أثار خبر إعفاء الكاتب العام للوزارة، يونس سحيمي، موجة من ردود الفعل الرافضة، خاصة أن الأخير لعب دورا محوريا في إدارة الحوار القطاعي المتعلق بتنزيل النظام الأساسي الجديد لموظفي القطاع. ولم يمض على تعيين الوزير سوى ستة أشهر حتى دخل في سلسلة من الإعفاءات التي أثارت جدلا واسعًا داخل الأوساط النقابية والتربوية.
قبل قرار الإعفاء، تعرض سحيمي لسحب تفويض إدارة الحوار القطاعي، رغم إشادة النقابات بمنهجيته التواصلية وحنكته التفاوضية التي ساهمت في إحراز تقدم في عدد من الملفات العالقة. غير أن هذا التقدم لم يرق للبعض، حيث بدأت تحركات غير مفهومة أفضت إلى تهميش دوره، قبل أن يتم تعيين ثلاثي جديد لقيادة الحوار.. أصدر حضور الكاتب ضمنها شكليا..
تدبير ثلاثي للحوار لم يؤد إلا إلى مزيد من التعقيد، إذ سارعت النقابات إلى تعليق جلسات الحوار، معتبرة أن الوزارة تراجعت عن اتفاقات سابقة، واصفة الجلسات بغير الجدية والترجعية. نتج عنها حالة من الجمود، بدلا من التدخل لحل الأزمة، وخلاف كل التوقعات فاجأ الوزير الجميع بقرار إعفاء الكاتب العام، ما أثار ذهولا وقلقا واسعا.
ربطت بعض التحليلات هذه الإعفاءات بالصراعات السياسية بين مكونات الحكومة، خاصة أن "التسخينات" الانتخابية بدأت صداها تطفو مبكرا، مما يؤكد فرضية أن أطرافا معينة ترمي إلى محاولة إحكام السيطرة على مواقع القرار داخل الوزارة. في المقابل، يرى آخرون أن الأمر لا يتعلق فقط بحسابات سياسية، بل هو نتيجة لصراع نفوذ داخل الوزارة نفسها، حيث تتجاذب المواقع والمسؤوليات في كواليس التدبير.
أجمعت فعاليات نقابية وتربوية على رفض الإعفاء، معتبرين أن الرجل أثبت كفاءته التدبيرية والتواصلية، كان ينبغي أن يحظى بالدعم بدل الإقصاء. كما انتقدت العديد من الأصوات الطريقة التي يدير بها الوزير المرحلة، حيث بدا أن قراراته لا تستند إلى أسس واضحة للحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، في ظل غياب تقارير افتحاص أو تفتيش تبرر الإعفاءات التي اتخذها.
يثير توقيت الإعفاء تساؤلات عدة حول مدى وجاهة القرار، خصوصا أن الوزير لم يكمل بالكاد ستة أشهر في منصبه. فهل هذه المدة كافية لتقييم أداء مسؤولين كبار داخل الوزارة واتخاذ قرارات جذرية مثل الإعفاء؟ أم أن هذه التحركات جاءت بناء على اعتبارات أخرى غير مرتبطة حصريا بالكفاءة والأداء؟
ما يثير القلق هو أن هذه القرارات تأتي في ظرفية حساسة تمر بها المنظومة التعليمية، حيث كان من المفترض أن تركز الوزارة على تنزيل الإصلاحات والاستجابة لانتظارات الفاعلين التربويين. إلا أن ما يحدث حاليا قد يؤدي إلى مزيد من الاحتقان، خصوصا إذا استمر هذا النهج في التدبير.
فهل نحن أمام قرارات مرتبطة بتصفية الحسابات السياسية داخل الحكومة؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه صراعا داخليا بين كبار أطر الوزارة؟ وهل ستساهم هذه القرارات في تحسين أداء القطاع أم أنها ستزيد من حالة الجمود؟ والأهم، هل يمكن لوزير جديد في ظرف ستة أشهر فقط أن يبني قراراته على أسس معقولة ومنصفة؟ أسئلة تبقى مفتوحة إلى حين ظهور مؤشرات تكشف خلفيات هذه القرارات المثيرة للجدل.