Thursday 17 July 2025
كتاب الرأي

جمال الدين ريان: الفكر التقدمي في زمن التحولات.. نحو هوية إنسانية متجددة في العصر الرقمي

جمال الدين ريان: الفكر التقدمي في زمن التحولات.. نحو هوية إنسانية متجددة في العصر الرقمي جمال الدين ريان
في ذروة أواخر الثمانينات، نبتت مشاتل الفكر الأصولي الرجعي، فامتدت جذورها في عقول العامة، حتى استوطنت قلوب المنتمين إلى اليسار. لم يكن الإنسان حينها سوى انعكاس لما تفرضه عليه بيئته، مرآةً لصراعات الهوية وتناقضات الانتماء. لقد صنعته الظروف، وقيدته الخطابات، فجاءت أفكاره محكومة بمناخ أيديولوجي متقلب، جعل من التغيير تحدياً صعب المنال.
 
واليوم، وأمام عالم سريع التحول، تزداد الحاجة إلى إعادة ريّ الفكر التقدمي، ونفخ روح الحكمة فيه. لم يعد يكفي التمسك بشعارات الماضي، بل بات من الضروري أن تُخصب تربة هذا الفكر بمعرفة العصر الرقمي، ووعي متجدد يستوعب التحولات العميقة في أنماط العيش والتفكير. لقد أضحى الإنسان المعاصر بحاجة إلى هوية شفافة، صافية من شوائب التزوير والتقليد، تعبر عنه بصدق وتمنحه المناعة ضد شظايا الانفصام الوجودي وتقلبات الأمراض النفسية التي تهدد الذات في زمن الاغتراب الرقمي.
 
الفكر التقدمي ليس رفاهية، بل ضرورة ملحة لتجاوز الجمود الفكري والتعصب الأيديولوجي. فكل مجتمع لا يجدد أفكاره ولا يصون مرونته، يعيد إنتاج أزماته ويظل أسير ماضيه. من هنا، فإن الدعوة اليوم موجهة إلى كل من يحمل شعلة التنوير، كي يعمل على إعادة بناء منظومة القيم والمعرفة، مستلهماً من حكمة الزمن وروح العصر الرقمي، حتى يولد إنسان جديد: إنسان لا يخشى الحقيقة، ولا يتنكر لهويته، بل يكون مرآة صافية تعكس طموحات أمته وأحلامها.
 
إن إصلاح الفكر وتجديده مسؤولية جماعية تتطلب وعياً نقدياً وشجاعة في مواجهة الذات. علينا أن نحرر عقولنا من سطوة الماضي، وأن نزرع في الأجيال القادمة بذور الحرية والشفافية، ليكون المستقبل أكثر إنسانية وصدقاً. ففي زمن التحولات الكبرى، لا بد أن يكون الفكر التقدمي هو الجسر نحو الغد، يحملنا جميعاً إلى بر الأمان والازدهار.