الأحد 9 مارس 2025
كتاب الرأي

فتحي برادة: أسباب مختلفة تدفع المرضى إلى الصيام رغم الترخيص

فتحي برادة: أسباب مختلفة تدفع المرضى إلى الصيام رغم الترخيص فتحي برادة
يرفض‭ ‬بعض‭ ‬المصابين‭ ‬بأمراض‭ ‬مزمنة‭ ‬الإفطار‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬رغم‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬رخصة‭ ‬شرعية،‭ ‬وذلك‭ ‬لأسباب‭ ‬متعددة‭ ‬تتعلق‭ ‬بالجوانب‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭. ‬وفقا‭ ‬لعلم‭ ‬الاجتماع،‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العوامل‭ ‬التالية:
البعد‭ ‬الديني‭ ‬والروحي،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الصيام‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬كفريضة‭ ‬تعزز‭ ‬الشعور‭ ‬بالالتزام‭ ‬الديني‭ ‬والتقرب‭ ‬إلى‭ ‬الله،‭ ‬لذا‭ ‬يشعر‭ ‬بعض‭ ‬المرضى‭ ‬أن‭ ‬الإفطار‭ ‬يقلل‭ ‬من‭ ‬قيمتهم‭ ‬الروحية،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لديهم‭ ‬عذر‭ ‬شرعي‭.
 
‬ثانيا،‭ ‬تلعب‭ ‬الضغوط‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬الوصم‭ ‬دورا‭ ‬سلبيا‭ ‬على‭ ‬نفسية‭ ‬المرضى‭. ‬ففي‭ ‬المجتمعات‭ ‬المسلمة،‭ ‬يعتبر‭ ‬الصيام‭ ‬سلوكا‭ ‬اجتماعيا‭ ‬عاما،‭ ‬وقد‭ ‬يشعر‭ ‬المريض‭ ‬بالحرج‭ ‬أو‭ ‬بالضغط‭ ‬النفسي‭ ‬إذا‭ ‬أفطر،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مرضه‭ ‬ظاهرا‭ ‬للآخرين‭. ‬هناك‭ ‬أيضا‭ ‬عامل‭ ‬التحدي‭ ‬الشخصي‭ ‬والإرادة،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المرضى‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬الصيام‭ ‬تحديا‭ ‬شخصيا‭ ‬وإثباتا‭ ‬لقدرتهم‭ ‬على‭ ‬مقاومة‭ ‬المرض،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬يعرض‭ ‬صحتهم‭ ‬للخطر‭. ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬عامل‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬كبيرا،‭ ‬إذ‭ ‬ينمو‭ ‬الأفراد‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬الصيام‭ ‬جزءا‭ ‬أساسيا‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الدينية‭ ‬والثقافية،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬التخلي‭ ‬عنه‭ ‬صعبا،‭ ‬حتى‭ ‬عند‭ ‬وجود‭ ‬مبرر‭ ‬صحي‭ ‬وترخيص‭ ‬شرعي‭ ‬وطبي‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬الجهل‭ ‬وعدم‭ ‬استيعاب‭ ‬المخاطر‭ ‬الصحية؛‭ ‬فيقلل‭ ‬بعض‭ ‬المرضى‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬وضعهم‭ ‬الصحي،‭ ‬أو‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬بإمكانهم‭ ‬تحمل‭ ‬الصيام‭ ‬دون‭ ‬تأثير‭ ‬سلبي،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يشعروا‭ ‬بأعراض‭ ‬فورية‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬تجارب‭ ‬سابقة‭ ‬دون‭ ‬استشارة‭ ‬طبية‭.‬

إذن‭ ‬كخلاصة،‭ ‬فإنه‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬يعطي‭ ‬رخصة‭ ‬الإفطار‭ ‬للمرضى،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬العوامل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والدينية‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬حاسما‭ ‬في‭ ‬قرارهم‭ ‬بالالتزام‭ ‬بالصيام‭. ‬لذا،‭ ‬يوصي‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬بضرورة‭ ‬نشر‭ ‬الوعي‭ ‬بضرورة‭ ‬احترام‭ ‬الرخص‭ ‬الشرعية،‭ ‬وإعادة‭ ‬صياغة‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬والاجتماعي‭ ‬بما‭ ‬يخفف‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬المرضى،‭ ‬ويؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬أداء‭ ‬العبادات‭.‬
 
فتحي برادة/ مختص في علم الاجتماع