة مشهدا غير مشبوه مطلقاً بين مجموعات حجاج البيت من أهالي باقي بلدان العالم، الذين لا يميّزهم المرء إلى من خلال ما قد يضعونه على رؤوسهم من عمامات أو طاقيات أو قبعات تحمل ألوان أعلامهم الوطنية أو ألواناً ترمز إلى صناعاتهم التقليدية وتراثهم الثقافي العتيق، وغالبا ما يذوبون داخل اللحمة البشرية الطائفة بلا أدنى علامات أو ألوان مميِّزة، أما أصواتهم فتصدح بالتلبية فقط لا غير، وأحياناً ببعض الأدعية التي يرددها الداعون منهم بما يشبه الهمس والهمهمة!!
ولأن الخير الجزائري لابد أن يتزايد كالعادة ويتكاثر ويتناسل في كل الاتجاهات، فقد صاحب هذا النوع من السلوك، الذي لا يمكن أن يوصف إلا بالمَرَضي والناشز، سلوكٌ آخر يعتبَر هو الآخر جزائريا بامتياز، وهو الشِّجار لغيرما سبب، وتَطوّرُ ذلك إلى الضرب والجرح العمد، وانتهاؤه في حالات غير قليلة إلى مخافر الشرطة وأحيانا إلى الطرد خارج البلاد، وربما عُرِض بعض تلك الحالات على أنظار القضاء السعودي اضطراراً وليس اختيارا!!
المعضلة، الآن بالذات، وفي هذا الموسم الرمضاني تحديداً، أن السلطات السعودية ضاقت ذرعاً بهذه الظاهرة الاجتماعية والسلوكية والأخلاقية الجزائرية، فعمدت هذه المرة إلى التضييق في شروط منح التأشيرة للجزائريين، ثم إرفاق ذلك بإرغام كل من يحمل الجنسية الجزائرية على إضافة شهادة طبية تُثبِت السلامة الغقلية والتوازن النفسي والسلوكي للوافد الجزائري ذكرا كان أو أنثى... وهو الأمر الذي انتشر خبره يميناً وشِمالا، فتلقفته إدارات الفنادق المصنفة، فأصدرت هي الأخرى قراراتها بعدم استقبال الوافدين من ذوي الجنسية الجزائرية، وبذلك، وابتداءً من هذا الموسم الرمضاني بالذات، لم يعد أمام حجاج الجزائر ومعتمريها سوى فنادق الدرجات الدنيا، وبعض الشقق المفروشة التي يؤجّرها الهنود المقيمون بالديار السعودية بقصد التجارة او العمل، وهذه في معظمها عبارة عن مساكن جد متواضعة، وبتجهيزاتٍ أكثر خصاصاً وتواضُعاً، فضلا عن بُعدها الشديد، والقياسي أحياناً، عن الأماكن التي يمارس الوافدون فيها مناسكهم... فتأمّلوا معي هذه الحالة، الجزائرية بكل المقاييس، والتي لن يجد الباحثون والدارسون لها نظيرا في كل بقاع العالم!!
الظاهر عِلمياً أنه لا شفاء يُرجى لأجيال تفوق الأربعة أو الخمسة تمت تربيتها على هذه "النفخة الخاوية" كما ربّى الباغيةُ هتلر شباب ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، من بنات وأبناء "بروسيا" القديمة!!
فهل نقول إن جيراننا يداعبهم نفس الحلم النازي، على الصعيد المغاربي على الأقل؟.. وأن المغرب تحديداً هو البلد الوحيد الذي وضع الشوك الأكْدَى والعائق الأشد ارتفاعاً واستحالةً في طريقهم كما فعلت روسيا البلشفية في طريق العنترية النازية وهي في منتهى القوة والجبروت؟!
أعتقد أن الأمر فعلاً يسير على ذات النحو وذات الاتجاه... والأيام بيننا يا "كَفَرَةَ قريش المغرب الكبير"!!!
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي