الجمعة 11 إبريل 2025
فن وثقافة

الاعلامي التوراني: لماذا السياسيون لا يكتبون سيرهم؟

الاعلامي التوراني: لماذا السياسيون لا يكتبون سيرهم؟ عبد الرحيم التوراني
دائما يطرح سؤال عريض يظل من دون أن يلقى الإجابة المثلى والشافية، وهو: "لماذا المغاربة لا يكتبون؟".. المقصود هنا - على الخصوص - المغاربة الذين مروا بتجارب مهمة، مهنية وقيادية، وشغلوا مناصب إدارية مرموقة، خاصة في المسؤوليات والمراتب العليا والمتميزة، هكذا تساءل الكاتب الصحافي عبد الرحيم التوراني، مؤسس ورئيس تحرير مجلة "السؤال" السياسية والفكرية الذي كان يتحدث مؤخرا بالرباط خلال تقديم وقراءة كتاب " اسماعيل العلوي.. نبل السياسة" للإعلامي محمد سراج الضو.
 
وأوضح التوراني بخلاف ما نراه في بلدان أخرى، ولنكتف بالمقارنة مع ما يجري ويحدث في هذا الشأن في أقطار المشرق العربي، في مصر وسوريا والعراق ولبنان مثلا، ملاحظا في ذات السياق بأن أغلب الكتب القديمة المنشورة حول المغرب كتبها أجانب غرباء، بالرغم من كون تاريخ المغرب وجغرافيته وتركيبته الاجتماعية تجعله أرضاً خصبة للدراسات الأكاديمية وكتابة الرحلات والسرديات التاريخية.
 
وأضاف بأن السير الذاتية تبنى على اعترافات ويوميات وذكريات ومذكرات، وعلى وقائع وأحداث، وربما على أسرارٍ تروى لأول مرة... فقد يجنح كاتب السيرة الذاتية صوب لُجَّة الإقدام على البوح بـ"الكلام غير المباح"، أو الكلام الذي كان يؤدي بصاحبه في زمن ما، في وقت من الأوقات، من سنوات الجمر والرصاص، إلى ما لا تحمد عقباه...
 
ولدى حديثه عن كتاب " إسماعيل العلوي... نبل السياسة "،قال التوراني " بعد سنين وعقود من الكفاح ومن الحضور القوي.. يأتي مولاي إسماعيل العلوي اليوم ليقدم للقراء ما يمكن تسميته بـ" كتاب حياته"...إلا أنه لأسباب، اختار أن يكلم القارئ عبر وسيط، الذي يظهر أنه من كان وراء تحفيز العلوي على شحذ ذاكرته، ودفعه للكلام والإفصاح عن أمور وأشياء، وبينها ترتيب بعض أوراقه ووثائقه، وتجميع جملة من الطرائف التي تخص نشأته الأولى، والحديث عن جذوره العائلية القريبة والبعيدة.. وتذكر مرحلة تعليمه وشبابه الأول.. وظروف استقطابه للانخراط في العمل الحزبي، ثم ولوجه المبكر إلى عالم السياسة من بوابة النضال المشرعة على آفاق رحبة ومتفتحة، آفاق من التفاؤل الواعد ومن آمال بسعة الحلم..
وبعدما أشار التوراني إلى أن اللافت للنظر هنا.. أن عدم كتابة السيرة الذاتية بصيغة مباشرة من لدن صاحبها، يتكرر في الفترة الأخيرة، على مستوى بعض القيادات السياسية الحزبية المغربية، عبر اعتقاده بأن سيرة مولاي إسماعيل العلوي، كتاب وصل متأخرا بعض الشيء. لكن كما تقول العبارة المأثورة: " الوصول متأخراً خير من عدم الوصول أبداً".
 
