السبت 1 مارس 2025
مجتمع

الزكاة: رافعة لتنمية البحث العلمي الجامعي والتصنيع في المغرب

الزكاة: رافعة لتنمية البحث العلمي الجامعي والتصنيع في المغرب الدكتور أنور الشرقاوي مع شعار المدرسة التقنية المتعددة الاختصاصات L’Ecole Polytechnique de Paris
في عالم أصبحت فيه الابتكارات العلمية قاطرة التنمية، بات من الضروري أن يعيد المغرب النظر في تمويل أبحاثه الجامعية.

فجامعات كبرى مثل ستانفورد وهارفارد و مدرسة بولي تكنيك (Ecole Plytechnique en France ) ازدهرت بفضل صناديق استثمارية خاصة وشراكات بين القطاعين العام والخاص والحقل الديني.

والمغرب، كبلد مسلم، يمتلك أداة مالية قوية لكنها لا تزال غير مستغلة بالشكل الأمثل: الزكاة والصدقات .

هذه الموارد التي كانت تقليديًا موجهة نحو الأعمال الاجتماعية والدينية، يمكن توجيهها نحو دعم البحث العلمي الجامعي وتطوير الصناعات القائمة على الاكتشافات الأكاديمية، تمامًا كما فعلت كبريات الجامعات العالمية.

تحويل الزكاة إلى محرك للبحث التطبيقي

الزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام، تهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية وتعزيز رفاهية المجتمع.

وإذا كانت تُصرف عادةً في دعم الفقراء وبناء البنية التحتية الدينية، فإن أبواب الشريعة لا تغلق أمام توجيهها نحو مشاريع استراتيجية كتمويل المختبرات الجامعية وإنشاء شركات ناشئة تعتمد على البحث العلمي.

فلماذا لا يؤسس المغرب " صندوق الزكاة للعلم "، لتمويل الأبحاث التطبيقية في مجالات حيوية مثل الصحة، الطاقات المتجددة، والذكاء الاصطناعي؟

نحو نموذج تمويلي مبتكر: بين التقليد والحداثة لدمج الزكاة في تمويل البحث العلمي، يمكن تبني آليات متعددة :

إحداث مؤسسات وقفية : إنشاء " صندوق الزكاة والابتكار "، يكون تحت إشراف هيئات علمية ودينية، لتمويل المختبرات، المنح الدراسية، والتجهيزات المتقدمة.

حوافز ضريبية للشركات : كما هو الحال في الولايات المتحدة وبريطانيا، يمكن منح إعفاءات ضريبية للمؤسسات التي تساهم في تمويل البحث الجامعي، مما يشجع على استثمارات مستدامة في العلوم.

تمويل جماعي إسلامي : إنشاء منصات تمويل جماعي ( Crowdfunding Halal ) تمكن المواطنين والشركات من دعم المشاريع البحثية مباشرة، مقابل فوائد اجتماعية واقتصادية على المدى البعيد.

إشراك المؤسسات الدينية : يمكن للمساجد والعلماء أن يلعبوا دورًا محوريًا في نشر الوعي بأهمية تمويل البحث العلمي كـ " صدقة جارية "، تعود بالنفع على الأجيال المتعاقبة.

المختبرات الجامعية كمُحاضن للصناعات المبتكرة

تثبت التجارب الدولية أن البحث العلمي عندما يُحسن استثماره، يصبح مصدرًا للثروة: ستانفورد أنجبت وادي السيليكون. وهارفارد ومعهد MIT قادا ثورة في البيوتكنولوجيا واللقاحات.
في حين أوكسفورد طور لقاح أسترازينيكا خلال الجائحة.

إذا أراد المغرب أن يلتحق بهذا الركب، فعليه تحويل جامعاته إلى حاضنات للشركات الناشئة، حيث يمكن للشباب الباحثين، بدعم من القطاع الخاص، تحويل أفكارهم إلى براءات اختراع ومنتجات تجارية.

على سبيل المثال، يمكن لمختبر جامعي، ممول من الزكاة، أن يطور تقنيات متقدمة للتشخيص الطبي، تُباع بعد ذلك للمستشفيات والمجموعات الصحية الكبرى مثل أكديطال وأونكوراد وأخرى مما يخلق دورة اقتصادية متكاملة حيث يغذي العلم الصناعة، وتعيد الصناعة استثمار أرباحها في البحث.

تحديات وآفاق: الحاجة إلى تغيير جذري في الرؤية

يبقى التحدي الأكبر هو ضمان هيكلة وتمويل شفاف وفعال للبحث العلمي عبر أموال الزكاة، بحيث يتم استغلالها بالشكل الأمثل، بعيدًا عن سوء التدبير أو المشاريع غير المجدية.

وقد تواجه هذه الفكرة مقاومة ثقافية، ما يستوجب توعية متكاملة يشترك فيها العلماء ورجال الدين، و الأكاديميون، ورجال الأعمال، لإبراز أن دعم البحث العلمي هو أحد أوجه الزكاة الحديثة والمشروعة.

نحو نموذج مغربي لتمويل الابتكار

يملك المغرب فرصة تاريخية لإعادة تشكيل تمويل أبحاثه العلمية عبر توظيف أموال الزكاة والصدقات، مستلهمًا من نماذج الجامعات الكبرى في دول أسلامية أخرى، لتحويل مختبراته إلى قاطرات للتصنيع والتكنولوجيا، تساهم في خلق الثروة، و توفير فرص العمل، وتعزيز السيادة التكنولوجية.

مستقبل المغرب مرهون بعلم متحرر من القيود المالية، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال تبنّي " صندوق الزكاة للعلم "، ليكون الجسر الذي يربط بين الإيمان والتقدم العلمي، في نموذج فريد يمزج بين روحانية الإسلام ونهضة الابتكار.
 
ملحوظة:
هذا اللوح، الذي يخلّد أسماء الواهبين ورعاة العلم، يتصدر بهو المدرسة متعددة التقنيات في باريس Ecole Polytéchnique de Paris ، شاهداً على العطاء الذي يغذي شريان المعرفة.
منذ أن رأت النور عام 1794، وهي صرح للتميّز، حيث تتجلّى روح العبقرية في وجوه المهندسين والباحثين والقادة الذين صنعتهم عقولها، حتى يومنا هذا في عام 2025. تجمع بين عمق العلم وسعة الأفق، لتبقى منارة للإبداع، تسهم في دفع عجلة الابتكار والتقدّم التكنولوجي، ليس في فرنسا وحدها، بل في أرجاء العالم.