بخصوص ضحايا سجون الرشيد من الملفات التي أثارت الانتباه في لحظات مبكرة بمخيمات تندوف لأنه الفترة الزمنية التي استهدفت فيها البوليساريو هؤلاء الضحايا كانت فترة مبكرة جدا مرتبطة أو متزامنة مع افتعال نزاع الصحراء، لأننا نتحدث عن منتصف السبعينات وإلى حدود نهاية الثمانينات، يعني مدة خمسة عشر سنة مارست البوليساريو انتهاكات جسيمة وجرائم في حقّ الصحراويين التي كانت نسبة كبيرة منهم اليوم، ما يزال مختفيا ومجهول المصير، ونسبة أخرى توفيت تحت التعذيب، وفي ظروف غامضة، وفئات أخرى أطلق سراحها في حال صحية يرثى لها بكل ما للكلمة من معنى. فهذا الملف بالمنطقة يعتبر من بين أهم الملفات الحقوقية الذي يثار على الصعيد الدولي.
بالنسبة للضحايا هناك قصص وجرائم، خاصة خلال الفترة الأخيرة، أي بعد 2019 ، خصوصا أنّ وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورا كبيرا جدّا في إثارة انتباه العديد من المهتمين، خصوصا من المغاربة، ومن أبناء الأقاليم الجنوبية وكذلك من ساكنة مخيمات تندوف، لأن وسائل التواصل الاجتماعي شكلت منصة حقيقية التي أثار فيها الضحايا موضوعهم وتحدثوا عن وقائع وأثاروا قصص حقيقية كانت أليمة وأليمة جدّا.
مسؤولية الجزائر تابتة
مسؤولية الجزائر تابتة
وبغض النّظر عن موضوعهم، هناك محور آخر مهمّ وهو مسؤولية الجزائر، وعلى لسان هؤلاء الضّحايا تحدثوا على أنه من بين أسباب ارتكاب البوليساريو لهذه الجرائم، وهو محاولة سيطرة مجموعة تابعة للجزائر على المخيمات وسيطرتها على البوليساريو وتدبيرها لملف الصحراء انطلاقا من المخيمات، وكانت دائما الجزائر تهدف إلى إزاحة الأسماء أو الأبناء الصحراء اللي ممكن لا تثق فيهم لانطلاق المشروع الحقيقي الذي تقوده الجزائر وتقدم البوليساريو كأداة. وبطبيعة الحالة العناصر التي يتم توظيفها في هذا الملف كانت عناصر تختار بتركيز شديد جدا من الجزائر لذلك تم استهداف الصحراويين الذين لا يمكن لهم أبدا قبول البقاء بصفة مستمرة في المخيمات، واستهداف الصحراويين الذين يرفضون احتكار بعض الأسماء التي لا تنتمي إلى الصحراء، والتي تنتمي إلى جنوب الجزائر وموريتانيا وتشاد ومناطق أخرى من خارج الصحراء، ولا ينتمون كذلك إلى هذا التاريخ وليسوا جزءا من التاريخ الذي جمع الصحراويين بالمغاربة. لذلك كان الاختيار والاستهداف بعناية وبتركيز شديد، ثم هذا الاستهداف شمل فئات كبيرة، منها النّساء والرجال ولأطفال ، ومنها كذلك عائلات مجموعة. وكانت ترتكب في حقهم جرائم فظيعة، من بينها التّعذيب حتى الموت، ودفن الأحياء في المقابر، وسلخ الجلد ببعض الوسائل والأدوات التي يخجل الإنسان من ذكرها، وعبر جرائم غير أخلاقية.
واستهداف هذه الفئات كما جاء على لسان الضّحايا من خلال سردهم وقصصهم يستهدف الشباب منها بصفة كبيرة جدا. فكان هناك محاولة للقضاء على فئة الشباب في المخيمات، حيث كان البوليساريو بدعم الجزائر ترى على أنه بمثابة العنصر المهم من أجل الاستمرارية، ولاحظنا كيف أنه في النصف القرن الأخير سيطرت نفس الأشخاص منذ السبعينيات إلى اليوم نفس الأشخاص التي تقود البوليساريو ونفس القيادات، وهذا يحيلنا إلى المخطط القديم الذي ذهب ضحيته هؤلاء الضحايا.
على الصّعيد الدولي، هذا الملف من الناحية الأولى لم يلق الاهتمام المهم جدّا والاهتمام الذي من الممكن أن يعيد للضحايا حقوقهم، وأهم من ذلك أن تكون البوليساريو والجزائر مسؤولتين على الصعيد الدولي وأمام القضاء الدولي.
متورّطون على رأٍس القائمة؟
تابعنا بعض الجمعيات الحقوقية، وأهمها الائتلاف الصحراوي للضحايا سجون رشيد وتابعنا كيف أن هؤلاء الضحايا استطاعوا على مستوى القضاء الإسباني أن يتابعوا بعض الأسماء، وأهمّهم إبراهيم غالي حينما يعني أحيل على المحكمة بتهم القتل والاغتصاب والتعذيب في المخيمات. وكانت من المراحل المهمة جدا إحالة إبراهيم غالي، لأنه على رأس القائمة، ولكن لا زال العديد من الأسماء القيادية مطلوبة، أولا في القضاء الإسباني، وثانيا على مستوى مجلس حقوق الإنسان بجنيف وبشكل سنوي يثار موضوع ضحايا حقوق الإنسان، وتذكر قيادات البوليساريو كلها اليوم وأهمها يعني القيادات التي تحكم، لكن لا زال تفاعل المنتظم الدولي لم يرقى إلى المطلوب بما أننا نتحدث عن ملف حقوقي وجب على كل الهيئات الدولية التنديد بما يحدث.
ما المطلوب فعله لمحاسبة الجزائر؟
ما المطلوب فعله لمحاسبة الجزائر؟
مؤخرا، دخلت بعض المنظمات الإسبانية ومنظمات من النّرويج، ومن السويد، ومن فرنسا، تحدثت على أنه من الممكن أن تحدث هناك لقاءات مع الضحايا وبدأ الائتلاف الصحراوي لضحايا سجن الرشيد لقاءات في إسبانيا، آخرها كان هناك ندوة بمدينة “ملاكا” بحضور قضاة ومحامين وحقوقيين دوليين، وكذلك على مستوى المغرب، حيث تابعنا مؤخرا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي عقد ندوة بشراكة مع الائتلاف الصحراوي لضحايا سجن الرشيد وأثير هذا الموضوع. فكانت هناك مخرجات إيجابية تتعلق بمتابعة هذا الملف على الصعيد الدولي، كما أثير هذا الموضوع لدى عدد من المنظمات الدولية الحقوقية.
لا بدّ من التنسيق الحقوقي لمحاسبة الدولة الجزائرية والمرافعة بشكل مؤثّر لبذل مجهود كبير والنّبش في الذاكرة، خاصة ذاكرة ما تعرض له الضحايا على أرض الجزائر، مع تحديد مسؤولية الجزائر، عبر عدم اهتمامها بإحصاء سكان مخيمات تندوف وعدم توفير أجواء الأمن وتنزيل القوانين والتدبير بشكل محكم حتى لا يتعرض الصّحراويون لما تعرّضوا له من انتهاكات، وكذا السّماح للبوليساريو بممارسة السلطة خارج القانون.
كما أنه لا بد أن يكون هناك للإعلام دور من أجل الضغط ونقل الحقيقة للعالم عبر قصص حيّة للضّحايا، وهو ما سيحرج الجزائر دوليا، وسيدفعها إلى الاستسلام للأمر الواقع وتحاسب البوليساريو من جهتها، إبانها سيكون لها موقف مختلف عما كانت عليه من ذي قبل، فالسياق الحقوقي للضغط على الجزائر سيؤثر بشكل كبير لتبيان الحقيقة، والمنظمات الصحراوية الدولية تحتاج إلى تنسيق وتوحيد الجهود في هذا الاتجاه.