كما اعتبر أن الاحتفاء بمولاي إسماعيل العلوي، بمناسبة صدور كتاب يتناول سيرته الإنسانية والنضالية، يدخل في باب ما يعرف بـ " ثقافة التقدير والاعتراف"، مسائلا لكن ما هو نوع الاعتراف الذي نتحدث عنه؟ من الذي ينبغي أن يعبر عن هذا الاعتراف؟ الجواب هو أن نقول إن التقدير هو مسؤولية الجميع! والقصد هنا يهم أولا: المجتمع والتنظيم الذي وهب مولاي إسماعيل وقته وحياته له.
 
وفي هذا الصدد، ورى التوراني إن التعبير عن هذا الاعتراف من خلال الشكر على الجهود المبذولة للمحتفى به، وتسليط الضوء على كفاحه، لمن شأنه أن يساعد على تحقيق النتائج المرجوة بشكل أفضل، أساسا بالنسبة للأجيال المقبلة، التي يمكن لها أن تتخذ من سيرته وكفاحه ووفائه، القدوة والمثل، والعبرة والمثال. وقال " لذلك، وليسمح لي مولاي إسماعيل العلوي بالقول، إن المعني لا ينتظر منا التقدم نحوه بالتقدير والاعتراف، مع كون الاعتراف حق من حقوق الإنسان العامل المهموم بخدمة قضايا مجتمعة، ولماذا لا نعتبره حقا من حقوق الإنسان المناضل وواجبا على من يهمهم الأمر".
 
غير أنه قال " كل الكلام الممكن قوله في حق مولاي إسماعيل العلوي، من حسن الإطراء والثناء على شخصه، لن يزيده صيتا ولن يكسبه سمعة.. لأن المستفيد الأول هم نحن، وهم الأجيال اللاحقة والمقبلة... وأن السيرة هي بين أيدينا الآن، باعتبارها عملاً مفيداً ومثيراً للاهتمام، ضمن كتاب مليء بالمعلومات والمعطيات، ومعززٍ بالصور النادرة أيضا، وليست مجرد عمل شخصي غايته إطراء ذاتي، أو استجابة لرغبة نرجسية".
 
وأبرز التوراني بأن هذا الكتاب الضخم لم يكتف بتقديم معلومات موثقة فحسب، مدعومة أحيانًا بإشارات ببليوغرافية دقيقة للغاية، وإن حصلت أحيانا بعجالة، بل كان المقصود أيضًا أن يكون بمثابة مجموعة من الأمثلة التي تم من خلالها تسليط الضوء على كثير من الأحداث والمواقف والجهود، ومن المعاناة القاهرة على مدى سلسلة من التضحيات والمحن.
 
ولدى توقفه عند شخصية مولاي إسماعيل العلوي، معتبرا بأنها كانت دائما شخصية مغطاة بالثناء وبالقبول، خاصة في الأوساط الديمقراطية والتقدمية، حيث دائما كان مولاي إسماعيل شخصية مشمولة بالإشادة بطاقته ومثابرته، ونبله الإنساني العميق، وبجاذبية بشاشته وابتسامته الآسِرة...
 
وأضاف أن الحزب " أصبح يمثل المرجع الحقيقي بالنسبة لسيرة مولاي إسماعيل العلوي، كيف لا وهو من بين أبنائه الصامدين الكبار، ومن الذين قادوا سفينة الحزب في فترات حرجة، ليست بالسهلة بتاتا".
 
و في هذا الصدد، أعرب عن اعتقاده، بأن مولاي إسماعيل العلوي، ظل يسير جنباً إلى جنب مع حزبه، حتى وهو مكلف بمناصب رسمية، وزيرا في تجربة "حكومة التناوب"، فلم يتضاءل اهتمام الرفيق إسماعيل العلوي، أو يتقلص شغفه بالتجميع وبالوحدة، ولم تتراجع رغبته وسعيه في التجمعات النضالية الواسعة، وأن رؤيته للسياسة تأثرت تدريجياً بثقافته وممارسته المهنية كأستاذ جامعي... وأن احترام القواعد الدنيا التي لا يمكن تجاوزها، وقدرته على الإنصات، واحترام الآخر، والدفاع عن حقوق الإنسان، ورفض قيود التسلط والهيمنة... سمة مميزة لسيرته.